تزامن اليوم الوطني للصّحافة هذه السنة، مع تنامي أنشطة الإعلام الإلكتروني بشكل غير مسبوق، نتيجة الاهتمام الرّسمي وأيضا لما فرضته استخدامات الأنترنت. يأتي هذا في سياق جيو- سياسي خاص دفع بالأداء المهني لهذه المواقع لمرتبة الدفاع عن المصالح الوطنية أمام الهجمات الكثيفة التي تتعرّض لها.
كغيرها من الدول، تعيش الجزائر مرحلة التحول الرقمي في منظومة الإعلام، يمكن وصفها بـ «الانتقالية» إلى غاية التحكم الكلي في الممارسة المهنية الجديدة من كافة الجوانب القانونية واللوجيستية.
وبعد إنهاء التّحوّل بالنسبة لكافة المؤسسات الإعلامية، لن يستمر الحديث عن «صحافة ورقية تقليدية» و»صحافة رقمية أو إلكترونية»، إذ سيستقر الأمر على منظومة إعلامية وطنية، مثلما كان عليه قبل سيطرة الأنترنت كوسيلة أو منصّة أساسية لبث الأخبار والمواد الصّحفية.
وبدأت الجزائر منذ العام الماضي، كسر الحاجز القائم بين الصّنفين، عندما أصدر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في 04 فيفري 2020، تعليمة يأمر فيها الوزير الأول، «بمعاملة هذه الوسائل الإعلامية، كما تعامل الصّحافة الوطنية المكتوبة في تغطية النشاطات الوطنية والرسمية والاستفادة من الإشهار العمومي في حدود ما يسمح به القانون وأخلاقيات المهنة»، وشدّد قبل ذلك على «ضبط وتسوية الوضعية القانونية للصّحف الإلكترونية الموطّنة في الجزائر».
ومنذ ذلك الوقت، سجّلت الصحف الإلكترونية المعتمدة، حضورها في تغطية وإذاعة جميع النّشاطات الرّسمية، بما فيها نشاطات رئيس الجمهورية، والمشاركة في الحوارات الدورية التي يجريها شهريا.
فهل كان لابد من إرادة سياسية، حتى يتم «تقبّل» أو «ترسيخ» الصحف الإلكترونية كفاعل أساسي وهام في منظومة الإعلام الوطني؟ أم أنّ التّحوّل كانت ستحسمه خيارات مديري ومالكي الجرائد الورقية مواكبة لمتطلبات الجمهور؟
من الواضح، أنّ الجزائر من الدول المتأخرة في إنجاز الانتقال الرقمي، بعدما أنهت دول أخرى (كبرى) تحوّلها بين سنتين 2013 و2014، وتجاوزت سريعا الصّدمة الاقتصادية القاسية التي ضربت الآلاف من العناوين، وتسبّبت في خسارة مثلها من الوظائف بالنسبة للصحفيين وأقسام الدعم، وكلفها ذلك استثمار مبالغ مالية ضخمة.
وأمام الاستجابات النّمطية التي ترفض التغيير في جميع المجالات أو تتقبّله في النهاية كأمر واقع بعد «تماطل» و»نكران»، احتاجت الصحافة الرقمية الجزائرية، إلى العناية المطلوبة من قبل الدولة، والتي أدّت دورها في إنهاء التمييز ووضع الإطار القانوني المتمثل في المرسوم التنفيذي المؤرخ في 22 نوفمبر 2020، والمحدّد لكيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الأنترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني، والذي أصدرته وزارة الاتصال.
هذه الأخيرة، استطاعت تحقيق هدفها المسطر لهذه السنة، والمتمثل في منح اعتمادات قانونية لـ 100 صحيفة إلكترونية، بعد امتثالها للشروط المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي، وعلى رأسها التوطين ضمن نطاق «.DZ».
وتجاوزت الوزارة هذا الرقم، حيث أعلن وزير الاتصال، عمار بلحيمر، في حوار له مع موقع «أخبار دزاير» في 17 أكتوبر الجاري، عن منح أكثر من 140 وصل إيداع تصريح بموقع إلكتروني.
أهمية استراتيجية
ما يحدث اليوم، من تسابق نحو الصّحافة الإلكترونية، حدث في الماضي والقريب والبعيد، مع كل الوسائل التقنية الأخرى، فالتطور التكنولوجي لطالما كان المحدّد الرئيسي للأنواع الصحفية، منذ اختراع آلة الطباعة، وصولا لأجهزة الراديو والتلفزيون ثم الأقمار الصناعية فالأنترنت ثم الذكاء الاصطناعي.
وتخضع مهنة الإعلام مثل غيرها من المجالات لقاعدة العرض والطلب (ليس بالمنطق الربحي المحض)، لذلك صارت ملزمة بإيصال محتوياتها إلى الجمهور، عبر كافة الوسائل المتاحة، وفي ظل الانتشار الهائل لاستخدامات الأنترنت وتطبيقاتها، لا يكون التأخر في التحول الرقمي للصحف الوطنية (عمومية أو خاصة) أو إنشاء صحف إلكترونية إلا صناعة لـ «الفراغ».
وبالإضافة، إلى التعسف والتواطؤ الفاضح لمواقع التواصل الاجتماعي، وتعدّيها على الحقوق الرقمية لبعض الشعوب، ومنها الشعب الجزائري في بعض المناسبات، ليس من مصلحة الجزائر ترك جمهور بأزيد من 25 مليون مستخدم أو مستهلك للأنترنت، عرضة لتلقي محتويات خارجية.
وكانت وزارة الاتصال، نبّهت لخطورة ما قامت به شركة فايسبوك في أوت الماضي، بحجب مضامين وبث أخرى في إطار «خطط هدامة تستهدف الجزائر».
وأكّدت عزمها الدفاع «على سيادتها الرقمية الوطنية»، مسجّلة قيام الشركة «بحجب كل صور الاستعمار البشعة أخلاقيا وإنسانيا، في ذكرى عيد الاستقلال، لا لشيء إلا لمنع الشعب الجزائري من التعريف بتاريخه».
وأحصت السّلطات الرّسمية، وجود 97 موقعا موجّها لاستهداف الجزائر خصيصا، تصدر من «دولة مجاورة» مثلما أكّده الرئيس عبد المجيد تبون، في وقت سابق. وتلقى هذه المواقع وغيرها تمويلا خاصا من قبل «صناديق سوداء» تابعة لأجهزة المخابرات التي تقود عمليات ضرب استقرار البلاد من الخارج.
وترك الفراغ يعني استغلاله من قبل الغير، وتزداد خطورة الأمر مع انتشار الأخبار الكاذبة عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعية التي تدير شبكات نائمة وجهات تستهدف القيام بأعمال تخريبية.
وبيّنت الأجهزة الأمنية المتخصّصة، أنّ كل المخطّطات التي استهدفت الأمن القومي الجزائري منذ 2014، جرى التّخطيط لها عبر وسائط التواصل الاجتماعي سواء المفتوحة كفايسبوك أو المشفّرة كتطبيقات التواصل «ماسنجر وواتساب».
غير أنّ اضطلاع الصّحف الإلكترونية، بمهمة الدفاع عن المصالح الوطنية في زمن التدفق الهائل للهجمات السيبرانية ضد البلاد، ليس شعارا أو عملية ظرفية محدّدة النّطاق والأهداف، فهي من صميم المهام الأساسية المنوطة بوسائل الإعلام مهما كانت طبيعتها.
إذ تشتغل الصحافة بشكل عام على تمكين المواطن من حقه في الإعلام، وفقا لما ينص عليه الدستور، والمقصود حقه في المعلومة النزيهة والرأي الموضوعي، وكلّما توفّرت بهذا الشكل على جميع المنصات تقليدية أو جديدة، أطفأت كل الأخبار الكاذبة الأخرى، وأزالت وهم الإشاعات المغرضة.
يبقى أنّ استمرار نشاط المؤسسات الإعلامية الجزائرية بشتى أنواعها، مرهون بنموذج التمويل والاستثمار، والذي سيحسم في طبيعته من خلال قانون الإشهار الجاري العمل عليه من قبل وزارة الاتصال.