«الشعب» تنقل معاناتهم خلال الموجة الثالثة

ناجـون من «دلتا»..يكسبـون معركة الحيــاة

استطلاع: فتيحة كلواز

سرير شاغر وجرعة أكسجين..رحلة بحث مضنية عن الكنز

  وصلوا نقطة ظنّوا أنّها منعرج اللاّرجوع، لكنهم عادوا بعد معاناة كبيرة مع وباء أثبت شراسته وخطورته بكل جدارة، بعدما خاضوا «معركة مزدوجة» من أجل الحياة، ومن أجل الحصول على الأوكسجين والأدوية. اقتربت «الشعب» من ناجين من موجة الفيروس المتحور «دلتا»، الذي ضرب بقوة شهري جويلية وأوت، لتنقل تفاصيل نجاة من موت مؤكد.

 كان للموت حضورا قويا في الموجة الثالثة للمتحور «دلتا» حتى أصبحت العائلة الواحدة تدفن أربعا من أفرادها في أيام فقط، وبالرغم من النعوش المحمولة، خرج أغلب المصابين بالعدوى سالمين في معركة تديرها مناعة فيزيولوجية ونفسية، تصنع فيها «العلاقات» فارقا في توفير سرير في المستشفى أو قارورة أوكسجين أو دواء «لوفينوكس»، الذي عرف ندرة حتى في علامته الجنيسة.
أقسى درس
 «كان عليّ تجاوز صدمة الإصابة بالعدوى لأستطيع العودة من موت محتّم»، هكذا وصفت نسيمة (39 سنة، مستشارة قانونية) ما عاشته شهر جويلية الماضي بعد إصابتها بعدوى السلالة المتحوّرة «دلتا»، حيث صرّحت لـ «الشعب»، «بالرغم من خوفي الشديد وحرصي الكبير على احترام الإجراءات الوقائية منذ مارس 2020، وجدت نفسي مصابة بـ «دلتا» بعد أن عمل زميلي في مكتبي لإتمام بعض الإجراءات الإدارية، فقد كان يجهل إصابته بالفيروس لذلك لم أتعامل معه بالحذر الكافي، خطأ دفعت ثمنه غاليا في الأسابيع التالية، فبعد شفائي أصيبت أمي بالفيروس وهي في الـ 86 سنة من العمر ثم زوجي ثم ابنتي التي لم تتجاوز الـ 11 سنة، كل أسرتي أصيبت بالفيروس بسببي، لذلك كان عليّ تحمل مسؤوليتي اتجاههم بالرغم من مرضي لأنّني سأكون سببا أيضا في إصابة ثمانية أفراد من عائلة زوجي بالعدوى».  
«تملّكني شعور غريب لم أعرفه من قبل، شعور جعلني مجرمة أمام نفسي، كنت أدعو الله تعالى ألا يتوفى أي واحد منهم، لان ذلك سيجعلني أعاني لذنب القتل غير العمدي طوال حياتي، وكثيرا ما كنت أتساءل أيعقل أن أكون السبب في وفاة والدتي أو ابنتي أو زوجي».
وصفت نسيمة المعاناة النفسية التي عاشتها بسبب نقلها للعدوى لعدد من أفراد عائلتها، وأضافت: «طوال حياتي كنت المدللة في أسرتي، فأنا آخر العنقود، كنت دائما فوق الجميع لا أبالي سوى بنفسي، لكن وبعد ما مررت به في جويلية الماضي، أشعر أن الحياة لقّنتني درسا قاسيا عنوانه «دلتا»، فقد وجدت نفسي أحارب من أجل سرير في المستشفى وقارورة أوكسجين وكذا دواء لوفينوكس».
حرب ضروس
نهاية شهر جوان أصيب توفيق - ب (46 سنة، أستاذ)  بفيروس «دلتا» لكنه لم يدرك خطورة حالته إلا بعد 10 أيام كاملة ما ساهم في تأزم حالته الصحية، وصف ما عاشه قائلا: «نهاية شهر جوان أصبت بالآم في عظامي والتهاب اللوزتين وحمى على فترات متقطّعة، في البداية ظننته رشحا سببه المكيف، لذلك لجأت إلى التطبيب الذاتي للشفاء، لكن وبعد 10 أيام تعقّدت حالتي الصحية ما تطلب نقلي إلى الطبيب الذي طلب إجراء اختبار «بي سي آر» لاشتباهه في إصابتي بكورونا، وبالفعل كانت النتيجة إيجابية، لذلك وصف لي البرتوكول العلاجي الموصى به من طرف الأطباء».
«لم يكن الأمر ليتوقف هنا، فقد انتشر الفيروس في رئتي، ما جعلني في حاجة إلى أوكسجين بعد إصابتي بضيق في التنفس، وبالفعل تنقلت إلى مستشفى عين طاية لكن رفض الأطباء إبقائي بسبب حالة التشبع، لذلك عدت إلى البيت أترقب توفر سرير شاغر في المستشفى، لأبقى لأسبوع كامل مربوطا بقارورة الأوكسجين، لكن تطور حالتي استدعى نقلي إلى المستشفى أين تتوفر قارورات الأوكسجين سعة 15 لترا، وهناك ببئر طرارية بقيت عشرين يوما كاملة قضيت فيها حربا ضروسا مع «الموت»، وفي الأخير نجوت لأعود الى بيتي بعد أسبوع من عيد الأضحى».
وعن أهم معاناته بسبب الفيروس، قال توفيق: «لو لم أتهاون في بداية إصابتي بالعدوى لما وصل بي الأمر إلى مصارعة الموت بحمل فيروسي وصل 76 بالمائة، كان الاستهتار سببا في انخفاض نسبة الأوكسجين إلى 79، والسبب أيضا في رعب كبير أصاب أبنائي الصغار لدرجة أن ابنتي ذات الـ 10 سنوات أصيبت بصدمة نفسية استدعت تدخل الطبيب النفسي لتخفيف وطأتها عليها، فقد ظنت أنني مت، بالرغم من تطمينات العائلة لها، لكن عدم سماعها لصوتي بسبب حالتي الصحية الحرجة وارتباطي بأجهزة التنفس الاصطناعي في وحدة العناية المركّزة جعلها تعتقد ذلك، كان هذا أشد ما آلمني وزاد من وجعي، لأن شعورك بالضعف والعجز وقلة الحيلة يضرب مناعتك في الصميم».
تغلغل المتحوّر «دلتا» إلى جسمه دون أن يدري، وبسبب إبعاد نفسه عن دائرة العدوى وجد نفسه بين ليلة وضحاها وهو لا يتجاوز الـ 37 سنة «رهينة» اختطفها الفيروس في غفلة منه، عبد الرؤوف (إطار في شركة متعددة الجنسيات)، عانى لأكثر من 20 يوما بسبب إصابته بالفيروس المتحور شهر جويلية الماضي، سألته «الشعب» عن رحلة شفائه من المرض، فأجاب قائلا: «أصبت بالعدوى بعد إصابة أفراد من عائلتي بها، فبمجرد علمي بذلك أجريت اختبار «بي سي آر»، والنتيجة طبعا كانت إيجابية ما استدعى خضوعي للبروتوكول العلاجي، حيث بقيت في المنزل مع زيارة يومية للطبيب مع إجراء تحاليل كلما تطلب الأمر ذلك، لكن وبعد أسبوع تطلّب الأمر نقلي إلى المستشفى بعد انخفاض الصفائح في دمي، وتأكيد صور «السكانير» بلوغي 60 بالمائة من الحمل الفيروسي».
«كان ذهابي إلى المستشفى معضلة حقيقية لأنّ المؤسّسات الاستشفائية كانت في حالة تشبع تام، لذلك كان لا بد من اللجوء إلى العلاقات من أجل دخول المستشفى، وبالفعل بقيت بمستشفى سليم زميرلي ثلاثة أيام، لأعود إلى المنزل والبقاء مرهون بمكثف الأوكسجين الطبي، حيث اشتريت قارورة أوكسجين سعة 10 لتر، استعملتها إلى غاية تأكيد التحاليل الطبية انخفاض الحمل الفيروسي إلى 50 بالمائة».
في الـ 14 سنة يقاوم من أجل الحياة
بالرغم من صغر سنه، أصيب عبد الرحمن، 14 سنة، بأعراض المتحور «دلتا» كالتهاب اللوزتين، احتقان الأنف وفقدان حاسة الشم والتذوق، ليجد نفسه تحت العزل المنزلي وحيدا في غرفة لا تدخلها سوى والدته، يقول عن إصابته بالعدوى لـ «الشعب»: «في ثلاثة أيام فقط ظهرت معظم أعراض «دلتا»، لذلك طلبت والدتي من والدي أخذي لإجراء اختبار «بي سي آر»، في البداية اعتبر أبي الطلب مبالغا فيه لكن إصرار والدتي جعله يقتنع به، لتُظهر النتيجة الإيجابية للتحليل صِدق تكهن والدتي في إصابتي بالعدوى، فكان الأمر غريبا بعض الشيء بالنسبة لوالدي الذي بقي مذهولا أمامي، لكنه تماسك نفسه واشترى البروتوكول العلاجي، لأجد نفسي معزولا في غرفة اختزلت تفاصيل حياتي لخمسة عشر يوما، كان إجباريا عليّ البقاء فيها يوم عيد الأضحى أقساها».
وعن والدته يتحدث عبد الرحمن: «لم أظهر خوفي من الفيروس حتى لا أزيد من شدة قلق والدتي علي، حيث تأكدت إصابتها هي الأخرى بالفيروس بعد أيام فقط، لذلك كانت تبقيني في عزل منزلي صارم حتى لا تنتقل العدوى إلى إخوتي ووالدي، بل حتى بعد شفائي فرضت عليّ ارتداء الكمامة لعشرة أيام أخرى خوفا على الجيران والأصدقاء، كنت أطيعها في كل شيء، خاصة وأن أفرادا من عائلتنا توفّوا بسبب الوباء».
يبقى الأمر الأكيد أنّ السلالة المتحورة «دلتا» الجزائر الى بدايات انتشار الجائحة في مارس 2020 إثر تسجيل اول حالات الإصابة بالعدوى، فبدا الخوف واضحا بعد حالة من التراخي والاستهتار بعد وصول عدد الإصابات الجديدة عتبة الـ 100، وكان عدد الوفيات أكبر صدمة واجهها المواطنون، خاصة وأن بعض العائلات وصل عدد من فقدتهم بسبب إصابتهم بـ «دلتا» إلى أربعة في الأسرة الواحدة وأكثر في العائلة الكبيرة، ما تطلب تعاملا نفسيا مغايرا لما كان قبل سنة ونصف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024