يعمل البرلمان في الجزائر، منذ انطلاق دورته الجديدة على تنصيب عديد المجموعات البرلمانية للصداقة مع دول حليفة، من أجل تبادل الخبرات في القطاعات الحيوية لاسيما الاقتصادية والدبلوماسية التي تعول الدولة عليها من أجل بلوغ الأهداف المسطرة في هذا الإطار.
تستهدف الجزائر من هذه المجموعات البرلمانية تمتين علاقاتها مع الدول الحليفة من أجل خدمة قضايا جوهرية وعادلة تعنى بها الدبلوماسية الجزائرية، منها الفلسطينية والصحراوية الغربية، التي تعد ذات أهمية قصوى بالنسبة للجزائر، وهذا دون إغفال المجال الاقتصادي المرتبط أصلا بما يمكن أن يقدم من الجانبين.
عجيسة: عدم الاكتفاء بالتّشريع فقط
في هذا الصدد، يشير نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، يوسف عجيسة، في اتصال هاتفي مع “الشعب”، إلى وجود 115 مجموعة صداقة برلمانية مع دول تجمعها بالجزائر علاقات دبلوماسية، مبرمجة خلال الدورة الحالية تمّ تنصيب 44 منها.
ويشير عجيسة في هذا السياق: “إن عدد المجموعات البرلمانية ممكن أن يرتفع، حيث توجد مجموعات صداقة جزائرية ماليزية، فلسطينية، ماليزية، تركية وإسبانية، وعديد المجموعات البرلمانية التي لا يسعنا ذكرها بالكامل”.
ويبرز المتحدث، أنّ البرلمان في الجزائر اليوم، لا “يكتفي بالجانب التشريعي فقط، لأنّ لديه عمل آخر مهم بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية، مثل تبني مواقف موحدة وتقريب وجهات النظر بين الجزائر وأي دولة صديقة في القضايا المصيرية، خاصة بعد أن كرّس الدستور مبدأ الدبلوماسية البرلمانية”.
وبخصوص القطاع الاقتصادي الذي تعوّل عليه الجزائر من أجل بلوغ العمق الافريقي والعربي، لفت إلى وجود أدوار كبيرة يقوم بها النواب في المجلس الشعبي الوطني من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول التي تجمعنا معها مجموعات برلمانية، وهذا دون إغفال المجالات الأخرى”.
ويتابع محدّثنا: “توجد خطة عمل ورؤى بغرض تعزيز الروابط الصداقة بين الجزائر، وكل الدول التي أنشأت معها مجموعات برلمانية للصداقة، وهذا في قضايا عديدة، دولية عادلة كانت أو مصيرية، إضافة إلى تفعيل الجوانب الاقتصادية من خلال الكفاءات الموجودة”.
صادوق: أثر إيجابي على الحياة الاقتصادية
من أجل تقديم مثال حول الموضوع، يقول نائب رئيس المجموعة البرلمانية للصداقة البرلمانية الجزائرية التركية، أحمد صادوق، إنّ “هذه المجموعات سيكون لها أثر إيجابي على الحياة الاقتصادية، لأنه عندما تكون لجنة في هذا السياق فإنّ الأشغال ستمتد إلى هذا القطاع من خلال محاولة تسويق الفرص الموجودة لدينا أو من خلال جلب فرص أخرى موجودة لدى الدول التي نتعاون معها”.
ويوضّح صادوق في اتصال هاتفي مع “الشعب”، أن المجموعات البرلمانية للصداقة تعد آلية من آليات الدبلوماسية البرلمانية، حيث تنشئ لدى الدول ولدى المجالس الشعبية عبر العالم، وتقوم بمهمة تبني الدبلوماسية البرلمانية أو الدبلوماسية الشعبية على اعتبار أن أعضاء البرلمان هم ممثلو الشعب، ويتابع:
«سقف عملها يكون مختلفا عن سقف الدبلوماسية الأصلية التي تكون عن طريق الوزارات الخارجية”.
وبخصوص وظيفة المجموعات البرلمانية للصداقة، أشار المتحدث إلى أنّها تهتم بتبادل الزيارات وتبادل المعارف والمقترحات والأفكار والتعامل في المجال الثقافي، في حين يتمثل هدفها الرئيسي الذي يصب في سياق تنفيذ لمواد دستورية في كل الدساتير الجزائرية ٱخرها دستور 2020، والذي ينص على أهميتها وتفعيل الدبلوماسية البرلمانية الذي يكون من خلال اللجان، ويكون أيضا من خلال الاتحادات البرلمانية الافريقية البرلمان العربي أو الدولي.
محرز: دعامة هامّة لدبلوماسية الدولة
من جانبه اعتبر أستاذ العلوم السياسية سمير محرز، الغرض من إنشاء المجموعات البرلمانية استشاريا، تنسيقيا وتعاونيا، حيث “تتوقف على سياسة كل دولة، منها من تعتمدهم شكلا من أشكال بروتوكول العلاقات الدولية والدبلوماسية، وهناك دول تعتمدها آلية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية وجلب المصالح والمنافع، وهذا ما نأمله نحن من خلال برلماننا بغرفتيه”.
ويشدّد محرز في اتصال هاتفي مع “الشعب”، على أن المجموعات البرلمانية للصداقة تساهم بشكل كبير في تقوية التعاون البرلماني بين الجزائر والدول التي تمت الموافقة على العمل معها منذ بداية الدورة البرلمانية الجديدة، يتمثل المرتكز الأساس الذي يقوم عليه العمل البرلماني الدبلوماسي ـ حسب الأستاذ ـ في الزيارات المتبادلة التي من شأنها أن تنقل الخبرات وتجارب تلك الدول، ورصد الامكانيات التي تزخر بها مع الجزائر.
ويشير المتحدث، إلى “أنّ هذه الإمكانيات يمكن أن تستفيد منها الجزائر، وهي الآلية التي من شأنها أن تقرّب الرؤى في إطار يسمح بالتنسيق وتعميق العمل المشترك والتشاور في قضايا كثيرة، سياسيا وأمنيا وكذا إيجاد سبل التعاون ورسم خارطة الأمن والاستقرار لبعض الملفات الأمنية العالقة، خاصة في ظل التحديات الخطيرة مثلا كالجزائر من جهة وهذه الدول الصديقة”.
وعن إمكانية تقديم هذه المجموعات البرلمانية الإضافة للجزائر، قال: “يمكنها أن تقدم الاضافة والدعم من خلال دورها التنسيقي والتعاوني بين البرلمانات، التي من شأنها أيضا أن ترفع مستوى النقاش الدبلوماسي البرلماني ببن البلدين في القضايا المتعلقة بتشجيع الابتكار والتبادل التكنولوجي والتبادل المتعلق في قطاعات الصحة والسكن والتعليم العالي، وهذا ما يجب أن يكون”.
ويواصل محرز في هذا السياق: “ما يمكن تأكيده هو أن البرلمانات لا يمكنها أن تفصل في القضايا الكبرى، كون هذا الدور منوط بوزارة الخارجية والخط الدبلوماسي للدولة، إلا انها تساهم في التنسيق والتشاور والتعاون، وهذا أمر مهم للغاية في الفترة الحالية التي تعرف تغيرات عديدة في العالم، يتوجب العمل معها بشكل لائق ومساعد على خدمة السياسة الخارجية للدولة”.
ويبرز أستاذ العلوم السياسية، أن مجموعات الصداقة تشكّل دعامة هامة لدبلوماسية للدولة، في حين لفت إلى أن الجزائر نصّبت مؤخرا العديد من المجموعات البرلمانية بالتنسيق مع سفارات الدول الشقيقة، مثل “مجموعة صداقة الجزائرية الكندية واليابانية والألمانية، وكل هذه الخطوات مع الدول الكبرى تساهم في رفع مستوى النقاش السياسي والدبلوماسي البرلماني ببن البلدين في القضايا المتعلقة بتشجيع الابتكار والتبادل التكنولوجي، وتبادل الخبرات المتعلقة في قطاعات الصحة، السكن والتعليم العالي، وهذا ما يجب أن يكون”.
كما تم تنصيب ـ يضيف محدثنا ـ لجان صداقة عربية مع لبنان والأردن من أجل “تمتين أواصر التعاون والأخوة العربية، وتثمينها أكثر في إطار المقاربة الدبلوماسية التي تسعى الجزائر لتحقيقها مع الجوار العربي، خاصة أن الجزائر مقبلة على محفل دبلوماسي كبير في الفاتح من شهر نوفمبر بعقد القمة العربية، والتي يسعى من خلالها رئيس الجمهورية وكل طاقمه الوزاري في إنجاحه”.
وفي حديثه عن العمق الإفريقي، أشار محرز إلى أن الاهتمام الجزائري كبير تجاه العمق الإفريقي، وهذا واضح من خلال “التحركات والجهود الجزائرية في استرجاع الدور الريادي للجزائر كنجاحها لعقد مؤتمر الأمن والسلم الذي عقدته مدينة وهران، وصولا لنجاح رؤيتها الدبلوماسية في أن تكون إفريقيا للإفريقيين كما صرّح بها وزير الخارجية رمطان لعمامرة في قمة أديس ابابا الشهر المنصرم، والمجموعات البرلمانية للصداقة مع دول إفريقية ستساعد على خدمة هذا التوجه”.
تنصيب 44 مجموعة من أصل 115 مبرمجة
المجموعات البرلمانية للصّداقة رافد جديد للدّبلوماسية
علي عزازقة
شوهد:299 مرة