أطلقَت ابتسامةً ساحرةً بينما كان المُعالجُ يُمَسّدُ شعرها، ويمسحُ برفقٍ الغبارَ الذي تُخالطُه الدماءُ النازفةُ من وجهها، وكأنها تقول له “شكراً”، فيما تومض عينيها الجميلتين بالعرفان والرضا لمن أحاطوها الرعاية، ليُخففوا من وجعها، ويُبلسموا جراحها.
لم يتجاوز عمرُها السنوات الخمس، لا أعرفُ اسمَها، أطلّت أمس هادئةً على سريرٍ مُخضّبٍ بالدماء، في مستشفى لا يتوفر فيه الدواء، تمنيتُ لو كنتُ قادراً على الإمساك بيدها وأُخرجُها من الشاشة، لأحضنها مع أترابها ممّن تمّ نقلُهم معها بعد غارةٍ أوقعت عشرات الشهداء والمصابين، استهدفت مدرستين تؤويان نازحين، معظمُهم من النساء والأطفال.
وفي لُجّة الوجع الذي يسكن أروقة المستشفى المعمداني من مشاهد الجثث الـمُقطّعة الأوصال، والأشلاء المتناثرة خارج فصول المدرسة، التي آووا إليها، لعلّها تحميهم من غاراتٍ توزع القتل بـ “العدل” على المدارس والخيام في الجنوب والشمال، وهو “العدل” الذي تعجز عن تحقيقه محكمة العدل الدولية لتحميَ الأطفال والنساء من فرط نزيفه، في حين لم يُقم القتلةُ أيّ اعتبارٍ لقراراتها، ومضوا في ارتكاباتهم بشعور المطمئن القادر على الإفلات من العقاب...
في تلك اللجة الدامية تُطرح الأسئلة الحارقة...مَن يُوقف المقتلة؟ من يلجم شهوتهم التي تستبدّ بهم لإبادة الناس، كل الناس، قتلاً وتجويعاً وأمراضاً، وأوبئةً فتاكةً بوصفة “سموتريتش” للمحو والحرق والإبادة؟ شعورٌ بالخجل انتابني، وضعتُ يدي على وجهي لأُواريَ عجزي وقلة حيلتي وهواننا على الناس، بينما أطفالنا ونساؤنا يُقتلون صباح مساء. كفى كفى كفى..أوقِفوا قتل الأطفال.