أصبح الإعلام الإلكتروني أو ما يصطلح عليه بـ «الإعلام الرّقمي، الإعلام السيبراني، الإعلام الجديد» قوّة متنامية التّطوّرات ومتلاحقة التأثيرات، فبعد الثّورة التكنولوجية التي شبّهها خبراء في الإعلام بانفجار سيبرنوفا العظيم الذي حدّد ملامح الكون، حدث هذا الانفجار مجدّدا ليعيد تشكيل ملامح المجتمعات المعاصرة، كما تقول الدكتورة مهري شفيقة أستاذة بقسم الإعلام والاتصال جامعة سطيف 2.
أرجعت أستاذة الإعلام والاتصال انتشار الاستخدام المكثّف لوسائط وتكنولوجيات الاتصال، في مختلف مجالات الحياة وطبع الطابع الرقمي مجالات الاقتصاد، السياسة، التعليم، التسويق، والإعلام، هذا الأخير الذي أصبح من أهم المجالات الإستراتيجية التي توظّف تكنولوجيات الإعلام والاتصال ومختلف خدماتها، لجملة من العوامل التي فرضت عليها الانخراط في العالم الرقمي الذي أصبح حتمية.
فظهور المجتمعات الافتراضية كقوّة نازحة ومؤثّرة، ولّد لدى المؤسّسات الإعلامية الحاجة لإستراتيجية إعلامية رقمية تدعّم وتعزّز حضورها، وأصبحت دراسة مطالب وحاجيات الجمهور الرقمي، من أولويات الوسائل الإعلامية على السّاحة الدولية، نظرا لتنامي حجم جمهور الـ «واب»، وتنامي سلطته التأثيرية عبر النقر في الفضاءات الرقمية، ونظرا أيضا لظهور صحافة المواطن، حيث أصبح الجمهور الرقمي مصدرا إعلاميا بامتياز، يساهم في وضع الأجندة الإعلامية، من خلال مناقشة القضايا والأحداث التي تشغل الرأي العام، كما أنّ تحديات المنافسة والاستمرارية صنّفت عامل التكنولوجيا والإبداع في صدارة المؤسسات الإعلامية الناجحة.
ولاقى الإعلام الرقمي حسب الدكتورة مهري، التشجيع والدعم من قبل مختلف المؤسّسات الإعلامية عن طريق التبني الكلي من خلال إنشاء مضامين إعلامية رقمية من مواقع إخبارية، وصحف إلكترونية وإذاعات رقمية، ويقصد بالتبني الكلي - حسب محدّثتنا - أن تنشأ وسيلة إعلامية رقمية، من حيث المحتوى والموظّفين الذين يعملون في الفضاء الرقمي وتتوجّه لجمهور الواب، كما نجد التبني الجزئي لهذه التكنولوجيات، من خلال استخدامها كمدعّم للعمل الإعلامي التقليدي، حيث يضع الإعلام التقليدي امتدادا له عبر الإعلام الرقمي، أي أن الصحيفة الإلكترونية لوسيلة إعلامية ما لها امتداد رقمي من خلال نشر النسخة الورقية في وسائط رقمية.
كما نجد الراديو الرقمي وهو امتداد للراديو التقليدي يبث مضامينه عبر الوسائط الرقمية، وبالتالي يشكّل التبني الجزئي تزاوجا بين الإعلام التقليدي والرقمي، والمؤسّسات الإعلامية الناجحة اليوم كما أضافت لها إستراتيجية إعلامية رقمية، حيث يلعب الإعلام الرقمي دورا كبيرا في تحقيق السبق الصحفي والسرعة في أداء العمل الإعلامي، وكذا السرعة في الانتشار لجمهور رقمي واسع عبر المواقع والشبكات ومختلف الفضاءات الافتراضية.
وقالت الدكتورة مهري إنّ في ظل الحتمية التكنولوجية وانتشار استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة، أصبحت وسائل الإعلام مجبرة على الانخراط في هذه التحولات وتطوير أدواتها وأساليبها لمواكبة التطور، الذي حقّقه الإعلام الإلكتروني وإلا سيكون مصيرها الزوال والاندثار، فمن بين الإشكاليات البحثية التي تطرح في حقل بحوث الإعلام الرقمي هل الإعلام الجديد «الرقمي» سيقضي على الإعلام القديم؟ هل ذابت الفواصل بين الإعلام الجديد والقديم؟ هل ستقضي الصحافة الإلكترونية على الورقية؟ وغيرها من التوقعات، وذلك بناءً على معطيات ومؤشرات، تؤكد الانتشار المتنامي للإعلام الرقمي وقوته التأثيرية في مختلف المجالات في المجتمع المعاصر، وكذا اتساع وسرعة انتشاره، وقدرته على التعرف على الاستجابة الفورية، ورجع الصدى عبر الأدوات التي توفرها الفضاءات الرقمية التي يمارس من خلالها، فبعد الانتشار الهائل للخدمات الرقمية من مواقع إعلامية إخبارية، وصحافة إلكترونية، ومواقع إخبارية تفاعلية، ومدونات إعلامية، وإذاعات وتلفزيونات رقمية، أصبح التوجه الإعلامي الرقمي فرصة للبقاء والاستمرار، نظرا لما يحققه لوسائل الإعلام من سرعة وتفاعلية وانتشار، وعائدات مالية، واقتصاد التكاليف، واتساع مساحات النشر والتفاعل، إذ ساهم بهذه الخصائص في حضور المؤسسات الإعلامية لدى قاعدة جماهيرية واسعة من مستخدمي الوسائط الجديدة أو ما يعرف بجمهور الواب، وساهم بتأثيره في تشكيل التوجهات العامة للرأي العام، الذي أصبح بفضل الإعلام الرقمي واضحا ومعلنا للنقاش العمومي.
كما ذكرت أنّ أهم مكسب حققه الإعلام الإلكتروني، رفع سقف الحريات، فبعد السيطرة التي عاشها الإعلام التقليدي في كنف الأنظمة السياسية، شهد الإعلام الإلكتروني انفتاحا في الحريات، وحقّق الإعلام مكاسب تاريخية في ظل تكنولوجيات الإعلام والاتصال لم يحقّقها من قبل. كل هذه المزايا تفرض على المؤسسات الإعلامية، وضع إستراتيجية إعلامية للتواجد الرقمي، من خلال اختيار الوسائل والأدوات ودراسة الجمهور، لتحقيق الريادة الإعلامية ومواجهة المنافسة الإعلامية الشرسة في ظل الإمبراطوريات الإعلامية الرقمية.
أمّا عن الرّهانات والإشكاليات المطروحة في الممارسة الإعلامية في هذا المجال، فيمكن حصرها بالعودة لما أشارت إليه، في صعوبة الوثوق والتحقق من صحة ومصداقية العديد من البيانات والمعلومات التي تحويها، وكذا ضعف الضوابط الضرورية، لضمان عدم المساس بالقيم الدينية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، وكذا ضعف ضوابط السيطرة على نشر العنف والتطرف والإرهاب، كما أن ما يعاب على الإعلام الإلكتروني أيضا أنه وبالرغم من آنيته وتفاعليته، إلا أنّه مازال بحاجة إلى الاستفادة من خبرات الإعلام التقليدي بالمهنية والاتزان والأسلوب.