منذ الأيام الأولى من هجومه على غزّة، حوَّل الاحتلال مستشفياتها إلى ساحة حرب، حيث وجّه ضرباته إليها بشكل مقصود، وعمل على تدمير بنيتها التحتية، وارتكاب مجازر فيها، بحجة وجود بنى تحتية عسكرية للفصائل الفلسطينية فيها، ممّا أدّى في نهاية المطاف إلى انهيار القطاع الصحي.
وخلال ما يقارب شهرا من بداية الحرب، تسبّبت الهجمات العسكرية في إخراج 25 مستشفى من أصل 35، و51 مركز رعاية أولية من أصل 72 مركزا عن العمل، وفي الوقت نفسه، منع الاحتلال إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية للقطاع.
وقد باشر الجيش الصهيوني استهدافه المتعمّد للقطاع الصحي بعد يومين فقط من بداية الحرب، ففي التاسع من أكتوبر 2023، تم استهداف مستشفى الشفاء، الذي يعد أكبر مجمع طبي في غزّة، ويضمّ 3 مستشفيات متخصّصة، ويعمل فيه ربع إجمالي العاملين في مستشفيات القطاع.
وفي اليوم العاشر من الحرب، قصف الاحتلال المستشفى المعمداني، ممّا أدّى إلى استشهاد أكثر من 500 شخص، أغلبهم من النساء والأطفال الذين اتخذوا من المستشفى ملجأ آمنا، كما استشهد عدد من أفراد الكوادر الطبية.
ومع استمرار الحرب، تصاعد عدد سيارات الإسعاف والمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية المستهدفة بالقصف المستمر والمهددة بالإخلاء القسري، ممّا أدّى إلى تفاقم الأزمة الصحية في القطاع.
وضاعف من حدّة المشكلة استمرار الحصار وإعاقة الاحتلال دخول الإمدادات، إذ أصبحت المنظومة الصحية تعاني من نقص حادّ في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية والوقود، وهو ما هدّد التدخلات الإنسانية، وأثر بعمق على وظائف المستشفيات والمراكز الصحية وخدمات الإسعاف.
ومع مرور زهاء عام على العدوان، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، أنّه لم يبق في العمل سوى 17 مستشفى من أصل 36 مستشفى، كلّها تعمل بشكل جزئي، ولا يعمل سوى 57 من أصل 132 مرفقا للرعاية الصحية الأولية.
وقد نالت الاستهدافات المستمرة من العاملين في المجال الصحي، ما نجم عنه نقص في الطواقم الطبية، وإلى أواخر سبتمبر 2024، بلغ عدد الشهداء من العاملين في القطاع الصحي، نحو ألف، بينهم أطباء ومختصّون وممرضون وموظفون في مهن طبية مساندة وإداريون ومسعفون.
وتسبّبت ممارسات الاحتلال بأزمة إنسانية حادّة، وتراجع الأمن الغذائي في القطاع، وصنّفته منظمة الصحة العالمية، منذ الأشهر الأولى من الحرب ضمن الترتيب الأسوأ، فقد وصفت حوالي 50 بالمائة من السكان، بواقع 1.17 مليون إنسان، بأنّهم يعيشون في وضع طارئ من حيث الأمن الغذائي.
تـفشـي الأمـراض والأوبئـة
قطع الاحتلال الصهيوني منذ بداية عدوانه على غزّة إمدادات الوقود والكهرباء والأنابيب التي تزوّد سكان القطاع بالمياه، ممّا تسبّب في إغلاق محطات تحلية المياه والصرف الصحي بشكل كامل، وأدّى إلى تفاقم مشاكل نقص مياه الشرب النظيفة وسوء الصرف الصحي.
ونجم عن ذلك، تفشّي العدوى البكتيرية التي تنقلها مياه الشرب الملوّثة، مثل مرض الزحار والتيفوئيد وشلل الأطفال.
وضاعف الاكتظاظ الشديد للنازحين في الملاجئ معدّلات الأمراض المعدية مثل الإسهال والالتهابات الحادة للجهاز التنفسي، وأمراض الجلد الالتهابية وفيروس التهاب الكبد الوبائي، التي زاد من خطرها نقص خدمات الصرف الصحي وسوء التغذية ونقص الإمدادات الطبية وانهيار المنظومة الصحية.