مجالس ولائية مُستحدثـة برهانات جديـدة

نحـو ديمقراطيــة تشاركيــة بولايــات الجنـوب الجديدة

سفيان حشيفة

تَتّجه المجالس الشعبية الولائية المنتخبة لأول مرة في الولايات العشر المستحدثة في الجنوب الكبير، إلى الانخراط في السياسات الحكومية الجديدة المبنية على تنويع مصادر الاقتصاد الوطني وصناعة الثروة محليا، لكن يبقى الرهان على تدعيم قدراتها بقوانين محفزة لتحسين الاقتصاديات المحلية، وبيئة قادرة على احتضان المبادرات والمشاريع.
قال الخبير الاقتصادي وأستاذ بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف الدكتور إسحاق خرشي، لـ’’الشعب‘‘، إن انتخاب المجالس الولائية تحديدا سيمس لأول مرة الولايات الجديدة المستحدثة، وسيكون أمامها تحديات كثيرة، أغلبها اقتصادي متعلق بالتنمية، لذلك على المجالس الولائية أن تجتهد لجذب المشاريع التنموية لهاته الولايات، وعليها أن تنسّق مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين من أجل جذب الاستثمارات، حتى تصبح ولايات اقتصادية بدلا من ولايات إدارية، وبذلك تكون متميزة عن بقية الولايات الأخرى.
الولايات الجديدة ـ وفق ما أكد خرشي ـ تفتقر للعديد من الهياكل التنموية القاعدية، لذلك على المجالس المنتخبة الاجتهاد أكثر، وتطالب بميزانية خاصة لبناء هياكل الإدارات العمومية، والمستشفيات، والجامعات، المدارس والمستشفيات الجامعية، وغيرها من متطلبات التنمية المحلية في المنطقة.

تحدّيات تنموية كبيرة
أوضح الدكتور إسحاق خرشي، أن الولايات العشر الجديدة ستكون أمام تحديات تنموية كبيرة، وسيكون للمجالس المحلية كلمة في ذلك، خاصة المجالس الولائية في أول تشكيل وعمل لها، حيث تم مؤخرا ترقية الولايات المنتدبة إلى ولايات كاملة الصلاحيات، وذلك في إطار تنمية الجنوب، ما سيسمح برفع الغبن التنموي عن تلك المناطق، والمجالس المحلية الجديدة وولاة الولايات الجديدة مضطلعون بالعمل على توفير ميزانية خاصة بها، وتَحكّم أفضل في التسيير المحلي، وتوزيع عادل للتنمية، مع تعزيز لامركزية القرار بحيث يتم استحداث مشاريع تنموية خاصة بالولاية الجديدة بحسب احتياجاتها المحلية.
وعلى عاتق الولاة والمسؤولين والمنتخبين الجدد في الولايات المتحدثة جلب المستثمرين المحليين وحتى الأجانب، مع تقديم مختلف التسهيلات لهم حتى ننتقل من ولايات إدارية إلى ولايات اقتصادية بامتياز.

قلة الموارد قد تؤثر على التمويل
يرى الدكتور خرشي أن المجالس المنتخبة الجديدة يقع على عاتقها إطلاق حركية اقتصادية لتصبح قطبا جهويا بامتياز، بالرغم من وضعية التقشف وقلة الموارد المالية في الوضع الراهن، حيث يتم ذلك على المديين القصير والمتوسط، من خلال فتح الحدود مع دول الجوار.
وأضاف المتحدث أن الوضع المالي للجزائر سيؤثر على تمويل هذه الولايات، لذلك من الأفضل أن يكون لولاتها الجدد توجه اقتصادي وليس إداريا، حتى يستطيعوا توفير مداخيل للولاية، ونتجه من خلال ذلك أكثر نحو الولاية الاقتصادية.
من جهة أخرى، يجب تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية للجزائر مع دول الجوار لجلب المستثمرين الأجانب لتحقيق التنمية في الولاية المعنية.

تسريع وتيرة التنمية المحلية
قال الباحث السياسي الدكتور عبد الحميد فرج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الوادي في حديث لـ ’’الشعب‘‘، إن فكرة إنشاء ولايات جديدة تستند إلى مبدأ تقريب الإدارة من المواطن وتسريع وتيرة التنمية المحلية، وتوسيع قاعدة الديمقراطية التشاركية بالوصول إلى أكبر قدر ممكن من مساهمة الفئات المجتمعية في صناعة القرار المحلي، وذلك هو المنطلق الرئيسي الذي تبنته الدولة الجزائرية من خلال إنشاء عشر ولايات جديدة، وبدأت كأولوية مع الولايات الجنوبية.
يرتقب بروز حركية ديناميكية تنموية جديدة، بحسب فرج، بتنصيب مجالس ولائية تتشكل لأول مرة في الولايات العشر المستحدثة في الجنوب، من أعضاء لهم دراية كافية بمقرات وإمكانيات ولاياتهم، ويدركون النقائص والانشغالات اليومية للمواطن، عكس ما كان عليه الحال سابقا، حين كانت بعض المناطق بالولاية غير ممثلة في المجلس الشعبي الولائي، مما أدى إلى غياب تمثيلها، وبالتالي غياب صوتها لدى السلطات التنفيذية الولائية، ومنه ضياع الكثير من فرص التنمية المحلية، وهذا ما يُنتظر من المجالس الجديدة، من خلال المنتخبين في المجلس الولائي القريبين من هموم المواطن وانشغالاته واحتياجاته بحكم التواجد في نفس الحيز الجغرافي.

ديناميكية سياسية جديدة
وبحسب الباحث السياسي فرج، يمكن للمجالس المنشأة لأول مرة في الولايات العشر الجديدة، خلق ديناميكية سياسية جديدة من خلال فتح مكاتب وفروع للأحزاب السياسية الوطنية، ومنه توسيع المشاركة السياسية وانخراط الكفاءات والشباب في  مختلف الاستحقاقات المحلية والوطنية، وبذلك تحييدهم عن ظاهرة العزوف، وعدم التخلي عن المهام المنوط بهم في المجتمع.
ومن ناحية أخرى، فإن الولايات الجديدة ستعزز من مبدأ لا مركزية الإدارة، ما سيُمكّن المجالس الجديدة وبحكم صغر المساحة الجغرافية لتلك الولايات، أن يرسم مخططات للتنمية تلبي احتياجات المواطن، وتراعي خصوصيات تلك المنطقة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، بحيث يرتقب أن تعرف حركية تنموية متسارعة، من خلال الاقتراحات والأفكار التي ستبلورها المجالس المنتخبة، لاسيما منها تحريك عجلة الاستثمار، سواء على مستوى خلق مؤسسات استثمارية شبانية جديدة، أو جلب مستثمرين كبار للولاية، خاصة ما يتماشى مع طبيعة وخصوصية المنطقة، وما تحوزه من إمكانيات وقدرات وثروات.

روح المبادرة
أوضح الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عبد الله رقيق في لقاء مع ’’الشعب‘‘، أن المنتخب المحلي لا يملك روح المبادرة، ولا يستطيع خلق الثروة في بلديته، وكل محاولة ومبادرة حقيقية منه يصطدم من خلالها بالقوانين وإشكالية تداخل الصلاحيات، وبالتالي أصبح لابد من مراجعة القوانين وإعطاء الصلاحيات الواجبة له، ومن ثمة محاسبته على قوته أو ضعفه في التسيير.
وأضاف ‘‘رقيق’’ أن قوانين التسيير لم يتم مراجعتها، وكانت تتبع مرحلة معينة ومنهج اقتصادي معين اتّسم بطغيان الجانب السياسي على الاقتصادي من خلال منح رؤساء الدوائر صلاحيات هي في حقيقتها مفتكة من المنتخب، ما أثر سلبا على التسيير داخل المجلس المنتخب الذي يبادر في إقليم البلدية والولاية.
ضعف أداء المجالس المنتخبة السابقة ـ بحسب الباحث عبد الله ـ لا يقتصر على العجز في التسيير، وإنما له ظروف وأسباب كالقوانين التي كبلت المنتخب المحلي عن المبادرة الفاعلة، أو المشاركة في إنجاح أي منهج تنموي معين مقترح، حيث ولّد ذلك غياب روح المبادرة والعجز والحيرة لدى المنتخب المحلي، معتبرا أيضا نقص التكوين في التسيير للمنتخبين واعتمادهم مرجعية الحذر، حصر عملهم في انشغالات وإشكاليات العموم المجتمعي، وإغفال الدور الأساسي لهم، حيث غاصوا وتحوّلوا من حاملي لواء المبادرة إلى مسيّري مصالح، وهو ما أثّر سلبيا على  وضع المجالس المنتخبة المحلية والولائية.

الكفاءة.. والشهادة في التسيير
يعتقد الدكتور عبد الله رقيق أن هناك فرق بين الكفاءة والشهادة في تسيير الشأن العام، حيث تتحمل الأحزاب تكوين منتخبيها سياسيا وقانونيا واقتصاديا، من دون إغفال دور وزارة الداخلية والجماعات المحلية، ومهام المراكز الوطنية لتكوين مستخدمي الجماعات المحلية، وتحسين مستوياتهم، وتجديد معلوماتهم وتصوراتهم التنموية بحسب القوانين والمعطيات الجديدة، ورسم مخطط لمجموع المنتخبين في التكوين لا يكون مقتصرا على توضيح ترسانة التشريعات، وإنما يعمل على مناقشة إشكاليات القوانين وتحيينها وتغييرها وفق الوضع المستجد التنموي والاقتصادي في البلاد.
المجالس الشعبية الولائية العشر الجديدة في ظل التوجهات الاقتصادية المستجدة في البلاد يبقى أمامها رهان إيجاد مصادر تمويل ذاتية، وخلق بيئة قادرة على توفير فرص العمل، وموارد اقتصادية محلية تكون رافدا للاقتصاد الوطني، بعيدا عن منهج الإتكالية الذي اعتمدته مختلف هيئات الجماعات المحلية خلال العقود الماضية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024