75% من متعاملـي الماليـة البديلة من خارج قاعدة المتعاملين التقليديــين
تماشيا مع متطلبات السوق المالية وفي إطار الإصلاحات الشاملة التي باشرت بها الجزائر، أعطى قانون النقد والصرف الجديد، حيزا رسميا وواسعا للصيرفة الإسلامية كنشاط مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية، تسهر على مرافقته ومراقبته هيئة الرقابة الشرعية التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، المتكونة من كبار مشايخ وعلماء الجزائر، من أجل تقديم منتجات بنكية حلال، متوفرة على مستوى البنوك والمصارف على غرار القرض الشعبي الجزائري الذي قدم ما يزيد عن 20 منتجا حلال خلال السنتين الأخيرتين.
أوضح مدير الصيرفة الإسلامية بالقرض الشعبي الوطني، سفيان مزاري، في اتصال مع “الشعب”، أن المالية الإسلامية أصبحت رافعة هامة لتعزيز الشمول المالي وتنويع المنتجات البنكية منذ إطلاقها في الجزائر عام 2020، حيث شهد هذا القطاع نموا ملحوظا، مما يعكس اعتمادا متزايدا من قبل السوق على المنتجات المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
واستند في طرحه هذا إلى الحصيلة المسجلة نهاية سبتمبر 2024، التي تشير إلى أن ودائع المالية الإسلامية قد تجاوزت عتبة 817 مليار دج، موزعة على 745 ألف حساب من خلال شبكة تضم 861 وكالة وشباك مخصص. يعكس هذا الانتشار الواسع الجهود المستمرة التي تبذلها البنوك لتلبية الطلب المتزايد والمتنوع على المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. أما بالنسبة للتمويلات الإسلامية، فقد تم تخصيص437 مليار دج للمؤسسات، بينما تم منح 68 مليار دج للأفراد، ليصل إجمالي التمويلات إلى أكثر من 505 مليار دج.
وفي قراءة لهذه الأرقام، أفاد مزاري أنها حصيلة مهمة بالنظر إلى المدة القصيرة التي انتشرت خلالها، لا تعكس فقط التزام البنوك بدعم وتمويل الاقتصاد الوطني، بل تسلط الضوء على مدى اهتمام المتعاملين الاقتصاديين، إضافة إلى شريحة واسعة من المواطنين بالصيرفة المالية كبديل مالي.
حلول مبتكرة..
وبالحديث عن أهداف هذه الصيغة البنكية التي تمكنت من اكتساح السوق المالية، مباشرة بعد الإصلاحات التي عرفتها المنظومة النقدية والمصرفية في الجزائر، فتح مزاري قوسا ليشدد أن تحقيق الشمول المالي هو أحد أهم أهداف النظام المالي، ويمكن القول إن الصيرفة الإسلامية في الجزائر قد قطعت خطوات ملموسة نحو تحقيق هذا الهدف. في هذا السياق استند إلى تجربة البنك الشعبي الجزائري التي تظهر أن أكثر من %75 من عملاء المالية الإسلامية ينتمون إلى خارج قاعدة عملائه التقليدية.
علاوة على ذلك، يساهم هؤلاء العملاء الجدد بأكثر من 50% من إجمالي الودائع المسجلة على مستوى الشباك الإسلامي. مؤشر يعكس بوضوح قدرة الصيرفة الإسلامية على استقطاب شريحة كبيرة من الأفراد غير المنخرطين في النظام المصرفي التقليدي، مما يعزز من مستويات الشمول المالي في الجزائر.
وبنهاية 2024، تمكن الشباك الإسلامي للقرض الشعبي الجزائري من جمع ودائع إسلامية تقارب 49 مليار دينار، مع تسجيل معدل نمو مذهل بنسبة 40% مقارنة بالسنة الماضية.
وتابع ذات المتحدث يقول إن الشمول المالي لا يقتصر فقط على استقطاب الأموال غير الرسمية، بل يشمل أيضا تعزيز الوعي المالي وتوفير حلول تمويلية مبتكرة وموجهة للفئات التي تواجه صعوبة في التعامل مع النظام المصرفي التقليدي. لتقدم المالية الإسلامية الحل، بفضل مبادئها القائمة على الشراكة والشفافية وعدم استغلال الفائدة، مما يمكن من إقناع واستقطاب هذه الفئات المتحفظة من الالتحاق بالنظام المصرفي الكلاسيكي.
في سياق متصل، اعتبر سفيان مزاري أن الصكوك السيادية وبفضل التدابير المنظمة والمؤطرة لبيئة الصكوك السيادية، التي جاء بها قانون المالية لسنة 2025، تشكل نقطة تحول حاسمة في تاريخ المالية الإسلامية بالجزائر، حيث سمح للخزينة العامة بإصدار صكوك سيادية كمنتجات سيادية مبتكرة وأداة مالية تعد الأولى من نوعها في الجزائر، تهدف إلى تمويل المشاريع الاقتصادية التابعة للقطاع العمومي التجاري وتمكن من استقطاب الأموال المكتنزة.
وتعتبر الصكوك السيادية خيارا استراتيجيا لتعبئة الموارد المالية -أردف مزاري- دون الاعتماد المفرط على القروض التقليدية. كما أنها تتيح فرصة لجذب مستثمرين محليين وأجانب من المهتمين في بالاستثمار في أدوات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وبالنظر إلى وجود سيولة كبيرة خارج النظام المصرفي الرسمي، تقدر بحوالي 9 آلاف مليار دج، يمكن للصكوك السيادية أن تلعب دورا هاما في استقطاب جزء كبير من هذه الأموال وإعادة تدويرها داخل الاقتصاد الرسمي.
حوكمة جديدة
واغتنم مزاري الفرصة ليوضح أن أهمية المالية الإسلامية في الجزائر لا تقتصر على الشمول المالي فقط، بل تمتد لتشمل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالتمويلات الإسلامية، على غرار المرابحة والمضاربة والإجارة، تقدم حلولا تمويلية مبتكرة تلبي احتياجات مختلف الشرائح الاقتصادية، فعلى سبيل المثال توفر المرابحة خيارا مناسبا للأفراد الراغبين في اقتناء مساكن أو سيارات بطريقة تتوافق مع قيمه، في حين تساعد الإجارة المؤسسات على تمويل أصولها الإنتاجية دون الحاجة إلى التملك المباشر.
كما تقدم كل من المشاركة والمضاربة إطارا ملائما لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يعزز من فرص الابتكار وخلق الوظائف. في هذا السياق، يمكن للمالية الإسلامية أن تلعب دورا محوريا في تمويل القطاعات الإستراتيجية مثل الزراعة، الطاقات المتجددة، والبنية التحية التي تحتاج إلى تمويل طويل المدى، وهو ما توفره الأدوات المالية مثل الصكوك والاستثمارات المشتركة.
أما فيما يتعلق بالتحديات والفرص المطروحة بقطاع المالية من خلال منتجاته الإسلامية المبتكرة، أجاب مزاري، أنه وعلى الرغم من التطورات الإيجابية، لا يزال القطاع يواجه عددا من التحديات التي يجب معالجتها لتعزيز الاستفادة من قدراته، أهمها الثقة والوعي حيث لا تزال الحاجة ملحة لبعث المزيد من الوعي والثقة بين العملاء حول المنتجات الإسلامية وطبيعتها التشاركية، خاصة وأن العديد من المواطنين يخلطون بين المنتجات الإسلامية والتقليدية بسبب عدم وضوح الفروق أو نقص الشفافية.
وتطرق المتحدث إلى مسألة المنتجات الإسلامية وأكثرها تداولا وانتشارا، موضحا أن البنوك في الجزائر قد ركزت بشكل خاص على بعض المنتجات مثل المرابحة، بينما تظل أدوات أخرى مثل المضاربة المشروعة والمشاركة والصكوك محدودة التطبيق وتحتاج إلى المزيد من الجهود من أجل توسيع رقعة استعمالاتها، ويبقى الاستثمار في الابتكار وتطوير منتجات جديدة الوسيلة الأنجع لتوسيع قاعدة العملاء -حسب ذات المتحدث- الذي شدد على الإطار التنظيمي وضرورة تطوير نظام رقابي شامل يضمن الامتثال الكامل للشريعة الإسلامية ويعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.
بنوك رقمية..
ولا يمكن الحديث عن حوكمة عصرية ومنتجات مبتكرة، دون التطرق إلى الرقمنة التي اعتبرها سفيان مزاري، أحد المحركات الرئيسية لنمو المالية الإسلامية في المرحلة الراهنة، من خلال إدخال حلول تكنولوجية مبتكرة مثل البنوك الرقمية الإسلامية والتطبيقات الإلكترونية، بإمكانها المساهمة في تحسين الوصول إلى الخدمات وتعزيز آفاق النمو ومحركات التطوير لاستغلال أمثل لإمكانات المالية الإسلامية في الجزائر وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية.
ولتحقيق ذلك ركز المتحدث، على عدة محاور إستراتيجية أهمها، تعزيز الثقة وضمان الشفافية الكاملة والامتثال للمنتجات الإسلامية لكسب ثقة العملاء والمستثمرين الجدد، إلى جانب الاستثمار في التكوين وتطوير الكفاءات المتخصصة في المالية الإسلامية من خلال برامج تكوين موجهة للإطارات البنكية والجهات الرقابية، وتصميم منتجات مالية تتماشى مع احتياجات السوق، خاصة في ما تعلق بتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الزراعية والطاقة المتجددة.
وخلص إلى أن تحقيق المشروع الوطني لتعميم الرقمنة سيسمح بدمج المالية الإسلامية ضمن الحلول الرقمية المتقدمة، مثل منصات البنوك النقالة والمصرفية الإسلامية الرقمية. كما شدد مزاري على ضرورة إرساء إطار مؤسساتي شامل لتسريع إنشاء سوق نقدي وبنكي بين المؤسسات الإسلامية وإنشاء بنوك مخصصة بالكامل للمالية الإسلامية.
في هذا الإطار، يتوقع مدير الصيرفة الإسلامية بالقرض الشعبي الجزائري، مستقبلا واعدا للمالية الإسلامية كعنصر أساسي ضمن المنظومة المالية، بالنظر إلى المؤشرات التي تؤكد تأثيرها الإيجابي وآفاقها الواعدة، بفضل دعم السلطات العمومية والإصلاحات التنظيمية، ما يمنح لقطاع المالية فرصة كبيرة ليصبح نموذجا مرجعيا في مجال المنتجات المالية الإسلامية.
وربط مزاري هذا التطور المنشود، برؤية واضحة وجهود مستمرة على جميع المستويات، بدءا من الأطر التنظيمية، وصولا إلى الحوكمة والابتكار والرقمنة، مؤكدا على أنه وفي حال تطبيق السبل العصرية في تسيير القطاع المالي وإدارة الجهود المبذولة والموارد المتاحة بشكل مدروس، فإن المالية الإسلامية يمكن أن تصبح محركا رئيسيا للتنمية الاقتصادية، وعامل جذب للاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الشمول المالي في الجزائر، وتمكين جميع القطاعات من المشاركة في عملية بناء اقتصاد وطني متنوع، قائم على ركائز مالية آمنة.