الكيان الصهيوني يحلـم بـ ”التطهير العربي” في فلسـطـين..

ثـلاثـة تهـديـدات ونـصـف..

بقلم : المتوكل طه

إنّ توحّش التحالف المسعور الصهيوني الأمريكي، الممتدّ من رفح إلى بيروت، مرورا بالضفة، هو فضيحة العصر، ولا مكان للقاتل بين الأمم. وستبقى هذه المذابح حاضرة في وعي البشرية وعلى ألسنة البشر، ولن تنطفئ جمراتها قريبا. وإنّ وحدة الساحات وحدها ما سيحقّق الثبات للمقاومين، ويحول دون تحقيق الكيان الصهيوني لأهدافه الإجرامية، بمعنى أنّ غزّة أشارت، منذ اللحظة الأولى، إلى منظومة مقاومة على العديد من الساحات والجبهات (لبنان واليمن والعراق ومن خلفها)، وثبات غزّة ومساندة المقاومة اللبنانية، سيمنع الاحتلال من إبادة الضفة، وتهجير غزّة، وتصفية القضية الفلسطينية..

إنّ ما جرى منع تحقيق الحلم الصهيوني الهادف إلى تطهير عرقي، و«ترانسفير” للمواطنين خارج فلسطين، وكان ممكنا لولا المقاومة والصمود. أيّ لا يمكنني أن أكون “فلسطينيا”فقط، بل يجب أن أكون واحدا متّصلا بشكل عضوي، مع هذه الجبهة الممتدّة والمتفجّرة، لأنّ مصيري مرتبط بها، بالضرورة والفعل.
وبعد عام كامل من العدوان، وعلى جبهة الإسناد اللبنانية، ذهب الاحتلال إلى تفجير الجبهة بغير اعتداء مؤذٍ وعنيف وعميق وغير متوقّع، دفع المقاومة إلى الرّد المدروس والصبور، لأنّها لا تريد حربا مفتوحة يدفع لبنان ثمنها المخيف، ولا تريد أن تغامر بقوّتها. لكنّي أرى أنّ الجبهة اللبنانية مرشّحة للانفجار أكثر وأكثر، وسيغامر الاحتلال وسيدفع بجنوده لاقتحام الأراضي اللبنانية، وسيضرب بشراسة وعشوائية، ما سيلهب الشمال والجنوب، ويفتح الآفاق لتدخّلات إقليمية، ويجعل المشهد اللبناني سعيرا وتراجيديا، بصورة دراماتيكية.
ويبدو أنّ قوس الحرب سيفلت، وسنرى جهنّم الحمراء على الشمال، وستكون ردود المقاومة غير متوَقّعة وجامحة، وفي غير مكان، أيّ في المنطقة وخارجها، لأنّ ما جرى سيزلزل المنطقة..انتظروا!
أُذكّر هنا بأنّ الاحتلال أعلن، غير مرّة، ومنذ بضع سنوات، بأنّه يواجه ثلاثة تهديدات استراتيجية ونصف! هي: إيران-حزب الله، غزة، الضفة الغربية، أما نصف التهديد فهو الفلسطينيون داخل الكيان.
وأرى أنّ الاحتلال الصهيوني، وبشراكة كاملة مع الإدارة الأمريكية، قرروا مواجهة هذه التهديدات، فبدأوا بغزّة..إبادة وشطبا وحرقا دون رحمة، ثم استداروا نحو المقاومة في لبنان، وراحوا يعيدون إنتاج المحرقة عليها.. وأعتقد أنّ الاحتلال لن يتوقّف حتى يأتي على كل عشبة ونأمة ورصاصة في لبنان، ودون رحمة أيضا!.. وهنا أشير إلى أنّ التهديد المقاوم في لبنان لن ينتهي بسهولة، لأنّ الاحتلال أخطأ في حساباته هذه المرّة، إذ توهّم أنّ لبنان مثل غزّة، (التي ما فتئت صابرة تقاتل)! ويستطيع أن يعيد سيناريو الأرض المحروقة نفسه، دون حساب مبهظ! على الرغم من الدعم الأمريكي اللاّمحدود؛ لأنّ ثمّة عوامل مختلفة تماما في الحرب على لبنان، أهمّها أنّ المقاومة اللبنانية تتمتّع بقاعدة آمنة، فهي ساحة مفتوحة، غير قابلة للحصار والتجويع، رغم ضرب طوق عسكري على لبنان! وبإمكان الأسلحة أن تتدفّق دون انقطاع، وثمّة مخزون بشريّ نوعيّ مدرّب، وأسلحة نوعية قادرة على زلزلة الاحتلال. وعليه؛ لا يمكن للاحتلال أن ينتصر أو يحقّق أهدافه في لبنان، لأنّ لبنان ليس غزّة، بقدراته وعمقه الإقليمي، وحدوده التي يمكن أن تستقبل آلافا مؤلّفة من المتطوّعين، من شتّى الجهات.
وربّما ظنّ الاحتلال أنّ الوقت بات مواتيا ومناسبا له للتخلّص من تهديد المقاومة اللبنانية، الذي يعتبره تهديداً استراتيجيا يقضّ مضجعه، لهذا، ذهب بحمولته العسكرية، بمشاركة الطيران الأمريكي، ليفعل فعلته، ويحقّق للكيان الصهيوني “الهدوء والأمان”، في ظلّ الخَرَس الدولي..
وأرى أنّ الاحتلال، بعد لبنان، إن استطاع، سيستدير نحو الضفة الغربية، ليصبّ جام حممه عليها، ليحقق ما يتغيّاه من ترانسفير، ولو بشكل جزئيّ، ويقضي على كلّ مناحي ونتوءات المقاومة، ويفرض صيغته عليها، بمعنى أنّ هزيمة الاحتلال في غزّة هي انتصار للمقاومة اللبنانية، وأنّ هزيمة الاحتلال في لبنان، هي انتصار للضفة وغزّة، وأنّ هزيمة الكيان هي ضربة في عمق المصالح الأمريكية، وانتصار للمحور الداعم للمقاومة في لبنان وفلسطين. وأعتقد أنّ الكلام المجّاني، الذي تسوّقه أمريكا عن الحلّ (وقف إطلاق النار، تهدئة، صفقة تبادل، حلّ سياسي..الخ) سيضيع في ظلّ فرقعات القصف والطائرات، واشتعال الجنوب اللبناني والشمال الفلسطيني المحتلّ، وهو كلامٌ لشراء الوقت وللتمويه، فأمريكا هي التي تحارب مباشرة وتعتدي وتقصف وتغتال، وكلّ كلامها كذب وتضليل وخلط للأوراق.
وأذكّر بأنّ الضفة الغربية هي الهدف اللاحق للاحتلال، ويخطّط لها كما فعل في غزّة ولبنان، ولن يرحم شجرةً أو بيتا أو رضيعا أو سلطة..فلننتبه! ولينتبه أهلنا في الأراضي المحتلة 1948، لأنّهم مستَهدَفون بشكل استراتيجي أيضا، فهم الأكثر إزعاجا للصهيونية؛ لأنّهم في أحشائها. بمعنى أنّ علينا أن نُساند كلّ الجبهات التي تواجه آلة الفناء الصهيونية، وننحاز مع لبنان الصامد المقاوم، حتى لا تصل النار إلى الضفة، فإن “انتصر” الاحتلال في غزّة ولبنان- لا قدّر الله - فلن تكون هناك ضفّة غربية. لكن، سيخيب الاحتلال الصهيوني- بإذن الله - وسيعود القاتلُ يجرّ أذيال الهزيمة، وهذا ما يفسّر توحّشه وفاشيّته المجنونة. لهذا، على الساحة الفلسطينية، لن يذهب الاحتلال إلى أيّ صيغة حلّ أو حلحلة، حتى تنقشع جبال الدخان، ويتّضح الأمر. فلا ينشغلنّ أيّ فلسطيني بأيّ كلام يتحدّث عن اليوم الثاني في غزّة، أو عن مستقبل الضفة.
وقد يكون المتاح، أمام الفلسطينيين، لاحقا، وبعد إخفاق الكيان الصهيوني، بعد هذا التقتيل والاستباحات والإفناء، في أحسن الحالات: إعادة إنتاج نظام سياسي فلسطيني بشروط الاحتلال وتحت مظلّته، وسيتم إبراز الضجيج الليبرالي المصاحب له (انتخابات، إصلاحات، إعمار، تحسين الوضع الاقتصادي..) كتعويض عن التنازل عن الجوهر.
وربّما ستنخرط كلّ القوى الفلسطينية، في هذا المتاح الوحيد، وسيغضّون الطرف عن الهاوية الذاهبين إليها، حفاظا على وجودهم ومصالحهم.. إنّ الاحتلال قد وضع سيناريوهات للمستقبل، كما وضع مهمّة لكلّ القوى الفلسطينية القائمة، وما هو الردّ إذا تمرّدت، فهل لدى فتح وحماس، وباقي الفصائل، سيناريوهاتها ورؤيتها للمستقبل الحركي والوطني والسياسي؟ وهل هي سيناريوهات فردية، أم جماعية وطنية؟
إنّ حالة الوهن، والخوف على المستقبل، عداك عن الضغوطات التي تحاصر الفصائل الفلسطينية، دون استثناء، سيجعلها تسارع نحو أيّ طريق يمهّده الإقليم برعاية أمريكية، ويتوافق عليه، تحت دعاوي الواقعية والمصلحة..ولا شيء سوى هذا المطروح والممكن! وإنّ أيّ صوت سيعارض، وقتها، سيشار إليه باعتباره عبثيّاَ وخارجاً عن الصفّ الوطني. كما أنّ موازين القوى المحيطة، وحالة الضعف الفلسطيني، والأزمات الحالية القاسية..لن تنتج حلّا وجيهاً للشعب الفلسطيني، بقدر ما سيعيد إنتاج القائم، بِرُتوشٍ وأسماء وصيغ جديدة..ستبقينا تحت الاحتلال.
إنّ الإطار السياسي الوحيد المقبول للتعاطي معه فلسطينيا، هو دولة فلسطينية بعاصمتها القدس، والعودة والاستقلال والخلاص التام.أما التعاطي بأيّ صيغة دون ذلك، سيكون تبديداً للدم والتضحيات، وخنوعا للقاتل.
على الدنيا أن تعي بأنّ الاحتلال جعل العلاقة الوحيدة معنا هي علاقة اشتباك، بكلّ مستوياته.. وكلّ مَن يضع أساسا آخر لعلاقتنا القادمة مع الاحتلال غير التناقض والاشتباك، إنّما يخون الشهداء، ويغسل يدي الاحتلال من دمنا.. وإنّ أخطر ما يقوم به البعض، هو تمرير التنازلات الجوهرية بمفردات وطنية تدّعي الحرص. المطلوب دولة فلسطينية على أنقاض الاحتلال، وليس دولة تحت الاحتلال، وهذا لن يكون إلا بعد كسر الكيان، ضمن حاضنة اشتباك حاسم؛ كفاحي وسياسي ودبلوماسي ووطني، وأن تكون القيادة الفلسطينية واحدة، وليست قوى مبعثرة، وتحت عنوان ومظلّة واحدة. وفي خضمّ ما نحن فيه، فقد ينسى البعض بديهيةً، هي: أنّنا تحت الاحتلال!

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024