جميل أن تتنّسم الروائح الطيبة للزهور والأجمل أن تنحني احتراماً وتقديرًا لغارسها. فمأساتنا أننا نحب المنتج ونتناسى صانعه. طبيعة البشر ينتظرون موت المبدع ليذكروا محاسنه وهذا إجحاف بحقه، لذا سأكتب اليوم وأخالف النهج المتبع، سأكتب لهدفين. الهدف الأول: الشكر والثناء على المجهود المحمود الذي قام به المخرج القدير رشيد مشهراوي من خلال المبادرة السينمائية..
«من المسافة صفر».. كم جميل أن نعزز المبادرات التي تساهم في صناعة حياة. لذا أدعو المبدعين السينمائيين عالميًا، والمبدعين العرب عامة والفلسطينيين خاصة أن ينتصروا لغزة ولمبدعين غزة فهم بحاجة ماسة لنشر أعمالهم عالميًا وعربيًا، فغزة لا تحتاج من ينوح عليها ويعزف على أوتار العاطفة أو من يتسلق على ظهرها، غزة تحتاج لمن يعمل من أجلها ثم يعمل ويعمل؛ فالحب وحده لا يكفي ولن يمنحها حياة.
يقول المخرج المشهراوي، أفلام غزة (من المسافة صفر) ستصل إلى جميع أنحاء العالم لنروي الحكاية. وقد اخترت سينمائيين محترفين ومبتدئين من غزة. يشاركون بأفلام تنبع مشاعر، تحكي للعالم ما لم يحك..22 فيلمًا لمخرجين هم الراوي وهم الرواية. شكرًا للمبدعين في غزة، وشكرًا للمنسقين والاستشاريين خارج غزة. كل الشكر للمخرج الفنان المبدع ابن غزة رشيد فحقًا أنت الرشيد للسينمائيين في وطن يباد ولك النصيب الأكبر من اسمك.
أن تكون مخرجًا لا بد أن تكون مفكرًا، إداريًا وصانعًا ماهرًا، تجيد فن الابتكار وتختار الوقت المناسب لتطرح منتجك بعد أن تحدد الجمهور المستهدف لتجني النتائج الطيبة وهذا ما صنعه المخرج القدير رشيد مشهراوي.. ابتكر مبادرة تنبع حياة وتحمل مضامين إبداعية تعبر عن نبل أخلاقه.. صنع سيمفونية بصرية، تشتعل حياة ومن خلالها خاطب العالم سينمائيًا ليحكي ما لم يَحْكِ عن شعب ومدن تتعرض للإبادة. مبادرته توثق الواقع بأساليب فنية مختلفة، تعبر عن وجع 22 مخرجًا ذاقوا يوميًا ألوان من الموت.. واستطاعوا بأفكارهم النيرة أن يوثقوا مرحلة مفصلية تعبر عن عذابات الشعب الفلسطيني، أمام عالم مغيب لا يسمع، لا يرى، لا يتكلم..في غزة يطحن الإنسان، تختلط روحه مع الطير والحيوان ويعجن بالحجارة ليرسم أبشع لوحة سيريالية تجسد الواقع.هذه الأفلام ستكون مستقبلًا عبارة عن وثائق ومراجع للأجيال القادمة، سر جمالها أنها صنعت بمشاعر إنسانية صادقة تفيض حبًا قام بصناعتها مجموعة من الفنانين الذين فقدوا بيوتهم وأعزائهم وتشردوا بين الخيام، عبروا بهذه المبادرة عن تجاربهم الشخصية وقد منحت هذه المبادرة الرائدة من نوعها الفرصة للمواهب عشاق السينما لينفذوا مشروعهم الأول ويعبروا عن أنفسهم عالميًا بواسطة المايسترو المبدع مخرجنا الذي زودهم بالمعرفة، فعسى أن تساهم هذه المبادرة الجميلة بميلاد مخرج مبدع بعد منحه فرصة ليعبر عن نفسه ومجتمعه.
المايسترو المخرج المخضرم رشيد مشهراوي.. الشعلة المتدفقة نشاطاً، يناقش الجميع ويساهم بتطوير الأفكار ويعزّز أدوات بناء السيناريو ويتابع التصوير والمونتاج لحظة بلحظة ويشرف على صناعة الموسيقى لمعظم الأفلام التي تطوعّ لتأليفها وتوزيعها الموسيقار العراقي المبدع نصير شمة، فكل الحب للعراق وأهلها.
بعد أن يشاهد المشهراوي الأفلام يناقش بأسلوبه الدمث المريح كل مخرج على انفراد ويطرح أفكار تشد بناء العمل. وبعد الانتهاء من المرحلة الأولى تبدأ المرحلة الأهم وهي التوزيع والتسويق وقد أبدع المشهراوي. بهذا المجال أيضًا، فمن المقومات الأساسية لنجاح أي عمل سينمائي هو آلية تسويقه وهنا يأتي دور مبدعنا، الطير المحلق عربيًا وعالميًا والذي أبهرنا برحلاته المكوكية بين العواصم لنقل التجارب الإبداعية وتوصيل الرسائل الإنسانية للعالم.ومازال يحلق ويبحث عن وسائل لدعم السينما في غزة، الفنان الفلسطيني معجون بحب الوطن ومنتمي للإنسانية، يتغنى بالحرية والسلام لكل البشر فأنا لا ألوم من يملك سلطة ومال وفر هاربًا حفاظًا على نفسه وعائلته من موت مؤكد.. ولا ألوم من يعيش بالعواصم وينظر إلى غزة وأهلها على أنهم صورة في ألبوم ويخنقنا بالشعارات عبر الشاشات، ولا ألوم من يعيش بغزة صابرًا ومحتسبا أو مجبرًا ومكتوب عليه أن يدفع فاتورة تمسكه بوطنه، أنتم جميعًا عظماء ولكل منا ظروفه الخاصة والأفضلية بينكم لمن يعمل، فمن يعمل هو الأفضل، فهل يعقل أن نتناسى فلسطين، وغزة تباد؟ يا أصدقائي نحن تنتظركم.