أكد رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، أمس، أنّ الاستعمار الفرنسي للجزائر، كان “ الأسوأ” على الإطلاق، وسعى لاستئصال الجزائريين وتعويضهم بأوروبيين، مشددا على أنّ الوحدة الوطنية ونبذ الفرقة كانت عماد ثورة التحرير المجيد، داعيا إلى الحرص على تفادي المغالطات عند كتابة التاريخ الجزائري.
أكد رئيس مجلس الأمة المجاهد صالح قوجيل، أن استعمار الجزائر يختلف بشكل كبير عن الاستعمار الذي تعرضت له باقي الدول، إذ اتسم بكونه عنصري استيطاني عمل على إبادة الجزائريين وتعويضهم بآخرين قدموا من شتات أوروبا.
وقال قوجيل في ندوة برلمانية تاريخية بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الـ67 لاندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 نظمت بمجلس الأمة تحت عنوان : إن “الجزائر تشهد يوم الوغى.. نوفمبر يعود على طريقة التأسيس والتأصيل للجمهورية الجديدة”، إن “ الجزائر تعرضت إلى استعمار استيطاني وإبادة شعب أعزل”.
وجدد قوجيل تأكيد ما كشف عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من استشهاد أكثر 5 ملايين جزائري، وتحديدا 5.630.000، مشيرا أن هذا العدد تؤكده الإحصائيات التي تشير أن عدد الجزائريين تقلص إلى غاية الاستقلال، ناهيك عن أعمال التعذيب والتنكيل والسلب والنهب وسياسة الأرض المحروقة.
واسترسل رئيس مجلس الأمة، في سرد تفاصيل هامة من عمر الثورة التحريرية المجيدة، داعيا إلى تقسيم استعمار فرنسا للجزائر إلى مرحلتين الأولى من 1830 إلى غاية 1945، والثانية من 1945 إلى غاية 1962، وذلك عند تناول التاريخ بالبحث والدراسة.
وأوضح أن الوحدة الوطنية ونكران الذات والانتماء الجهوي كان السر الأكبر في نجاح اندلاع الثورة المظفرة، واستمرارها إلى غاية نيل الاستقلال، مشيرا إلى أن القادة الستة وعند تقسيم المناطق، تقلدوا القيادة بعيدا عن مسقط الرأس، فبن مهيدي الذي ينحدر من الشرق الجزائري تولى قيادة المنطقة الخامسة بالغرب وهكذا.
وأشار أنّ اندلاع الثورة كان في جميع ربوع الوطن، ووقعت 34 عملية في ليلة واحدة مست كل القطر الجزائري، بالرغم من التفاوت اللافت بين الولايات في امتلاك الأسلحة الحربية، وذكر بازدراء الحركى والمعمرين للرعيل الأول من المجاهدين قائلا: “ نعتوهم بالحفاة العراة الذين لن يستطيعوا إخراج فرنسا، وفصل الشتاء قادم وسيتم اصطيادهم مثل الفئران”.
وأبرز كيف لقنت الثورة التحريرية الدرس تلو الآخر للاستعمار الفرنسي، وأسقطت ست حكومات متعاقبة، إلى غاية إسقاط الجمهورية الرابعة بانقلاب وتأسيس الخامسة بقيادة الجنرال ديغول، وكل هذا بسبب” ثورتنا المجيدة”.
وتابع :« بعد نعتهم بالفلاقة والحفاة، تحولوا إلى شجعان” في إشارة إلى مقترح ديغول القيام بخديعة سلم الشجعان، والذي رفضتهم قيادات الثورة كما رفضت كل الوساطات الدولية للتفاوض، وأكدت أنها عندما تتفاوض ستفعل ذلك مباشرة ودون وسيط.
ودعا قوجيل إلى أهمية إعطاء أهمية لمعركة الجرف (ولاية تبسة)، والتي دامت سبعة أيام وسبع ليالي، والتي رسمت أقوى الانتصارات وأجمل التضحيات، وطلب إيلاءها العناية التي تستحق، من طرف المؤرخين ومسؤولي قناة الذاكرة وغيرهم، لأنها من أكبر المعارك في بداية الثورة.
وأضاف أنّ هناك من أراد تعويض بيان أول نوفمبر بوثيقة مؤتمر الصومام، مؤكدا أن المؤتمر منبثق عن وثيقة أول نوفمبر، 1954. ودعا إلى إبراز أهمية مؤتمر القاهرة سنة 1957، لما له من دور في لم الشمل وتوحيد صفوف الثورة والتأسيس فيما بعد إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة.
واعتبر أن المحطات التاريخية تتكامل مع بعضها، معترفا بوجود خلافات عميقة أثناء الثورة لكن تم تجاوزها ولم تكن هناك حساسية أو جهة تدخلت في الشؤون الداخلية لقادة الثورة.
وكشف قوجيل أن شارل ديغول لما تفاوض مع الجزائر فهو أراد بذلك إنقاذ فرنسا، مشيرا أن الثورة الجزائرية أنقذت الشعب الفرنسي، من المعمرين الذي أرادوا اجتياح فرنسا والسيطرة على العاصمة باريس.
واعتبر أن الجيش الوطني الشعبي، مرتبط بالوطن والشعب وسيبقى سليلا لجيش التحرير، وأنه الوحيد في العالم الذي يحمل هذه التسمية، داعيا إلى ضرورة أن “نكون واعين في هذه المرحلة التي تتطلب الوحدة فإما نكون أولا نكون”.
ودعا المتحدث إلى تحري الحقائق كاملة عند تناول التاريخ، وتفادي كل المغالطات التي يتداولها البعض في التجاذبات السياسية حاليا، مستدلا بعبارة “ نوفمبر الباديسي”، والتي قال بشأنها إنها مغالطة “ويوجد نوفمبر واحد ملك للجميع”.
للإشارة، حضر فعاليات هذه الندوة البرلمانية التاريخية: إبراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني؛ العيد ربيقة، وزير المجاهدين وذوي الحقوق؛ اللواء محمد الصالح بن بيشة، الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني؛ عبد المجيد شيخي، المستشار لدى رئيس الجمهورية، المكلّف بالأرشيف والذاكرة الوطنية؛ عبد العزيز مجاهد، مدير المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة؛ وممثلو قيادة الدرك والأمن الوطنيين؛ وممثل اللواء، مدير الاتصال والإعلام والتوجيه لأركان الجيش الوطني الشعبي؛ ولفيف من المجاهدات والمجاهدين والأكاديميين، إلى جانب أعضاء مجلس الأمة.