المنظومة الصحية لثورة التحرير

مآزر بيضاء اختارت أن تكون ضمادا للوطن

فايزة بلعريبي

 

ألقي بالثورة الى الشارع، فاحتضنها شعب لم يكن ليدير ظهره لنداء الوطن، فكان الالتحام وكانت ثورة شعب من أجل الوطن. الثورة كانت رغيف خبز تصنعه أيادي مؤمنة بواجبها، كانت ليالي تأوي هذا وذاك من المجاهدين في بيت من لا يجد ما يقدمه إلا سقف بيته. كانت نظرات مسروقة، تتداول عبرها الأخبار السرية في صمت بين الفدائيين والمجاهدين. الثورة كانت رصاصات وجراح في أجساد كلها للوطن و ضمادات سارعت للالتفاف حولها. إرادة عفوية مخلصة لاسترجاع الاستقلال، صاحبتها استراتيجية مدروسة، أبهرت العالم بإعجازها التنظيمي الذي كانت تتحرك وفقه.
 من عملية التسليح الى النظام الاستخباراتي الي النظام الصحي حيث خضع هذا الأخير الى تنسيق محكم.

صاحب الاعلان عن اندلاع الثورة التحريرية وبداية الكفاح المسلح- بعد أن أكدت مجازر 8 ماي 1945 عدم التزام فرنسا بوعودها للجزائريين الذين باتوا مقتنعين، انه لا استقلال إلا بالكفاح المسلح - خسائر بشرية، جرحى وقتلى بدأت أعدادهم تتزايد مع زيادة عدد المعارك ما جعل المبادرات الوطنية المتمثلة في إسعافات أولية بسيطة يقوم بها المواطنون، غير كافية للتكفل بالجراح المتفاوتة الخطورة، التي غالبا ما كانت  تتطلب إمكانيات استشفائية كبيرة، تصل أحيانا إلى ضرورة نقل المصابين إلى الحدود االشرقية مع ليبيا وتونس أو الحدود الغربية، لتلقي العلاج الذي قد يأتي متأخرا بسبب طول المسافة التي تقطع مشيا على الاقدام أو على ظهور الدواب كأفضل وسيلة نقل يمكن إن يضفر بها الجريح الذي كان يصل إلى مكان العلاج، في كلتا الحالتين، في أخطر مراحل الاصابة.
تحضير مسبق ومنعرجات تاريخية
أحداث 8 ماي 1945 أحدثت القطيعة مع المطالبة السلمية للحقوق السياسية للجزائريين، وهنا بدأت تتبلور فكرة الكفاح المسلح، لإنشاء منظمة تعمل على استرجاع السيادة الوطنية، حيث أنشئت المنظمة السرية في نفس الوقت الذي أنشئت فيه الحركة من أجل الحريات الديموقراطية، سنة 1947 (بحسب ما جاء في مقدمة كتاب «المآزر البيضاء لثورة التحرير» لصاحبه مصطفى خياطي) حيث سلط الضوء على تاريخ نضال المآزر البيضاء من أطباء وممرضين، مجاهدين كانوا أو فدائيين، ممن اختاروا ممارسة مهامهم النبيلة في إطار ثورة مسلحة. لكن سرعان ما اكتشف أمر المنظمة السرية، التي كانت تضم آنذاك حوالي ألف مناضل، لتطارد من طرف السلطات الاستعمارية. إلا أن ذلك لم يثن من عزيمة المناضلين الجزائريين الذين واصلو التخطيط لتفجير ثورة مسلحة كان الأول من شهر نوفمبر 1954 شرارتها الأولى، حيث بدأت تسجل أولى الاصابات  التي تتطلب تكفلا طبيا، يقوم بتأمينه متطوعون من مواطنين وفدائيين، بأبسط الامكانيات.
بعد التخطيط والتحضير ما قبل 1954، جاءت مرحلة التنفيذ، بين 1954 و1956، وبدأت المعارك التي كانت تدوم أياما، لتوثق رسميا قرار شعب، اتخذ النصر أو الشهادة مصيرا لا تراجع عنه.
المرحلة الثالثة كانت مابين 1956 و 1958 حيث إن تطور العمليات العسكريــة وتوســــــع الثورة جغرافـــــيا وشموليتها شعبيا خلال هذه الفترة، جعل التحضير لبناء جهاز طبي وهيكلة نظام صحي شامل مطلبا ملحا لإسعاف المصابين، الأمر الذي دفع القائمين على إدارة شؤون العمليات العسكرية و السياسية إلى التفكير في توفير الموارد البشرية و الأدوية والوسائل الطبية للتكفل بالجرحى والمرضى على مستوى الوحدات العسكرية وبين المدنيين، تطبيقا لتوصيات مؤتمر الصومام الذي أعطى الصحة بعدا إستراتيجيا للثورة عموما وفي الوحدات العسكرية والقرى بشكل خاص.
تحدي تضييق وحصار الثورة
 واجهت الثورة ضربات موجعة بفعل الحصار والتطويق الذي ركز عليها بين 1957-1962 مما أثر على السير المنتظم والشامل للطاقم الصحي على مستوى كل الولايات العسكرية، الأمر الذي زاد من عدد الخسائرالبشرية بين الثوار والمدنيين، وضع القيادة العليا في طوارئ لتوفير الادوية و المستحضرات الطبية الضرورية للاسعافات الأولية أمام أجراءات مشددة من جانب الإدارة الاستعمارية، مطلع سنة 1955، مضيّقة على تداول المواد والوسائل الصحية خاصة ما تعلق بالاسعافات الاولية كالضمادات والمضادات الحيوية ومسكنات الآلام، حيث فرضت على الصيادلة  التصريح بالأدوية التي تسلم إليها من طرف المستوردين الذين خضعوا بدورهم الى نظام رقابي صارم. كما ألزمت الصيادلة بتقديم تقارير مفصلة عن الادوية التي يتم بيعها مع استحضار الوصفات الطبية، التي تعتبر الزامية لبيع الدواء. الأمر الذي دفع قيادة الثورة الى تكثيف جهودها في تجنيد الوافدين الجدد، بحسب المؤهلات في شبكات التموين بالأدوية وتوظيفهم في المراكز الصحية وتدريبهم بإشراف أطباء وممرضين أكفاء ودمجهم في صفوف جيش التحرير الوطني، وفقا لنظام صحي يضمد جراح الثورة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024