وصلت عملية التعذيب الوحشي للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين على يد سلطات الاحتلال الصهيوني إلى ذروة غير مسبوقة في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها، القوة القائمة بالاحتلال، على شعب فلسطين.
بالتزامن مع بدء حرب الإبادة الجماعية التي تُبث جرائمها على الهواء مباشرة في قطاع غزّة، ومع تصعيد العدوان الصهيوني وجرائم التطهير العرقي والفصل العنصري في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، أخذت قضية الأسرى والمعتقلين منحىً خطيراً واستثنائياً يواجه خلاله الأسرى داخل السجون الصهيونية ومعسكرات الإعتقال السرية وجهاً آخر لجريمة الإبادة الجماعية تجري فصولها بعيداً عن كاميرات التلفزة وضجيج الصحافة والإعلام، لكنها توازي بفظاعتها تلك التي يعانيها شعبنا في قطاع غزّة. فكما قام وزير جيش الإحتلال يؤاف غالانت بإعلان الشروع بالإبادة الجماعية في قطاع غزّة، اتخذ وزير أمن الاحتلال إيتمار بن غفير سلسلة مماثلة من القرارات كالتجويع والتعطيش وإلغاء المقاصف، وتخفيض حصص الطعام التي يحصل عليها الأسرى إلى حدود أقرت المحكمة العليا الصهيونية أنّها أدنى بكثير ممّا تنص عليه بنود القانون الدولي.
هذا فضلاً عن قطع الماء والكهرباء عنهم، وتقليل فترة إقامتهم في الحمامات بشكل كبير ومنعهم من الاستحمام ممّا أدّى إلى إنتشار الأمراض والأوبئة بينهم بما فيها مرض الجرب. ومن أبرز الجرائم الصهيونية ضدّهم الضرب المبرح والمتواصل بهدف القتل، والإعدام بدم بارد، والتعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة كالتفتيش العاري، والصعق بالكهرباء، والتبول عليهم. والإعتداءات الجنسية، ومنع الدواء والرعاية الطبية عن المرضى، والعزل الإنفرادي، ومنع الزيارات بما فيها زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفرض العقوبات الجماعية عليهم وتدمير منازل عائلاتهم، واعتقال أقاربهم واتخاذهم رهائن كسلاح لابتزازهم وإخضاعهم، ونقلهم قسراً بشكل غير قانوني إلى معسكرات الإعتقال والقواعد السرية دون الإفصاح عن مصيرهم، ما يشكّل جريمة إخفاء قسري بحقهم، واحتجازهم لفترات طويلة دون أيّة إجراءات قانونية أو محاكمة عادلة وحماية قانونية.
كما استخدمت الصهاينة بعض الأسرى دروعاً بشرية في قطاع غزّة والضفة الغربية في ابتكار حديث لإنتهاكاتها الممنهجة للقانون الدولي. هذا في الوقت الذي ينشغل به بن غفير وأطراف حكومته العنصرية بإطلاق حملات تحريضية مدروسة ضدّ الأسرى والمعتقلين لشرعنة قتلهم أو إبقائهم في السجون وإطالة أمد احتجازهم، كتلك الحملة الأخيرة التي دعا فيها إلى تجويع الأسرى وإعدامهم بتصريح رسمي قال فيه: “يجب قتل الأسرى بطلق في الرأس (..) وتمرير قانون الإعدام في الكنيست بالقراءة الثالثة (..) وحتى ذلك الوقت سنعطيهم القليل من الطعام للعيش الكفاف ... لا أكترث”.
لقد شكلت أداة الإعتقال الجماعي أحد أبرز أدوات المنظومة الاستعمارية والفصل العنصري التي تسعى لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وتركيعه والنيل من كرامته، وتدمير بنيته المجتمعية والإقتصادية والنفسية بطريقة منهجية. منذ عام 1967، استهدف نظام الإعتقال الجماعي الصهيوني كلّ عائلة فلسطينية تقريباً، حيث اعتقلت السلطة المُحتجزة أكثر من مليون فلسطيني من بينهم (17،000) امرأة (50،000) طفل.
وأصدرت الآلاف من أومر الإعتقال العسكرية متخذة بموجبها عشرات آلاف المعتقلين الإداريين رهائن لديها لفترات زمنية تمتد أحياناً إلى عدّة سنوات. ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية، تجري السلطة الصهيونية، القوة المُحتجزة، آلاف عمليات الإعتقال على أساس ما يسمى بالتحريض على وسائل التواصل الإجتماعي أو الإعتقال الإداري بلا تهمة أو محاكمة. وقد قامت بسنّ قوانين وتشريعات عنصرية جديدة لقوننة هذه الجريمة، من أبرزها قانون (المقاتلين غير الشرعيين) وهي تستعد لإقرار مشروع قانون (إعدام الأسرى). منذ 7 أكتوبر 2023، إعتقلت السلطة الصهيونية في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة أكثر من (9،800) مواطن فلسطيني منهم على الأقل (335) امرأة و(680) طفلاً، إضافة إلى آلاف المعتقلين الذين كانوا محتجزين في سجونها قبل هذا التاريخ. ومن بين هؤلاء (3400) معتقل إداري هم بمثابة رهائن لديها، هو الرقم الأعلى في تاريخ الاعتقال الإداري منذ عام 1967.
كما اعتقلت الاحتلال عدداً غير معروف من المواطنين في قطاع غزّة يتجاوز الآلاف، أُحيل منهم أكثر من (1،400) إلى السجون بموجب قانون المقاتلين غير الشرعيين. ووفقاً للأمم المتحدة فإنّ دولة الاحتلال قتلت ما لا يقلّ عن 53 فلسطينياً، دون الإفصاح عن هوياتهم. وقد أفادت صحيفة هآرتس العبرية أنّ السلطة الصهيونية “ تحتجز جثامين (1،500) فلسطيني آخر في معتقل “سدي تيمان” منذ 7 أكتوبر” وأفادت شهادات لأطباء صهاينة عملوا في معسكر “سدي تيمان” -حسب منظمة أطباء لحقوق الإنسان-بـأنّ الأسرى الجرحى خضعوا لعمليات جراحية دون تخدير، وتم بتر أعضاء بعضهم بسبب تكبيل أطرافهم حتى أثناء قضاء حاجتهم أو النوم أو حتى العلاج. بينما بلغ عدد الشهداء الذين استشهدوا ما لا يقلّ عن (19) شهيداً ممّن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، وهم من أصل (256) شهيدا معتقلا استشهدوا منذ عام 1967.
وكشفت شهادات الأسرى المحرّرين من السجون الصهيونية أنّ هؤلاء لقوا حتفهم جرّاء التعذيب السادي والضرب المبرح كحالة الشهيد ثائر أبو عصب الذي استشهد من الضرب المبرح على جمجمته وكلّ أعضاء جسمه، وحالة أسير آخر تم إجباره على الاستلقاء على بطنه وهو مكبل اليدين، وتجريده من ثيابه وإيلاج خرطوم مطفأة الحرائق وتشغيلها بالمادة الكيماوية داخل مؤخرته، إضافة إلى اغتصاب الأسرى بالكلاب والعصيّ. وقد شهد الأسير المحرر معزز عبيات أنّ بن غفير شخصياً شارك في تعذيبه، ورقص بقدميه على جثته. وقال أحد الأسرى المحرّرين من غزّة إنّهم لم يدخلوا إلى الحمام لمدّة 40 يوماً. ولا تزال الشهادات تتوارد وتفضح الجرائم التي ترتكب ضدّ الأسرى الذين أجمعوا أنّ ما تعرّضوا له على يد قوات الاحتلال يفوق ما سمعوه عن التعذيب في معتقلي “غوانتانامو” و«أبو غريب”. هذه الجرائم والممارسات العنصرية الصهيونية ضدّ الشعب الفلسطيني لم تبدأ في أكتوبر 2023، بل هي إستكمال لعملية متواصلة ومنهجية لجرائم التطهير العرقي والتهجير القسري والفصل العنصري بدأتها السلطة الصهيونية في عام 1948 نكبة الشعب الفلسطيني الأولى، وتكرّست كعقيدة وممارسة خلال حقبة الإحتلال الإستعماري الإستيطاني الذي بدأته عام 1967، مروراً بعدوانها العسكري المتواصل على قطاع غزّة والضفة الغرببية بما فيها القدس المحتلة.
لقد طوّرت دولة الاحتلال حقاً تجربة فريدة لنظام إستعماري عنصري منقطع النظير في العالم الحديث، وهي تستلهم جرائمها من دروس وتجارب الوحشية النازية ودول الإستعمار القديم ونظام بريتوريا، لكنّها أغفلت أنّ الشعب الفلسطيني يستمد قوّته وصموده من إرادته الجبارة وإصراره على نيل الحرية والاستقلال مستلهماً في ذلك تجارب الشعوب الحرة من إيرلندا الشمالية إلى جنوب أفريقيا وفيتنام، لا يعيبه في ذلك جسده العاري الذي ينتصب بكبرياء وشموخ أمام مجرمي الإحتلال الذين انكشفت عورتهم وتعرّت وحشيتهم أمام أحرار الأرض.
في ظلّ هذه الجريمة الكبرى التي تنفذها سلطات الاحتلال بحقّ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين التي لم تحظَ بالزخم والتحرك الدولي المطلوب لفضحها ووقفها على مدار عقود من الإحتلال، بادرت مؤسّسات الأسرى والمجتمعين الرسمي والمدني الفلسطيني وجميع مكوّنات الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده لإطلاق يوم وطني وعالمي للتضامن مع غزّة والأسرى الفلسطينيين ونصرة قضاياهم المشروعة في الحرية والكرامة في الثالث من أوت 2024.
يهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على الجرائم والخروقات الصهيونية الممنهجة والمتواصلة وواسعة النطاق لحقوق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ورفع الوعي الجمعي العالمي بمأساتهم الإنسانية التي لا تقل ترويعاً عن معاناة أخوانهم في قطاع غزّة. الثالث من أوت هو دعوة لتحرك دولي وجماعي، واستدعاء للإرادة الحية لشعوب العالم وهيئاته الحقوقية، والحكومات والبرلمانات والأحزاب السياسية والجامعات ووسائل الإعلام للإحتجاج على جرائم الاحتلال وقوانينه العنصرية ومواجهتها ووضع حدّ لها، وتقديم الدعم السياسي والقانوني لإنفاذ حقوق الأسرى التي كفلها القانون الدولي بما فيها الحق في الحياة والحرية والعيش بكرامة من خلال إطلاق الفعّاليات الجماهيرية والتظاهرات الدولية والحملات الرقمية ومخاطبة البرلمانيين والضغط على الحكومات من أجل العمل على الوفاء بواجباتها القانونية لمنع ارتكاب الجرائم ضدّ شعبنا في قطاع غزّة والأسرى الفلسطينيين.
وإنّنا ندعوكم لحشد الجهود العربية والدولية للمطالبة بمساءلة سلطة الإحتلال وضمان عدم إفلاتها من العقاب، وجلب مجرمي الحرب الصهاينة إلى العدالة، وفرض حظر عسكري شامل عليها، بما في ذلك تصدير واستيراد ونقل الأسلحة والمعدات العسكرية، وفرض العقوبات عليها، وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة، وتعليق مشاركتها في المنتديات والأنشطة العالمية، وتعليق الإتفاقيات الثنائية كإتفاقية الشراكة الأوروبية حتى تلتزم بقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان.
ونطالب بإلزام الكيان الصهيوني بحماية المدنيين بموجب واجباتها كقوّة قائمة بالاحتلال، وإحبارها كقوّة مُحتجزة على الكشف عن هويات وأوضاع المعتقلين المخفيين قسرياً، وإنهاء سياسة الإعتقال التعسفي والإداري والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً، وضمان توفير الحماية القانونية لجميع الأسرى، والإفراج عن الشهداء المحتجزة جثامينهم ليتمكن أهاليهم أخيراً من دفنهم وتوديعهم بكرامة، وإرغامها على السماح للمقررين الخاصين وخبراء الأمم المتحدة والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الدولية بممارسة ولايتهم وزيارة دولة فلسطين والإطلاع عن كثب على أوضاع الأسرى وفتح السجون للتفتيش والتحقيق بظروف الإعتقال وجرائم الاحتلال والانتصاف لحقوق الضحايا، وتعويضهم مادياً ومعنوياً. فلسطين وشعبها وأسراها تحيي شعوب العالم وقادتها الأحرار على مواقفهم النبيلة والمبدئية لمناصرة حقوق الشعب الفلسطيني ومبادئ العدالة، وتدعو إلى المشاركة بفعالية في إحياء هذا اليوم ومواصلة الدعم اللا محدود لنضال الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الإحتلال غير الشرعي ونيل الحرية والإستقلال، والإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين دون قيد أو شرط للعيش بحرية وكرامة في دولتهم المستقلة كاملة السيادة على خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. يعمل الإحتلال جاهداً على كتم صوت الأسرى الفلسطينين، فلنكن نحن صوتهم!