الجزائر ستعزّز احتياطي الصرف إلى ما فوق 50 مليار دولار
يقدّم الخبير في الشأن الاقتصادي عبد القادر بريش، قراءة شاملة حول التضخم ومسبباته الحقيقية، والتي تتجاوز حسبه، العامل الداخلي المرتبط بسلوكات مخالفة لأخلاقيات التجارة، أو انخفاض العملية الوطنية.
قال بريش لـ «الشعب»، إنّ التضخم معضلة اقتصادية عالمية في الوقت الراهن، لن تكون الجزائر في معزل عنها، وتوقّع استمرار ارتفاع أسعار المواد واسعة الاستهلاك خلال الأشهر المقبلة، مع تسجيل نسبة تضخم بـ 7 بالمائة نهاية السنة. ونبه في المقابل إلى أنّ التحولات المتسارعة التي يعيشها العالم تشكل فرصة مناسبة للجزائر، حتى تبني نموذج اقتصادي بديل.
- الشعب: تعاني الجزائر على غرار معظم الدول، من تضخم ظاهر، بدليل تدني القدرة الشرائية، كيف تتوقّع منحى هذه المعضلة في قادم الأشهر؟
البروفيسور عبد القادر بريش: فيما يخص معدل التضخم يلاحظ منذ بداية سنة 2022 ارتفاع في معدلات التضخم على مستوى العالم، وفيه موجه عالمية نتيجة عدة عوامل، منها تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، وارتفاع تكاليف الإنتاج وتكاليف النقل عالمي، وهذا الارتفاع في الأسعار عالميا يؤثر بطبيعة الحال على ارتفاع الأسعار داخليا عبر قناة الاستيراد.
وهذا ما يعرف بالتضخم المستورد، باعتبار أن الجزائر تستورد الكثير من سلع الاستهلاك النهائي والسلع الوسيطة التي تدخل في إنتاج سلع ومواد أخرى، فمعدل التضخم المعلن من طرف البنك المركزي منذ شهر فيفري كان في حدود 4.2 % بينما توقّعات الحكومة في مخطط عملها أو من خلال توقعات قانون المالية 2022 كان تشير إلى معدل 3.7 %.
وأعتقد التطورات الأخيرة الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية ستزيد من ارتفاع أسعار السلع المستوردة، خاصة الحبوب والمواد الغذائية، وتزيد من تكاليف النقل نتيجة رفع قيمة مخاطر التأمين نتيجة هذه التوترات.
وعليه ستشهد الأسعار مزيدا من الارتفاع، وستعرف معدلات التضخم في الجزائر خلال 2022 كذلك ارتفاعا محسوسا ممكن أن يصل إلى حدود 7 % أو يزيد.
- هل يعني هذا أنّ التّضخّم الحالي ليس مرتبط بعوامل داخلية كانخفاض قيمة العملة الوطنية مثلا أو المضاربة ؟
نعم، التّضخّم في الجزائر مرتبط بجزء كبير بعوامل خارجية منها ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وخاصة السلع الأساسية وأسعار الحبوب، وحتى ارتفاع أسعار البترول لها تأثير مباشر على معدلات التضخم لأنّه يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج السلع الصّناعية وتكاليف النقل.
كما أنّ التضخم في الجزائر مردّه إلى عوامل داخلية، منها ضعف القوة الشرائية للدينار الجزائري نتيجة هشاشة الاقتصاد، وضعف تدفق الاستثمارات الأجنبية وعدم القدرة على تنويع الاقتصاد ومحدودية الصادرات خارج المحروقات، وبقاء الاقتصاد الجزائري في تبعية لهذه الأخيرة التي تظل المصدر الأساسي للعملة الصعبة واحتياطي الصرف.
- مقابل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، والأولية في العالم، ارتفعت أسعار النفط هل هناك هامش كبير يجعل الجزائر تستفيد من الوضع الحالي؟
فعلا، إنّ ارتفاع أسعار البترول إلى ما فوق 110 دولار للبرميل سيعطي هامش أمان وأريحية مالية بالنسبة للجزائر، سيجعل عائدات صادرات المحروقات تتعدى 45 مليار دولار خلال سنة 2022، ما يعزّز مخزون احتياطي الصرف الذي سيكون دون شك فوق 50 مليار دولار مع نهاية السنة الجارية. وهذا ما يعزز التوازن المالي الخارجي للجزائر.
وأعتقد أنّ التطورات والتحولات الجيوسياسية والتحولات في ما يعرف جيوبولتيك الطاقة نتيجة الأحداث التي يشهدها العالم حاليا وما يحدث من خلال التوترات في إمدادات الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مع روسيا، تشكل فرصة.
فالجزائر بمقدورها وضع استراتيجية لتطوير الاستثمارات في مجال الطاقة، والرفع من قدرات الإنتاج في البترول وخاصة في الغاز وتنويع الشركاء والعقود واستقطاب كبريات الشركات العالمية الناشطة في مجال البترول والغاز من اجل الاستغلال الأمثل للحقول القائمة وزيادة الاكتشافات وتطوير حقول جديدة وزيادة الاستثمارات في تكرير الغاز والغاز المسال، واستغلال مختلف مصادر الطاقة التقليدية وغير التقليدية وتطوير القدرات في مجال الطاقات المتجددة وتوجيه الموارد المالية الناتجة عن صادرات المحروقات لبناء اقتصاد قوي متنوع وتحقيق متطلبات الأمن الاقتصادي القائم على الأمن الغذائي والأمن الطاقوي والأمن المائي والأمن السيبراني.
بالإضافة إلى تطوير الاستثمار في الرأس المال البشري بتحسين جودة التعليم وتحسين جودة الرعاية الصحية وتحقيق الأمن الصحي.
وفي الأخير في تقديري، علينا في الجزائر ألاّ نضيع هذه المرة الفرصة، ونبني اقتصادا قويا وتحقيق نقلة نوعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا بالاستفادة من عثراتنا السابقة والاستفادة من دروس جائحة كورونا، والاستفادة من التحولات الجيوسياسية والجيو-اقتصادية التي يعرفها العالم حاليا.
- البعض يقترح خيار الاستيراد كعامل مساعد لكبح أسعار بعض المنتجات، كالسيارات مثلا أو بعض من تلك المنتجة محليا، أم تعتقد أن الخيار الاستراتيجي الحتمي يكمن فقط في الانفتاح على الأسواق الدولية بمحفظة أكبر من الصادرات؟
إن اللجوء إلى الاستيراد، هو تلبية لاحتياجات الاقتصاد الوطني من المواد الأولية والسلع الوسيطة والسلع النهائية والخدمات، وإن عقلنة وترشيد الاستيراد يبقى الحل الأمثل من أجل الإبقاء على مستوى أمان لمخزون احتياطي الصرف، وكذلك لمنع حدوث الظواهر السلبية التي ارتبطت بالتوسع في الاستيراد المفرط وتضخيم الفواتير.
ومن شأن تقييد الاستيراد يدفع باستنهاض القدرات الوطنية والتوجه للتصنيع والإنتاج المحلي، واستغلال المواد المحلية وتطوير الصناعات التحويلية التي تعتمد على مواد أولية محلية.
كما أن التوجه إلى التصدير يبقى من الخيارات التي يجب تطويرها في المستقبل، ولتحقيق هدف التنويع الاقتصادي وزيادة الصادرات خارج المحروقات بالانفتاح أكثر على الأسواق الخارجية وخاصة الأسواق الإفريقية.