«زرتُ غزّة أكثر من 50 مرة، ولكن هذه المرة لم يُهيئني أيّ شيء لما شهدته من دمار شامل وانعدام للإنسانية. ما شهدته يتخطّى أسوأ مخاوفي تجاه النساء والفتيات اللاتي عملت معهنّ لسنوات طويلة”، هذه شهادة ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين عن زيارتها الأخيرة لقطاع غزّة”..
هكذا تحدّثت المسؤولة الأممية ماريس غيمون للصحفيين في نيويورك عبر الفيديو من القدس، عن التصعيد اليومي للعنف والدمار الناجم عمّا وصفتها بالحرب ضدّ النساء بدون نهاية في الأفق. وأضافت: “الحروب لم تكن أبدا محايدة على صعيد النوع الاجتماعي، ولكن بلا شك فإنّ مليون امرأة وفتاة في غزّة يتحمّلن أسوأ أعباء الحرب”.
مليونــا قصّـة مـن الفقـــدان
وذكرت المتحدّثة أنّ النساء في غزّة جائعات ومنهكات ومريضات، يحافظن على بقاء الأسر معا على الرغم من أنّهن يعشن في خوف مستمر وفقدان. وقالت: “كلّ امرأة قابلتها كانت قصة فقدان. أكثر من 10 آلاف امرأة فقدت حياتها، أكثر من 6 آلاف أسرة فقدت أمهاتها. نحو مليون امرأة وفتاة فقدت منزلها وأحباءها وذكريات حياتها. إنّ غزّة هي أكثر من مليوني قصّة عن الفقدان”.
وتحدّثت غيمون عمّا قالته لها امرأة نازحة، أثناء زيارتها مؤخرا لقطاع غزّة، عن رغبتها في أن تذهب إلى شقتها في مدينة غزّة بمجرد وقف إطلاق النار، “فيما كانت تدرك جيدا أنّ المنزل لحقت به أضرار جسيمة، إلا أنّها أرادت أن ترى ما الذي بقي وتجمع بعض مقتنيات وذكريات أسرتها”. وقد علمت تلك السيدة فيما بعد أنّ شقتها أُحرقت ولم يتبق شيء منها “ولم يعد لها بيت تعود إليه”.
ذكرت ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة أنّ النساء في غزّة يعشن في تنقل مستمر، وخوف متواصل، وقالت “لا يوجد مكان آمن للنساء في غزّة”. وأشارت إلى أنّ 9 من بين كلّ 10 أشخاص في غزّة، نازحون وأنّ نحو مليون فتاة وامرأة قد نزحن خمس أو سبع مرات بدون نقود أو متعلقات وبدون أن يعرفن إلى أين سيذهبن أو سيعشن.
وقد ذكرت العديد من النساء للمسؤولة الأممية أنّهنّ لن ينتقلن إلى مكان آخر بعد ذلك لأنّ النزوح لا يحدث فرقا في سلامتهنّ أو بقائهنّ على قيد الحياة.
قـوّة استثنائيــة
وقالت ماريس غيمون ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين إنّ الرسالة التي تنقلها من غزّة لا تتعلق فقط بالدمار والموت، وأضافت: “نساء غزّة يظهرن قوّة وإنسانية فائقة في كفاحهنّ من أجل البقاء مع تمسكهنّ بالأمل والتضامن وسط الدمار. التقيت نساء رائعات يعتنين بأسرهنّ ومجتمعاتهنّ في وجه الجوع والموت والأمراض والتشريد”.
وتحدّثت عن عمل المنظمات التي تقودها نساء لحماية حقوق وكرامة سكان غزّة على الرغم من نقص التمويل والإمدادات والخدمات الأساسية.
واختتمت الكلمة إنّ “غزّة تحتاج إلى السلام والوصول الكامل للمساعدات الإنسانية وفتح جميع المعابر البرية”.
الأسـر والإخفـاء القسري.. ســلاح ضــدّ المـرأة
لا يمكن إغفال ما تتعرّض له المرأة في غزّة من تنكيل وتعذيب بسبب الأسر والإخفاء القسري، حيث قالت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في وقت سابق، إنّ 60 أسيرة في سجن الدامون الصهيوني يعشن أوضاعا مأساوية، ناقلة عن إحدى الأسيرات قولها إنّ سجنهنّ أشبه بـ “مقابر للأحياء”.
وأشارت الهيئة إلى أنّ الأسيرات “معزولات بشكل تام عن العالم الخارجي، ولا يوجد أيّ تواصل أو زيارات، وهناك قيود كبيرة على زيارة المحامين”.
ويتزامن ذلك “مع عقوبات شديدة مفروضة منذ بدء العدوان الصهيوني على غزّة في 7 أكتوبر 2023، على الأسرى وسط غياب كامل لدور الصليب الأحمر، وكلّ المؤسّسات الإنسانية والحقوقية”، محذّرة من أنّ “الأسرى في خطر حقيقي”، وفق البيان ذاته.