«العـزوف عـن الترشــح» يقلق الأحـزاب و «غربـال» السلطـة يغضبهـا
وجدت أحزاب سياسية، لأول مرة في تاريخ انتخابات الجزائر، نفسها دون منافسين في المحليات المسبقة المقررة يوم 27 نوفمبر المقبل. وفشلت أخرى في تقديم مرشحين لها في بعض البلديات واضطرت أخرى للانسحاب من السباق، بحجة صرامة القانون الجديد وعدم إدراج محفزات للترشح، وصعوبة الإيفاء بشروط السلطة، رآه بعض السياسيين عاملا جعل المواطنين يعزفون عن الترشح بعد أن كانوا يعزفون عن الانتخاب، وهي سابقة أولى وظاهرة «مقلقة» تستدعي تحرك جميع الفاعلين لوضع تصور علمي وعملي منبعه الواقع وهدفه إصلاح الواقع السياسي والانتخابي في الجزائر.
تشهد عملية تجديد المجالس البلدية والولائية المقررة بتاريخ 27 نوفمبر 2021، لأول مرة، إجراء اقتراع «منقوص»، حيث لم تستقبل مكاتب المندوبيات الولائية للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أي ملفات ترشيح في بعض البلديات، مثل ولاية بجاية (بلديات أقبو، توجة وفرعون ومسيسنة) وتيزي وزو.
في حين ستنافس بعض الأحزاب نفسها في بعض البلديات (تقورايت بتيبازة، دلس ببومرداس، تابلاط بالمدية، الماين ببرج بوعريريج)، بسبب عدم تقديم ملفات ترشيح سواء من تشكيلات سياسية أو قوائم حرة، في سابقة أولى لم تشهدها انتخابات الجزائر في مرحلة التعددية السياسية.
وبغض النظر عن مآلات هذا الوضع والفتوى القانونية المنتظرة للتعامل مع البلديات التي قد لا تجرى فيها انتخابات مسبقة، فإن الظاهرة هذه تستدعي دراسة عميقة، يقول سياسيون لـ»الشعب ويكاند»، لأن الأمر تحول من عزوف عن الانتخاب إلى عزوف عن الترشح، وهذا «مقلق» للغاية يستوجب إعادة النظر في العديد من الإجراءات والقوانين لتحفيز المواطنين على الترشح والعودة إلى تحمل مسؤولياتهم السياسية، وقبل ذلك ينبغي على السلطة المستقلة للانتخابات ومندوبياتها الولائية توحيد تعاملاتها مع الأحزاب والأحرار والابتعاد عن التشدد أثناء دراسة ملفات المترشحين، موجهين التهمة لـ»غربال» السلطة الذي أسقط مئات الأسماء من القوائم دون تبريرات مقنعة، فلا يعقل أن يقبل ملف مترشح في التشريعيات ويرفض في المحليات لأسباب غير مقنعة، أو يرفض ملف مترشح بسبب عدم امتلاكه بطاقة ناخب في حين هو مسجل وينتخب منذ ربع قرن تقريبا، ويقبل ترشح شخص آخر أو منتخب سابق لا تتوفر فيه أدنى الشروط ومتابع في قضايا فساد أو جناية.
استنكار كبير
استنكرت أحزاب سياسية أياما قليلة من انقضاء الآجال القانونية للرد على طعون المترشحين، طريقة تعامل السلطة المستقلة ومندوبياتها الولائية مع ملفات المترشحين، ورأتها سببا مباشرا في ظاهرة العزوف التي امتدت لأول مرة للترشح. فإسقاط العديد من الأسماء يجعل من القائمة غير مؤهلة للمشاركة، وتوجد بلديات تقدمت قائمة واحدة للترشح، وإذا تم إسقاطها ستصبح دون قائمة تشارك في الانتخابات.
وندد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، بما أسماه «التجاوزات» وانتهاكات خطيرة» في حق المترشحين في المحليات، وقال: «إن قوائم المترشحين لحزبه تعرضت إلى مجازر حقيقية، ابتداء من رفض التوقيعات بالجملة، بحجة عدم التسجيل في الهيئة الناخبة، مع أنهم يحوزون على بطاقة الناخب وشاركوا في كل الاستحقاقات السابقة، إلى عمليات «الزبر» التي تتعرض لها بطرق غير قانونية لا تستند إلى أحكام قضائية نهائية سالبة للحرية».
وفي استقرائه لحالات الإقصاء من الترشح، اعتبرها سياسة ممنهجة تستهدف العناصر التنافسية، وتمثل نوعًا من محاولة التحكم في نتائج الانتخابات، وهو ما يضع الإرادة السياسية في احترام الإرادة الشعبية وأخلقة الحياة السياسية موضع الشك والمساءلة السياسية والأخلاقية.
وسجلت جبهة القوى الاشتراكية باستياء كبير هي الأخرى عديد حالات الرفض التي طالت مرشحيها ضمن القوائم البلدية والولائية المودعة لخوض الانتخابات المحلية، ونددت بما أسمته «تجاوزات»، واعتمادها «المفرط» على التحقيقات ويجب أن تخضع ملفات المترشحين إلى دراسة متأنية وأدلة مادية قطعية أو أحكام قضائية نهائية حتى لا يتنافى عمل السلطة مع المادة 184 من قانون الانتخابات.
وأوضحت أن جل أسباب الرفض، كما تبين في محاضر السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، مبهمة، لا تملك أي سند قانوني وتفتقد إلى المعالجة الموضوعية وتكون استهدفت، كما يبدو، بشكل انتقائي وممنهج العناصر الأكثر ثقلا وتنافسية في كل قائمة، ناهيك أن الكثير من حالات الرفض صدرت بعد انقضاء آجال دراسة الملفات المحددة في المادة 183 من القانون العضوي للانتخابات.
أما حركة النهضة، فاضطرت للانسحاب من غمار المحليات، لأسباب ربطتها بالعوائق والتعقيدات القانونية والممارسات السياسية والأوضاع الإجتماعية، وللشروط التعجيزية المتعلقة بالتوقيعات وطريقة تشكيل القوائم وطريقة إجراء التحقيقات وإسقاط المرشحين بالشبهات، وعدم الالتزام بالقانون في تسليم المحاضر وحضور اللجان كلها، وهي كلها عوامل قالت إنها «أضيفت للعزوف العام والذي طال المناضلين».
عوائق وتعقيدات
يتفق معظم السياسيين على أن الإجراءات والشروط المحددة للترشح لانتخابات المجالس البلدية والولائية، خاصة «شرط التوقيعات» (أكثر من 800 ألف توقيع في 1541 بلدية)، كان أول عائق أمام الراغبين في دخول العمل السياسي من باب المجالس المحلية، وهو ما يفسر عزوف المواطنين والمناضلين في الأحزاب عن الترشح وجاءت المشاركة هزيلة بهذا الشكل.
واعترف عيسى بلهادي، رئيس جبهة الحكم الراشد، في تصريح لـ»الشعب ويكاند»، أن فرض شرط التوقيعات والتصديق على الاستمارات والمساواة بين الأحزاب والقوائم الحرة، هو عائق كبير في ظل العزوف الشعبي عن العمل السياسي والعمل الإنتخابي بشكل عام، لانعدام حلقة الثقة في شبكة علاقات الحكم بين الناخب والمنتخب، وبين المواطن والإدارة وهذا ما أثر سلبا، بحسبه، في تفاعل المواطن الناخب مع الهيئة الناخبة والمشاركة في العمل الانتخابي من خلال منح توقيعه للقائمة التي يراها أقرب اليه والانسب لتمثيله وإدارة الشأن المحلي، معتبرا أن هذا أجحاف في حق الأحزاب السياسية.
وشدد محدثنا، على ضرورة تكريس قواعد العمل الديمقراطي في العمل السياسي والانتخابي من خلال إلغاء التوقيعات، وإعطاء فرصة للأحزاب السياسية المعتمدة، لأن تطهير ومراقبة الساحة السياسية من خلال العمل الانتخابي، يمكن الوصول إليها عن طريق فرض ضوابط لاعتماد الاحزاب السياسية مثلا واشتراط نسبة معينة للمشاركة في الانتخابات.
وقال مستغربا، «عدد التوقيعات التي طلبت في الانتخابات المحلية قدرت بأكثر من 800 ألف توقيع على مستوى 1541 بلدية و58 ولاية، في حين اشترط 5 آلاف توقيع في الانتخابات التشريعية الأخيرة وعبر 23 ولاية كحد أدنى»، قبل أن يضيف «كانت السلطة قادرة على اشتراط هذا النصاب في الانتخابات المحلية وتسيير الأمور، بالرغم من الصعوبات والعزوف، إلا أنه يبقى شرط توافقي بين كل الأحزاب ويمكن للكثير منها المشاركة، لأن تحقيق النصاب ممكن في 23 ولاية من أجل المشاركة في 58 ولاية»، مشيرا إلى أن العديد من المواطنين رفضوا الترشح بسبب التوقيعات والتصديق على الاستمارات.
وذكر بلهادي، أنه بعد تسجيل المشاركة الضئيلة في التعديل الدستوري والانتخابات التشريعية، كان يفترض على سلطة الانتخابات تدارك هذا الوضع، بتقديم أكبر قدر من المحفزات التي تشجع الأحزاب السياسية على المشاركة وتقديم المترشحين القادرين على تقديم الأفضل وتلبية انشغالات المواطنين وتشجيع وتحفيز المواطنين على الاطلاع على مشاريع وبرامج الأحزاب ومرافقتهم في الحملة الانتخابية للذهاب بقوة الى صناديق الاقتراع والمواطن مخير وليس مسيرا في أن يختار من هو أهلا لتمثيله المحلي، وهذا كله كان يمكن تبنيه من تصور علمي عملي منبعه الواقع وهدفه إصلاح الواقع السياسي والانتخابي في الجزائر.
من جهتها تحدثت فاطمة الزهراء زرواطي، رئيسة حزب تجمع أمل الجزائر، «تاج»، لـ»الشعب ويكاند»، عن قلق كبير عند مناضلي حزبها، من وجود تعقيدات حالت دون قبول ملفات المترشحين، بالرغم من استيفائهم جميع الشروط وقبول ملفاتهم في التشريعيات، ليتم رفضها في المحليات، متسائلة أين يكمن الخطأ؟ وأضافت باستغراب «مترشح 20 سنة وهو ينتخب، ولديه بطاقة ناخب وأسقط وقيل له إنه غير مسجل».
وفي رأيها العلاقة بين الحزب والسلطة المستقلة للانتخابات، يجب أن تمتد إلى كل تمثيلياتها، من أجل التواصل والمرافقة الجيدة والسير بخطى ثابتة على الأقل لمشاركة فعلية في الانتخابات.
وبررت العزوف عن الترشح، بتأثر المواطن الجزائري بظروفه الاجتماعية، فهو لما يصطدم بانخفاض القدرة الشرائية، هذا يؤثر في اختياراته ونفسيته في كثير من الأمور، ويجعل المترشح تحت تأثير ضغط اجتماعي، ماذا يمكن أن يقدم؟ وكذلك التخوف الكبير من عدم القدرة على تحمل المسؤولية. علما أن كل البلديات، أكثر من 900 بلدية، تحت عتبة الفقر ولا تملك كل الامكانات وبالتالي ستكون المسؤولية صعبة على من يتولون تسييرها، اضافة إلى التراكمات التي حصلت والتي زادتها كورونا تعقيدا، وجمدت الكثير من المشاريع وأخرت أخرى.
كما أن هذه الإنتخابات تأتي بعد 3 أشهر من انتخابات المجلس الشعبي الوطني، ومن الصعب على الإنسان أن يدخل في نفس الوتيرة، باستثناء أصحاب المال الذين كانوا يستحوذون على الانتخابات وكانت العملية سهلة بالنسبة لهم، ولكن اليوم إذا أردنا مشاركة إطارات بإمكانات ضعيفة، على المواطن والمجتمع أن ينخرط في مساعدة من هو الأحسن حتى يكون هو المسؤول وهذا هو العمل الانتخابي الحقيقي.
وقالت زرواطي، «نحن اليوم على عتبة الجزائر الجديدة ويجب علينا جميعا أن نسعى إليها ونحاول التخلص من كل الممارسات البالية التي لا تحتاج مرسوما رئاسيا أو قاضيا، بل إلى ممارسة اجتماعية أخلاقية داخل المجتمع تسمح بالسمو بكيفية التعامل مع هذه الانتخابات».
وأضافت، «صحيح يجب أن ننظف ونطهر ولكن بالمقابل يجب أن يكون لدينا من يصوت. إذا نظفنا القوائم ولم نجد من يترشح، هل هذا كاف حتى يتجه المواطن للصندوق وينتخب؟»، مؤكدة أنه أمامنا عمل كبير وحثيث لإقناع المواطن بالعودة للحياة السياسية وتحمل مسؤولياته، وهذا يفترض وضع عمل تشاركي أفقي لا يستعيد الثقة فقط وإنما يساعد المواطن على الرجوع إلى مسؤولياته وتأدية واجبه الانتخابي.
واعتبرت الانسحاب في هذا الظرف «هروبا»، ومن انسحب ليس لديه الحق في الرجوع في أي وقت كان، لأن هذا هو الوقت الذي تحتاج فيه الجزائر للجميع وإلى كل شيء مترابط ومتلاحم من أجل وحدتها.