قبل يومين من إجرائها، مختصّون يؤكّدون:

الانتخابات المحلية امتحـان اختيار الأفضل والأكفأ

فتيحة كلواز

آخر محطّة في وجه مقاربة استولت على صوت «المواطن»

  بعد انطلاق عملية التصويت عبر المكاتب المتنقلة للبدو الرحل، وقبل يومين فقط من موعد إجراء الانتخابات المحلية، يضع المترشحون آخر لمسات امتحان صعب لكسب ثقة مواطن كان لعقود طويلة ضحية تلاعبات وفساد إدارة محلية خضعت لمن «استولوا» على صوت الشعب لتحقيق مآرب ومصالح شخصية، كانت نتاج حسابات ضيقة لدرجة عدم اتساعها لطموحات وتطلعات المواطن البسيط.

في تصريحات لـ «الشعب ويكاند»، اتفق مختصون من أحزاب ومحللين سياسيين وأكاديميين في علم الاجتماع السياسي على صعوبة المهمة في آخر محطة من البناء المؤسساتي في الجزائر، مؤكّدين ضرورة تسلح المنتخبين المحليين بالنزاهة والصدق والإخلاص من أجل مد جسور ثقة أسقطها المال الفاسد في فترات سابقة، وبين «البلدية» كمجلس شعبي محلي وبين البلدية «الوطن» يتحمل الناخب أو المواطن جزءا من المسؤولية لاختيار الأفضل، فغيابه من أعطى «المتلاعبين» الفرصة لولوج الهيئات المحلية، لذلك دعا المختصون المواطنين إلى الذهاب لمراكز الاقتراع بقوة للوقوف أمام أي محاولات يائسة لسرقة أصواتهم.

بوثلجة: خدمة الجزائريّين..مهمّة مقدّسة
 قال علال بوثلجة نائب بالمجلس الشعبي الوطني - حركة البناء الوطني - إنّ أهم ما ينتظره الناخب أو المواطن بصفة عامة من المنتخبين المحليين أن يكونوا في مستوى تطلعاتهم بالعمل على تحسين الخدمة العمومية من خلال رفع العوائق البيروقراطية وتسهيل الإجراءات الإدارية خاصة فيما تعلق بتقديم الوثائق المختلفة، كما ينتظر منهم أيضا التكفل بانشغالاتهم الأساسية المتمثلة أساسا في التنمية المحلية المرتبطة بمد شبكة الصرف الصحي وشبكة المياه الصالحة للشرب، وكذا مد شبكات الغاز الطبيعي والكهرباء والإنارة العمومية والطرقات.
إلى جانب التكفل بكل ما يتعلق بالجانب الترفيهي والتربوي لاسيما تهيئة المدارس الابتدائية والمساجد، وأيضا تهيئة مساحات اللعب وقاعات الرياضة، وانجازها في حالة عدم وجودها، وكل ما هو ترفيهي كالمسابح، دور الثقافة، والشباب، معتبرا أنها تدخل في جوهر الدور المنوط بالمنتخب المحلي.
وأضاف أن ما «ينتظر من المنتخب المحلي البقاء قريبا من المواطن للاستماع إلى انشغالاته والتكفل بها، حتى يساهم في إرساء عدالة اجتماعية من خلال توزيع الإعانات خاصة ما تعلق منها بالسكنات الاجتماعية أو السكن، إعانة رمضان ومنحة التمدرس، الكتب وكذا الإعانات الموجهة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، الأيتام، الأرامل، والمسنين»، مؤكدا في الوقت نفسه أن المنتخبين المحليين مطالبين بالاهتمام بالبيئة والنظافة التي أصبحت «طابو» في البلديات من خلال رفع النفايات المنزلية وتنظيف الأحياء وكنسها وتقليم الأشجار لتحسين صورة البلديات ومدن الجزائر.
ولم يستثن بوثلجة الجانب الصحي، حيث قال إن الناخب أو المواطن ينتظر أيضا من المنتخب المحلي أن يتكفل بهذا الجانب، لاسيما مراقبة محلات الأكل السريع بتفعيل دور مكاتب الصحة على مستوى البلديات، بالإضافة إلى تكفله بالجانب الأمني من خلال عمل السلطات المحلية على الصيانة الدورية لشبكة الإنارة العمومية، مداخل ومخارج الأحياء خاصة الأزقة الضيقة، مضيفا أن الأخطار المحدقة بالمواطن خاصة الفيضانات وحوادث المرور تدخل في جوهر عمل المنتخبين المحليين على مستوى البلديات والجماعات الإقليمية عموما.
ومن جهة أخرى، يتوقّع بوثلجة أن ينظر المنتخب المحلي إلى كل هذه الأدوار المنوطة به بنظرة المتأمل، فكل الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة، ومثل ما فعلت حركة البناء الوطني اختارت «المترشحين الأفضل والأجدر»، يجعل المسؤولية ملقاة على عاتق الناخب كبيرة لاختيار الأفضل صاحب الكفاءة والالتزام والطموح والإرادة.
ووصف النائب بالمجلس الشعبي البلدي، تسيير الجماعات المحلية بالمهمة الصعبة جدا على اعتبار أن خدمة الجزائريين عمل مقدس عند الدولة، تتطلب الكثير من الصبر والكفاءة والالتزام، وكذا الحضور والصبر على متطلبات المواطنين التي تتزايد باستمرار، متمنيا أن يكون المنتخبون القادمون في مستوى تطلعات الجزائريين كافة والناخبين خاصة، بأن يكون حجرا آخر في بناء دولة المؤسسات، فهي آخر محطة لبناء المؤسسات في إطار المسار الدستوري، الذي بدأ من رئاسة الجمهورية ثم تعديل الدستور ليصل بعد ذلك إلى الانتخابات التشريعية، وأخيرا الانتخابات المحلية المقبلة دورها الأساسي والوحيد خدمة الجزائر والجزائريين.

زغلامي: تغيير مقاربة تقليدية
من جانبه، يرى الأكاديمي وأستاذ علوم الإعلام والاتصال، العيد زغلامي، أنّ أهم ما ينتظره المواطن من المنتخبين هو التكفل بانشغالاته، معتبرا تحسين الظروف المعيشية الاقتصادية والاجتماعية، من مواصلات، صحة، تربية وسكن، إضافة إلى انشاء مناصب شغل أهمها لأنها أولوية الأولويات بالنسبة للمواطنين على المستوى المحلي، وكذا تقريب المواطن من البلدية من خلال حصوله على حقوقه وكل ما هو متعلق بدولة القانون والعدالة الاجتماعية، بما فيها التطور الاجتماعي والاقتصادي.
واعتبر زغلامي الانتخابات المحلية المقبلة آخر مرحلة في هندسة مؤسساتية، لذلك يرتقب أن تتجدّد وجوهها لتنسي المواطن الماضي المرير، حيث كانت الرشوة والتلاعبات والمال الفاسد ميزة أساسية في الفترة السابقة، لذلك يترقب المواطن أن تنهي الانتخابات المحلية ما تبقى من ملامحها على أرض الميدان، مضيفا في الوقت نفسه أن الطبقة السياسية الجديدة المتكونة من شباب يتم إقحامه في النشاط السياسي القاعدي، يجعل المواطن يترقب ويتطلع الى دولة العدالة والقانون على مستوى بلديته، خاصة الطبقة المتوسطة والضعيفة حتى تستفيد من مزايا وحقوق وثمار التطور التي تعرفه بعض القطاعات.
وفي الإطار نفسه، لاحظ الأستاذ تنافسا شديدا على المستوى القاعدي ينشطه عدد هائل من الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة على المجالس الشعبية المحلية، ما يدل - حسبه - على وجود تفطن ووعي لدى المواطن، لأنه يعلم انه لن يتحصل على حقوقه إلا إذا أقحم نفسه سواء كناخب أو مترشح، فقد حان الوقت لتغيير المقاربة التقليدية التي اساءت كثيرا للدولة على المستوى القاعدي، من خلال تصرفات لاأخلاقية ولا قانونية لبعض المنتخبين المحليين وتهميش الإدارة وغياب الحوار بين الإدارة والمواطن، بإرساء علاقات بين الطرفين قاعدتها القانون، الاحترام، الشفافية، وفي نفس الوقت ثقة متبادلة بين الطرفين الناخب أو المواطن عامة والمؤسسات المحلية، بمد جسور الثقة بينهما.
وعن حاجة المنتخبين المحليين الجدد إلى تكوين من أجل تسيير المجالس الشعبية المنتخبة، قال زغلامي إن أغلب المترشّحين متحصلين على شهادات جامعية ما يجعلهم على الأقل يملكون تكوينا أكاديميا، يبقى التكوين السياسي سيأتي بالممارسة على ارض الميدان، ومن البديهي ان يكون فيه استعداد عند وجود احترام للقوانين والقواعد، وهو ما سيؤسس لا محالة لعلاقات وطيدة بين الناخب والمنتخبين المحليين.
في نفس الوقت، أصر الأستاذ على الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام والمؤسسات الأخرى في تحسين وإقامة فضاء من الاحترام بين الطرفين، للخروج من مقاربة إدارية بيروقراطية عششت في كثير من الهيئات المحلية، معتبرا أنّه قد «حان الوقت أن يحسن المواطن علاقته مع المجالس بان يؤدي دوره في العملية الانتخابية بالتوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار الأنسب والأصلح، بأن يقحم نفسه بما يسمح له القانون من خلال حضوره جلسات المجلس الشعبي البلدي، وحتى وان لم يرغب في العمل السياسي يستطيع إقحام نفسه في النشاط الجمعوي لأن الجمعيات لها دور مهم في توضيح وتوطيد العلاقة بين المجتمع المدني والطبقة السياسية من خلال المجالس الشعبية المحلية».

عطية: المسؤولية جماعية
 أكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور إدريس عطية، أنّ أهم ما ينتظر من المنتخبين المحليين هو إعادة بناء علاقة الثقة بين الحاكم والمحكوم في كل الأطر والمستويات سواء كان على المستوى المركزي، أو الوطني أو المحلي، حيث يؤدي المسؤول المحلي دورا محوريا في تجديدها وبنائها بطرق سليمة على أساس أنّه والإدارة المحلية أول ما يتعامل معه المواطن من هيئات ومؤسسات الدولة.
وفي ذات السياق، اعتبر المتحدث هذه الانتخابات المحلية ثالث واهم مرحلة في البناء المؤسساتي للدولة، واستكمال كامل الهيئات المنتخبة بتجديد دمائها سواء تعلق الأمر بالمجالس الشعبية البلدية أو الولائية، لذلك ينبغي أن يكون المترشحون في المستوى المطلوب سواء من حيث الوعود والتصريحات التي قدموها خلال الحملة الانتخابية أو العمل في الميدان بعد فوزهم بالاقتراع.
وألحّ عطية على أهمية الدور المنوط  بالناخبين، فالواجب عليهم التوجه إلى صناديق الاقتراع بشكل كبير وقوي لاختيار الأفضل والأكفأ، لقطع الطريق أمام الانتهازيين ممّن تعوّدوا اتخاذ القرار باسم الشعب الجزائري على حساب معاناة البسطاء من المجتمع، معتبرا أن رهان الجميع مترشحين أو منتخبين مستقبليين أو ناخبين تحمل كل طرف كامل مسؤوليته  في حال فوزه، بأن يكون في مستوى تطلعات وثقة منحها الناخبون للفائزين في الانتخابات بالتصويت عليهم، وأيضا من خلال عموم المواطنين لأن الأمر يتعلق بهم جميعا، لذلك هم المسؤول الأول عن اختيارهم وعلى الرهانات التي سيجدها يوم الاقتراع، حتى لا يستطيع احد التملص او الهروب من هذه المسؤولية.
 

حسين تومي: جودة الخدمات
 على صعيد آخر، قال المختص في علم الاجتماع السياسي حسين تومي، إن الانتخابات بطبعها ومهما كان شكلها أو لونها أو موعدها أمل من الآمال التي تعطى للمواطنين، حيث يعلق عليها تطلعاته وطموحاته وحتى أحلامه، وعليه الانتخابات المحلية خاصة البلدية لها رباط وثيق بحياة المواطن اليومية، لأنه يرى فيها السبيل لحل مشاكله اليومية كالتهيئة الحضرية، نقص الإنارة العمومية والسكن، الغاز الطبيعي والكهرباء، تعبيد الطرقات، مد قنوات الصرف الصحي، تهيئة المدارس والهياكل الثقافية، وغيرها من الإنشاءات التي ينتظرها المواطن لترفع مستوى معيشته وتحسن من جودة حياته، في حيه وبلديته.
وعن مد جسور الثقة بين المواطن والقاعدة المحلية، يرى المختص انها مهمة صعبة نظرا لتراكمات العقود الماضية، حيث أصبح المواطن خاصة المتقدمين في السن، وبسبب طبيعة تجاربهم مع السلطات المحلية المنتخبة في العقود السابقة فاقدا للثقة، مستثنيا في نفس الوقت فئة الشباب من المقبلين على الحياة، فيمكن كسب ثقتهم إذا صدقت النوايا وكان المنتخبون المنتظرون من ذوي الكفاءة والأخلاق الحسنة والأيادي النظيفة، وكلهم عزم وإرادة على خدمة المواطن.
وأكد أن علاقة الثقة بين المواطن والمنتخب المحلي طردية، فإذا كان الحاكم المحلي او غيره صادقا معه ومخلصا سينال ثقته بالضرورة، أما إذا كان متلاعبا ويعد كذبا وتملقا سيزيد الطينة بلة، وسيوسع من الشرخ الموجود بين المواطن والسلطات المحلية، خاصة وأنها مهزوزة في واقع الأمر، لذلك على المنتخبين المحليين في مجالس الشعبية البلدية ترميم هذه الثقة بالعمل والاجتهاد، فالمسؤولية الأكبر تقع على عاتقهم.
وشرح تومي قائلا «في الحقيقة ليست للمواطن علاقة مباشرة مع هرم السلطة كرئيس الجمهورية أو وزراء أو ولاة أو رؤساء الدوائر، فعلاقته المباشرة واليومية في بعض الأحيان مع المجلس الشعبي البلدي، حيث يقضي معظم وقته ويعيش تفاصيل حياته كلها في البلدية، ما يجعل من البلدية بمثابة «وطن» المواطن الحقيقي، لذلك نجده يتحسس بمجرد رؤيته لقاذورات أو طرقات مهترئة، فتراه يصب جم غضبه على السلطات المحلية في شخص رئيس البلدية».
وأردف تومي أنّ تحسّن الإطار المعيشي على مستوى هذا الإقليم البلدي، سيشعر المواطن بالارتياح، لذلك يعاد انتخاب بعض رؤساء البلديات لأكثر من عهدة بسبب الإنجازات التي قدموها، فيما يرفض البعض إعادة ترشيحهم حتى على مستوى الأحزاب التي ينتمون إليها نظرا لماضيهم السيء والضعيف في تسيير الجماعات المحلية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024