عائلــــــة بــــن ساعــــد فقـــــدت الابـــــن والمعيـــــــــــــل
تعرف ولاية خنشلة تاريخيا بمكان اطلاق أول رصاصة ليلة الفاتح نوفمبر 1954، إيذانا بتفجير ثورة التحرير الوطني ضد المستعمر الفرنسي، وليلة الهجوم على 5 مواقع محددة منها دار الحاكم ومقر الجندرمة، حيث تم مقتل أول ضابط فرنسي المسمى الملازم «دارنو»، فثارت بذلك ثائرة فرنسا لتتحرّك في كل الاتجاهات وبكل الطرق لمحاولة إخماد الثورة في مهدها، إلا أن صمود المفجرين وصبر عائلاتهم وذويهم عمل في الاتجاه المعاكس.
تنقلت «الشعب»، إلى بيت صالح بن ساعد شقيق مسؤول التسليح بالولاية التاريخية الأولى الشهيد «بن ساعد الطيب» المدعو الطيب الفرجيوي عضو مجموعة الأربعين التاريخية المفجرة للثورة ليلة الفاتح نوفمبر 1954، ليحدثنا عن معاناة العائلة خلال تلك الفترة من انتقام وتعذيب ومضايقات وغيرها على يد البوليس الاستعماري الفرنسي حينها.
يكشف صالح بن ساعد، أنه عمل طول حياته على جمع شهادات رفاق أخيه في الجهاد رحمهم الله وشهادات الأقارب وحتى إداريين وعناصر في الشرطة الفرنسية من الجزائريين رصدها بعد الاستقلال، حول مسيرة أخيه الجهادية ونضاله السياسي والكثير من التفاصيل حول ثورة نوفمبر وخباياها.
كان محدثنا يبلغ السابعة من العمر سنة 1954 ولا يمكنه في هذا السن أن يتذكر ويستوعب كل الأحداث الحاصلة للعائلة وهول الثورة بمدينة خنشلة، ناهيك عن أن شقيقه استشهد سنة 1957 في معركة دامية مع المستعمر دون أن يتسنى للعائلة رؤيته منذ مغادرته إلى الجبل قبل ليلة الفاتح نوفمبر دون إخبارهم.
عاد محدثنا، إلى صبيحة أول نوفمبر 1954، قائلا «على الساعة العاشرة صباحا في أول نوفمبر بعد ساعات من تفجير الأماكن الخمسة على يد مجموعة الأربعين، شنت الشرطة الفرنسية حملة مداهمات واعتقالات واسعة طالت أباء الشباب مفجري الثورة وأمرتهم باستعمال كل الطرق والأساليب لانزال أبنائهم من الجبل وحثهم على العدول عن الثورة بكل الطرق، ليتم بعد ذلك تحويل مجموعة من أباء الفجرين إلى مركز التعذيب في بلدية متوسة شمال خنشلة أين تم تعذيبهم ومن بينهم الطاهر بن ساعد المدعو النوري والد الطيب بن ساعد».
ويضيف: «لقد اخبرني المسمى عباس محمد رحمه الله بعد الاستقلال والذي كان يعمل شرطيا إبان الاستعمار، انه شاهد على عمليات التعذيب التي مورست ضد والده والتي لم تثنه عن موقفه وقال لمعذبيه حينها ‘روحوا جيبوه أنتوما’» يقصد ابنه الطيب المتواجد بالجبل».
ويشير محدثنا في هذا الصدد، إلى تدخل السيناتور الهاشمي بن شنوف حينها لدى السلطات الفرنسية لإطلاق سراح أباء المفجرين وهو ما تمّ فعلا، علما أن مجموعة الأربعين رجع منها 26 فقط إلى الجبل ليلة نوفمبر بعد عمليات التفجير وتم القبض على الباقي في مدينة خنشلة في الفاتح نوفمبر 1954.
رقابة مشدّدة على منازل المفجرين واعتقالات مستمرة لوالدي
ويروي محدثنا أنه «بعد اطلاق سراح والدي وبعض أباء المفجرين الأخرين، دخلت العائلة في معاناة أخرى حيث شدّد المستعمر الرقابة على منازل المفجرين ومنهم منزل العائلة وجندت المخبرين المدنيين لمراقبتهم في كل الأوقات بغية الإطاحة بالفجرين». ليضطر والده الى تغيير مكان المنزل من حي المحطة إلى وسط المدينة بالحي المسمى «زقاق السوافة» حاليا، إلا أن المراقبة استمرت خاصة مع تحقيق مفجرن الثورة لنجاحات مستمرة وتوسع نطاق الثورة.
ويضيف: «كنا نعيش من حين لآخر عمليات مداهمة وقبض على والدي من طرف الشرطة الفرنسية وأخذه إلى مركز الشرطة وسماعه ومضايقته علهم يجدون معلومة تقودهم إلى القبض على «الطيب الفرجيوي» مسؤول التسليح والمؤونة حينها». ويقول: «مع مرور الزمن دخلت عائلتنا في فقر مدقع لأن معيلها كان أخي الطيب الذي كان يمارس التجارة في الأسواق وهو النشاط الذي ساعده رفقة ثوار آخرين على جلب الأسلحة ونقلها من مختلف الأماكن وبين الولايات».
ويتذكر صالح، أن قيادة الثورة حينها شكلت جهازا خاصا لمساعدة عائلات الثوار الفقراء، فمن حين لآخر كانت عائلات بن ساعد تستقبل مساعدات اجتماعية من هذا الجهاز متمثلة في بعض الأموال أو الأفرشة والطعام وغيرها حسب ما جمع هذا الجهاز الخاص بالمساعدة الاجتماعية لعائلات المجاهدين ذلك الوقت.
ونظرا لحساسية المهمة الموكلة إلى الشهيد بن ساعد الطيب والمتمثلة في إدارة الجلب والتخزين والتوزيع للأسلحة والمؤونة لمجاهدي الولاية التاريخية الأولى، عملت فرنسا بكل الوسائل على الإطاحة به وكثفت الحراسة على مقربيه بمدينة خنشلة وجندت المخبرين على كل المستويات بل أكثر من ذلك تمّ إصدار تعليمات على مستوى مختلف مراكز الشرطة بالمدن، وفرق الدرك بالأرياف وبالحواجز الأمنية بشرق البلاد لتكثيف التحريات والبحث عن المطلوب لدى «الطيب الفرجيوي».
ويتذكر محدثنا أنه في أحد الأيام ألقي القبض على شخص يدعى الطيب وهو في طريقه بالحافلة إلى سوق عين البيضاء بأم البواقي ويدعى كذلك الفرجيوي ليتم سجنه على أساس انه الطيب الفرجيوي مسؤول التسليح للولاية الأولى، وبعد الاتصال بالمصالح الأمنية الفرنسية بخنشلة تمّ تحديد هوية المقبوض عليه الملقب حجازي ليتبين أن الأمر متعلق بتشابه أسماء ليطلق سراحه بعدها وتتلاشي فرحة من قبضوا عليه.
وخلص محدثنا بالقول، «لم نتمكن من لقاء الطيب منذ مغادرته إلى الجبل قبل الفاتح نوفمبر دون إخبارنا، إلى أن سقط شهيدا خلال معركة دامية وشرسة في كمين نصبه له العدو سنة 1957، بمنطقة فركان على الشريط الحدودي جنوب ولايتي خنشلة وتبسة . وكان الشهيد حينها في مهمة نقل الأسلحة، أين استعمل العدو الطائرات وجميع أنواع الأسلحة ليستشهد الطيب وبعض من رفاقه في ميدان الشرف دفاعا عن الوطن».