الدكتور خالد عبد السلام لـ «الشعب»:

مناعــة نفسيـة ضـرورة لمواجهـة الموجـة الرّابعـة

حوار: فتيحة كلواز

 اليقظة والالتزام بالإجراءات الوقاية لدخول مدرسي آمن

موجة ثالثـة تركــت جروحا نفسيــة عميقـة

 للتعرف على العوامل النفسية المساعدة على اكتساب مناعة نفسية تقي صاحبها صدمة قد تكون لها آثارا وخيمة على من وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع «دلتا»، أجرت «الشعب» مع الأستاذ بقسم علم النفس وعلوم التربية الأرطفونيا بجامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 حوارا يفصل فيه الطريقة المثلى لتجاوز مرحلة تلقي «الضربات» النفسية إلى مرحلة الدفاع أو اكتساب مناعة نفسية، مع الإبقاء على الاحترام الصارم للإجراءات الوقائية كارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي.

الشعب: بعد ثلاث موجات من فيروس كورونا، هل استطاع المواطن اكتساب مناعة نفسية ضد الوباء؟
الدكتور خالد عبد السلام: في غياب دراسات علمية ميدانية موسعة تشخص الوضع النفسي للمجتمع الجزائري بأخذ عينات ممثلة لكل الفئات والشرائح، من الصعب التسليم بأن الجزائريين اكتسبوا مناعة نفسية بعد ثلاثة موجات متتالية من فيروس كورونا، خاصة الموجة الأخيرة التي اعتبرها المختصون أخطر من سابقاتها من حيث عدد الإصابات والوفيات، إضافة الى ما ترتب عنها من ازمة اوكسجين واكتظاظ المستشفيات وعدم قدرتها على استيعاب العدد الكبير من المصابين.
فقد أحدثت الموجة الثالثة صدمات نفسية كبيرة اضافية للكثير من العائلات، وتركت لديها جروحا نفسية عميقة (مخاوف، قلق توترات وساوس...) نتيجة الإصابات الجماعية وفقدانها للكثير من أفرادها أو لعدد منهم في مدة وجيزة جدا، فالمناعة النفسية تكتسب بالتدريب والتوعية وتراكم الخبرة والتجربة.
هل تقبل الجزائريون ذلك؟ الأمر نسبي لا سيما الاهتمام بموضوع المناعة النفسية، لذلك يمكن القول إن الجزائريين اكتسوا بعض الخبرات الطبية والنفسية الاولية حول كيفية التعامل مع الفيروس، تحتاج إلى البناء عليها بتحويلها إلى برامج تدريبية موسعة (عبر المدارس، الجامعات، مراكز التكوين المهني دور الشباب والمراكز الثقافية وسائل الاعلام والمساجد والنشاطات الجمعوية الجوارية) لتنمية الثقافة الصحية ومن خلالها تعزيز آليات تحصين نظام المناعة النفسية لتأهيل السكان طبيا ونفسيا حول كيفية التعامل مع الأزمات والكوارث والأوبئة.

- كيف للمناعة النفسية أن ترفع من دفاعية الجسم؟
 هناك علاقة وظيفية بين نظام المناعة النفسية ونظام المناعة الحيوية أو البيولوجية، فكلما قويت المناعة النفسية كلما زاد في قوة وفعالية نظام المناعة الفيزيولوجية نتيجة اعتدال وتوازن نشاط مختلف الغدد في إفرازاتها لمختلف الهرمونات التي تؤثر في المزاج وطريقة التفكير والتصرف بطرق إيجابية، وبالتالي تفعّل نشاط الخلايا المناعية للجسم.
فضعف المعنويات وسيطرة الضغوط النفسية والإجهاد، الخوف والقلق والارتباك يؤثر سلبا في ضعف نظام المناعة الفيزيولوجية بإحداث اضطرابات في إفرازات الهورمونات وكيمياء الدماغ وازدياد كميات الأدرنالين في الدم ونقص هرمونات السيروتونين والدوبامين والأوكسيتوسين والإندورفين المسؤولة عن مشاعر السعادة. ذلك أنّ الإنسان وحدة متكاملة فيزيولوجية وجسمية، نفسيا وعقليا واجتماعيا فلا يمكن الفصل بين جوانبه، وكل جانب يؤثر ويتأثر بالجوانب الأخرى سلبا وإيجابا.
 
- نحن على أبواب الدخول المدرسي ما هي أهم الدفاعات النفسية الواجب التسلح بها من قبل التلاميذ والأساتذة؟
 الدفاعات النفسية الواجب التسلح بها في مثل هذه الظروف الوبائية لاسيما وأنّنا نتعامل مع عدو لا يُرى بالعين المجردة، هي العناصر المكونة لنظام المناعة النفسية، كالثقة بالنفس التي ينبني عليها التقدير الإيجابي للذات، والإيمان بقدرتنا على تجاوز المحن والوباء بالرغم من كل الأخطار مع عدم الاستسلام والانهزام.
والانطلاق من القناعة الربانية أنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، حتى تستمر الحياة، مع ضرورة استحضار الوعي واليقظة الذهنية للالتزام بكل صرامة بالإجراءات الوقاية لمنع انتشار العدوى خلال الدراسة، خاصة تجنب تبادل الأدوات المدرسية بين التلاميذ وبينهم والأساتذة، استعمال الأقنعة والمعقمات عند لمس أي شيء في المدرسة أو عند استلام أي وثيقة أو شيء.
ثم تأتي بعدها آلية ضبط النفس وعدم القلق والخوف، والتصرف برزانة وهدوء مع التحكم في كل التوترات والانفعالات حتى ولو أصيب الفرد بالفيروس لقدر الله، وآلية الصمود والصلابة بالصبر وتحمل لِلواقع كما هو بكل تبعاته حتى لا يفشل الإنسان وينطوي على نفسه، إلى جانب حاجتهم إلى آلية رفع التحدي والمثابرة، بالإصرار وقوة العزيمة بمواصلة التدريس والدراسة بشكلها الطبيعي.

- كمختص ما هي المناعة النّفسية المجتمعية لتفادي انهيار الأفراد أمام موجة رابعة مرتقبة؟ 
 الحديث عن موجة رابعة مرتقبة تطرح أسئلة كثيرة حول أسبابها ومبرراتها الموضوعية والطبية، ولماذا هذه الموجات في هذا الوباء بحد ذاته؟ وقد يوحي ذلك بوجود موجات أخرى لاحقة خامسة وسادسة ووو..، لكن فرضا ان هناك موجات أخرى، فالأمر يقتضي دائما الاستعداد لكل الاحتمالات نفسيا، طبيا، اجتماعيا واقتصاديا مع التخطيط الدقيق لمتطلبات الوضع المتوقع في حدوده القصوى، حتى لا نتعامل مع مفاجآت، فالسياسة تعني حسن التدبير وفن التوقع، هذا من جهة.
من جهة أخرى، المناعة النفسية الجماعية الضرورية تتبلور في تكريس، تعزيز وتشجيع كل قيم التضامن والتعاون بين الجزائريين، طبيا، اقتصاديا، نفسيا، اجتماعيا وسياسيا لمواجهة كل الاخطار والتحديات المتوقعة، لما لها من مفعول نفسي قوي جدا أوقات الازمات والمحن، حيث تشعر الناس بالأمن والطمأنينة وتزيدهم المحبة اخوة وتلاحما، وهو ما يساهم في إفراز هرمونات السعادة والهناء لديهم.
وهو ما عشناه هذه الصائفة مع ازمة الاكسجين ومع الحرائق التي حلت بالكثير من المدن الجزائرية المتضررة ماديا وبشريا كما هو في ولايات خنشلة، تيزي وزو وبجاية والطارف وسكيكدة، من خلال القوافل التضامنية من كل نوع وما أحدثته من مشاعر السرور والاطمئنان لدى كل السكان المستفيدين منها.
يضاف إليها تكريس إعلام محترف ومهني يحترم عقول ومشاعر الجماهير في نقل المعلومات والأخبار وفي أسلوب المعالجة للأحداث والازمات والتفاعل مع المواطنين، وفي هذا الصدد يتطلب الامر فتح كل وسائل الاعلام لصوت المواطنين للتعبير عن مشاعرهم، قناعاتهم وآرائهم خاصة أوقات الازمات والاوبئة كآلية نفسية للتخفيف عن توتراهم ومخاوفهم، وامتصاص شحناتهم السلبية، ومن ثمة تدريبهم على التفكير الإيجابي والتعبير بروح المسؤولية.
ولا ننسى هنا ضرورة تشجيع وتفعيل الدور الحقيقي للجمعيات والمجتمع المدني من خلال نوعية الخدمات الجوارية التي تقدمها للمجتمع، لا سيما في مجال الدعم النفسي والاجتماعي وحتى المادي للتخفيف من معاناة المواطنين، وكذا دورها في تدريبهم وتهيئتهم مسبقا على أساليب وفنيات التعامل مع مثل هذه الظروف والأزمات الاستثنائية.

- ما تفسير حالة التراخي والاستهتار التي يتعامل بها بعض المواطنين في كل مرة يبدأ فيها تراجع منحنى الإصابات؟         
 مثل هذه الاستجابات السلبية لدى الكثير من المواطنين الجزائريين لها علاقة بعوامل ثقافية واجتماعية ونفسية، يمكن تلخيصها في ما يلي: إن الجزائري لا يأخذ احتياطاته إلا عندما يصل المرض إلى بيته أو يصاب به، ويمكن القول انه يفكر بمنطق جحا «مادامت النار لم تصل بيتي، فأنا غير معني بها».
يضاف اليها غياب الصرامة والجدية في احترام التدابير الوقائية نتيجة ما تتطلبه من صبر ويقظة وانزعاج حسب الكثيرين بعضهم لأسباب نفسية (الخوف من الوساوس والهلوسات) والبعض الآخر لأسباب صحية (كالحساسية أو المرض)، لا سيما التعقيم المستمر والمتواصل، واستعمال القناع الواقي في الأماكن العمومية والمكتظة والتباعد الاجتماعي. والامر الأهم في هذا أن بعض الكثير من الناس لم يألفوا فكرة الابتعاد عن زيارة الاهل والأقارب في كل المناسبات، لذلك لا يستسيغون بل يستثقلون كثيرا عدم حضور الجنائز أو الأفراح عند أقاربهم وأهلهم، ويعتبرون ذلك تقليلا من قيمتهم وعدم احترام لهم، لذلك كثيرا ما حدثت العدوى الجماعية في مثل هذه المناسبات.
إلى جانب عوامل أخرى مهمة يجب العمل على ترميمها هي وجود ازمة ثقة بين المواطن والاعلام ومؤسسات الدولة، والذي نلمسه في انطباعات وآراء الشباب خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي من تعليقات وتفسيرات سلبية حول كل ما يقدم من معلومات وتوجيهات، وهو ما جعل الكثير من المواطنين لا يبالون بما يصدر من تعليمات أو توجيهات.
ونتيجة لازمة الثقة أصبح الكثير من الناس يأخذون بما ينشر ويذاع في شبكات التواصل الاجتماعي أكثر ممّا ينشر ويذاع عبر وسائل الاعلام الرسمية العمومية والخاصة نتيجة لسرعتها، تنوعها، تعددها وحضورها الدائم مع المواطن على هاتفه النقال، ولا ننسى غياب الصرامة، وهناك عوامل وأسباب أخرى لا يسمح المجال التفصيل فيها كثيرا.

- بما تنصح العائلات التي فقدت أفرادا من الأسرة الواحدة بعد إصابتهم بـ «دلتا»؟
 هناك الكثير من العائلات التي فقدت عدة أفراد دفعة واحدة بسبب فيروس الموجة الثالثة المسمى (دلتا)، لذلك صدمت الكثير من أفرادها ومازال البعض منهم يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة، والتي تتجلى في الخوف، القلق، نقص الشهية، اضطراب النوم والكوابيس وغيرها.
وتحتاج هذه العائلات أكثر من غيرها المرافقة والدعم النفسي المستمر مع تدخلات للعلاج النفسي المركز لدى بعض الحالات حسب درجة الاضطراب الذي تعاني منه كل حالة. يضاف إليها الدعم والمساندة والمآنسة الاجتماعية من قبل الأهل والأقارب والجيران لتعزيز مشاعر الانتماء لديهم، وتبديد المخاوف والوحشة والشعور بالغربة والعزلة.
وعليه، ليس لنا ما نقوله لها إلا الاحتساب والصبر على قضاء الله وقدره، والعمل على التفكير في الحاضر والمستقبل وعدم الاسترسال في التفكير فيما مضى من أحزان وأحداث، لأنها غير قابلة للتعديل والتغيير والإعادة، مع ضرورة العمل على التحرر من كل مشاعر الذنب، لأنها قد تجعل صاحبه يتألم داخليا وتخطر على باله بعض الأفكار السلبية كالتفكير في الانتقام من نفسه، وأخذ كل الاحتياطات اللازمة مع الالتزام بكل الإجراءات الوقائية لتفادي العدوى مع ممارسة حياتهم الطبيعية بالتفكير في غد أفضل وبعزيمة وإرادة أقوى إن شاء الله.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024