لا تمتثل إلى قانون دولي ولا إلى عـرف إنسـاني..

سياسة الاعتقال في السجون الصهيونيـة.. انتقام ممنهـج (2)

نزار أيوب

تتنافى سياسة الانتقام والتنكيل بالأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وعلى نحو خاص منذ 7 أكتوبر، مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومن ضمنها تلك المعايير التي يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والتي تكفل لكلّ شخص الحقّ في الحياة والحرية، وفي الأمان على نفسه، وتحظر اعتقال أيّ إنسان أو حجزه تعسّفا، أو إخضاعه لأيّ نوع من أنواع التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وتنصّ على حقّ كلّ شخص في أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة ومحايدة وعلنية توفر له كلّ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه”.

وتندرج تلك الممارسات، أيضا، ضمن المخالفات الخطرة لقواعد العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وهي تنصّ على حقّ جميع الأشخاص في الحرية، وفي أن يأمن كلّ منهم على نفسه، وعلى حظر التوقيف أو الاعتقال التعسّفي، وضرورة تبليغ الشخص بأسباب توقيفه عند حدوث ذلك، وبالتهمة الموجّهة إليه على وجه السرعة. وتنتهك ممارسات سلطة الاحتلال حقّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في المثول أمام قاض بأقصى سرعة، وهو أمر يتعارض مع ما توجبه المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تكفل لجميع المحرومين من حريتهم حقّ الرجوع إلى محكمة لكي تفصل في شرعية اعتقالهم من دون إبطاء، والتي تأمر بالإفراج عن أيّ شخص معتقل على نحو غير قانوني.
يشكّل الاعتقال الإداري المعمول به بموجب قانون الطوارئ لعام 1945 انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان بوصفه اعتقالاً تعسّفيا، تبرّره سلطة الاحتلال بامتلاكها أدلة سرية، لا يجوز للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، منتهكة بذلك أسس المحاكمة العادلة والعلنية التي تشترط المساواة أمام القضاء، والتي تكفل حقّ كلّ فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون». ويجري الاعتقال الإداري بموجب أوامر عسكرية جائرة يصدرها قادة الاحتلال، تسري لمدة أقصاها ستة أشهر، وهي قابلة للتجديد مرات غير محدودة ومن ثمّ، يمكن أن يقضي المعتقل، على نحو تعسّفي سنوات عديدة في السجن، من دون معرفة التهمة الموجّهة إليه.
وثمّة عقاب وإجراء سياسي يعبران عن سياسة رسمية لدولة الاحتلال باستخدامها الاعتقال الإداري عقابا جماعيا ضدّ الفلسطينيين. إنّ هذا النوع من الاعتقال الذي تستخدمه قوات الاحتلال محظور في القانون الدولي؛ لأنّ أمر الاعتقال لا يحدّد مدّة قصوى لاحتجاز الشخص الذي يكون رهن الاعتقال الإداري، بحيث يجوز للقائد العسكري تمديد الاعتقال بحسب مشيئته، واحتجاز الفلسطينيين سنوات عديدة من دون أن يدانوا بارتكاب أيّ مخالفة. وذلك يضع الفلسطيني في موقف العاجز عن الطعن في ادعاءات مجهولة بالنسبة إليه. ولا يكون في إمكانه تفنيدها ودحضها لعدم وجود لائحة اتهام وهكذا، يحتجز على نحو تعسّفي إلى أجل غير مسمى.
وتعاني مختلف شرائح الشعب الفلسطيني سياسة الاعتقال الإداري التعسّفية؛ إذ أصدر القادة العسكريون الذين تعاقبوا منذ عام 1967، آلاف أوامر الاعتقال الإداري في حقّ شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني. ومن بين الذين شملهم الاعتقال ناشطون سياسيون وناشطون في حقوق الإنسان تحديدًا، وعمال، وطلبة جامعيون، ومحامون.
إنّ الظروف التي يعيشها الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون داخل السجون ومعسكرات الاعتقال الصهيونية. وخصوصا منذ 7 أكتوبر، وما يتعرّضون له من تعذيب وإساءة معاملة وتجويع وحرمان من تلقي الرعاية الصحية، ومنعهم من التقاء محاميهم، وعدم معرفة أماكن احتجاز كثيرين منهم، مخالفة لكلّ القوانين والأعراف الدولية، ومن ضمنها مجموعة المبادئ المتعلّقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرّضون لأيّ نوع من أنواع الاحتجاز أو السجن لعام 1988، والتي تحظر إخضاع السجناء والمحتجزين للتعذيب أو إساءة المعاملة، أو تبرير التعذيب تحت أيّ ظرف كان”، أو استبقاء أيّ شخص رهن الاحتجاز، من دون أن تتاح له فرصة حقيقة للإدلاء بأقواله في أقرب وقت ممكن أمام سلطة قضائية من أجل الدفاع عن نفسه بمساعدة محام والالتقاء بمحاميه. يضاف إلى ذلك حقّ المحتجزين والمسجونين في إبلاغ أفراد من أسرهم بمكان احتجازهم، وفي أن تتوافر لهم الرعاية الطبية اللازمة، وفي إجراء الفحوصات الطبية وتلقي العلاج الملائم أيضا.
وتتعارض سياسة التنكيل بالأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والانتقام منهم مع قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، قواعد نيلسون مانديلا التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2015 بشأن حماية حقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم، سواء كانوا محتجزين أو محكومين، وتتعارض كذلك مع معاملتهم بناءً على احترام كرامتهم المتأصلة بوصفهم بشرًا، وعدم إخضاعهم للتعذيب، وعدم إساءة معاملتهم، وتوفير الرعاية الطبية لهم أسوة بأيّ مريض، ومنع الحدّ من الطعام أو الماء.

القـانون الـدولي الإنـساني

ينظّم القانون الدولي الإنساني الذي يسري في وقت المنازعات المسلحة، وفي أثناء الاحتلال، كلّ المسائل التي تتعلّق بالحرمان من الحرية، ويشكّل قاعدة متينة لحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، سواء كانوا أسرى حرب أو معتقلين. وتتضمّن اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949 العديد من الأحكام الناظمة للمسائل المتعلقة باعتقال أسرى الحرب أو المدنيين، ويشمل ذلك انتهاء الحرمان من الحرية، وتنصّ كلتا الاتفاقيتين والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 على حظر كلّ تعذيب وإساءة معاملة للأسرى والمعتقلين، وعلى أن يكون الأسرى والمعتقلون المحتجزون في ظروف إنسانية ملائمة، وعلى إيلاء المعتقلين من النساء والأطفال معاملة خاصة، فضلاً عن توفير الرعاية الطبية اللازمة للسجناء، وتقديم كميات كافية من الطعام إليهم، وقضائهم أوقاتاً كافية في الهواء الطلق، والسماح لهم بالاتصال بأسرهم”.
ينتهك الاعتقال الإداري قواعد القانون الدولي الإنساني بشأن ضمانات المحاكمة العادلة التي يفترض أن تشكّل على نحو قانوني. وحتى قرينة البراءة التي تقوم على المبدأ القانوني الذي يعتبر الشخص بريئا ما لم تثبت إدانته، والمحاكمة من دون تأخير، لا موجب لهما، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حقّ المتهم في استجواب الشهود، ومبدأ المحاكمة العلنية الذي يشترط عدم إجراء المحاكمة في الخفاء”.
يميّز القانون الدولي الإنساني بين المعتقلين المدنيين والأشخاص الذين يتمتعون بوضع أسرى الحرب بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل إقليمهم أو خارجه، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً؛ إذ يتعين أن تتوافر فيهم عدد من الشروط الأساسية؛ كأن يخضعوا لقيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه، وأن يتقيّدوا بقوانين الحرب وأعرافها، وأن يحملوا السلاح جهرا، وأن يقلّدوا شارة تميّزهم من الآخرين.
إنّ الوضع القانوني للفلسطينيين للأسرى والمحتجزين الفلسطينيين في سجون سلطة الاحتلال الصهيوني هو محلّ جدل دائم. فثمّة من يقول إنّهم أسرى حرب وفقا لقواعد اتفاقية جنيف الثالثة وأحكامها بشأن حماية أسرى الحرب لسنة 1949، في حين يعتبرهم آخرون معتقلين ممّن ارتكبوا مخالفات أمنية، ولذلك تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، وهي تتضمّن عشرات الأحكام المتعلقة بمعاملة المعتقلين وحمايتهم.
بصرف النظر عن اعتبار الفلسطينيين المحتجزين في السجون ومعسكرات الاعتقال الصهيوني أسرى حرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة لمعاملة أسرى الحرب لعام 1949، أو معتقلين مدنيين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين لعام 1949، فإنّ سياسة الانتقام والتنكيل التي تنتهجها سلطة الاحتلال وأجهزتها الأمنية ضدّهم، وخاصة منذ 7 أكتوبر، تنطوي على انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني وأحكامه التي توفر لهم الحقّ في الحماية وحسن المعاملة.

خـتـامـــا

تستهدف حملات الاعتقال الواسعة التي تنفّذها قوات الاحتلال وأجهزة الأمن الصهيونية ضدّ الفلسطينيين. منذ بدء الحرب الانتقامية على قطاع غزّة، الانتقام من الفلسطينيين ومعاقبتهم وإسكاتهم. ويواجه الأسرى والمعتقلون في السجون ومعسكرات الاعتقال الصهيونية ظروف اعتقال غير إنسانية؛ فهم يتعرضون للتعذيب وإساءة المعاملة، ويحرمون من تلقي الخدمات الطبية والعلاج المناسب، ولا يحصلون على كميات كافية من الغذاء، بقرار رسمي صهيوني، ترعاه وتنفّذه وزارة الأمن القومي التي يرأسها الوزير اليميني المتشدّد إيتمار بن غفير، وذلك بدعوى حالة الطوارئ وضرورات الأمن.
وعلى الرغم ممّا تشكّله سياسات الاحتلال وممارساته التعسّفية في حقّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من انتهاك صارخ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني التي تكفل الحماية وحسن المعاملة لكلّ المحتجزين والمسجونين، فإنّ محكمة العدل العليا الصهيونية تجاهلت هذه الانتهاكات برفضها العديد من الالتماسات التي قدّمتها منظمات حقوق إنسان صهيونية للطعن في مشروعية احتجاز الفلسطينيين في ظروف صعبة وغير إنسانية داخل السجون ومعسكرات الاعتقال الصهيونية.
إنّ ادّعاء ارتكاب حركة حماس انتهاكات في أثناء هجومها على مواقع صهيونية متاخمة لقطاع غزّة، لا يمنح الكيان الحقّ في التحلّل من التزاماتها وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني، وممارسة سياسة انتقامية وعقوبات جماعية في حقّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك احتجازهم في ظروف غير إنسانية، وإخضاعهم للتعذيب، وإساءة معاملتهم، وحرمانهم من الحصول على الرعاية الطبية والعلاج اللازم، ومنعهم من التقاء محاميهم، وحظر زيارات ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهو ما يعزّز الشكوك المتعلّقة بإخفاء الانتهاكات الجسيمة التي تمارس ضدّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الصهيونية ومعسكرات اعتقالاتها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024