أولى مخطط عمل الحكومة أهمية كبيرة لعصرنة النظام المصرفي والمالي باعتباره أحد أهم ركائز تمويل فرص الإنعاش الاقتصادي ضمن منظور الاستثمار والتنوع من خلال المحافظة على التوازنات المالية العمومية وتشجيع النمو الاقتصادي وتلبية حاجيات المستثمرين ومرافقة المصدرين بتوفير المناخ الملائم لنشاطهم وتحسين جاذبية الاقتصاد الوطني.
يرى الخبير الاقتصادي كمال خفاش أنّ عصرنة النظام المصرفي والمالي أصبح أكثر من ضرورة لأنه ما يزال دون تطلعات الاقتصاديين والمستثمرين، بحيث لم يعرف أيّ تطور، منذ التسعينات، ما عدا بعض التغييرات البسيطة لكنها ليست جذرية أو تلك يرجى منها تحقيق النتائج المتوخاة في ما يخص الاقتصاد والبنوك والمستثمرين سيما فئة المصدرين.
وأوضح خفاش في تصريح لـ «الشعب» أنّ المنظومة البنكية بالجزائر تعمل أو تتجه إلى منطق الاستيراد، ما يجعلها ضعيفة في مرافقة توجه التصدير سواء من حيث الإجراءات، المرافقة، الأهداف، الخدمات التي تقدمها في هذا الإطار فهي بعيدة كل البعد عن عملية التصدير ولا تخدمها وهو ما حال دون بروز فئة قوية من المصدرين ترتكز على منظومة مالية هي الأخرى قوية.
لا تصدير بدون استراتيجية لوجيستيكية متكاملة
ويشير المتحدث، في هذا السياق، أنّ التصدير يحتاج إلى استراتيجية لوجيستيكية متكاملة ترتكز بالأساس على المنظومة المالية بهدف ولوج الأسواق الخارجية والمحافظة على الحصص المتاحة والمحققة وكذا على الزبائن، والاستجابة الآنية لمتطلبات الدفع والتحويل المالي سيما الإلكتروني منها.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه بسبب قدم التعاملات البنكية للمنظومة المصرفية الوطنية ضاعت الكثير من الفرص الاستثمارية، ما يستدعي إعادة النظر وتقديم تحفيزات أخرى لإعطاء دفع قويّ للمصدرين بالجزائر من أجل الحصول على حصص أخرى وتوسعة نشاطهم، بما يخدم الوجهة والسمعة الوطنية من أجل جلب استثمارات وأعمال أخرى تعود بالفائدة على الخزينة العمومية والاقتصاد ككل، لاسيما في جلب العملة الصعبة.
الأدوات الالكترونية لاختصار آجال الدفع
في المقابل، تطرق خفاش إلى أهمية إدخال الأدوات الآليات الالكترونية في التعاملات المالية لاسيما ما تعلق بالتحويل والدفع الإلكتروني وتقليص أيضا آجال الدفع، حيث ما تزال بلادنا متأخرة في هذا المجال مقارنة بدول أخرى في نفس مستوى الجزائر رغم تسجيل محاولة سنة 2010، إلا أنه للأسف لم يتم الاستمرار في هذا المسعى.
وأشار المتحدث إلى أنّ إدراج هذه الأدوات في منظومة العمل الاقتصادية لا يقتصر فقط على البنوك بل حتى على المؤسسات، لاسيما الصغيرة والمتوسطة التي يتولى تسييرها الشباب باعتباره أكثر استيعابا واستعمالا لهذه الآليات التكنولوجية ما سينعكس على تطور مؤسساتهم ويساهم في إنشاء مناصب شغل جديدة وانتشار ثقافة الكترونية وتحقيق حركية اقتصادية وطنية وحتى في التوجه نحو التجارة الالكترونية.
وحسب خفاش فإنّ عصرنة المنظومة المصرفية أيضا من شأنها أن تساهم في توفير المناخ الملائم للمؤسسات الناشئة «الستارتوب» لأنّ بقاءها مرهون بذلك وإلا سيتبخر هذا المشروع الذي يعوّل عليه كثير في إعطاء دفع جديد للاقتصاد الوطني وتقديم تحفيزات جبائية للمؤسسات التي تستخدم هذه الأدوات الرقمية والالكترونية في تعاملاتها المالية وتتيح المجال أمام عصرنة التكوين للكفاءات في هذا المجال.
من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي أنّ البنوك، اليوم، يقع عليها عبء التخفيف من تنامي التجارة الموازية وتحفيز ناشطيها على الانخراط في النشاط الرسمي، ما يتعين ابتكار إجراءات وتحفيزات أكثر جاذبية تواكب تطلعاتهم وتلبي طموحاتهم.
بنوك مختصة في التجارة الخارجية
وبخصوص تكثيف الشبكة المصرفية وتحقيق الانتشار بالخارج، يتعين - حسب- المتحدث التفكير في إنشاء بنوك صغيرة مختصة في التجارة الخارجية لا تمتلك رأس مال استثماري كبير، وبالرغم من عدم امتلاك الجزائر خبرة كبيرة في هذا المجال إلى أنه يمكن تدارك هذا الإشكال من خلال التعاقد مع بنوك أجنبية معروفة في هذا المجال من خلال عقود شراكة ومرافقة في «المناجمنت» محدودة المدة على غرار ما هو معمول به في آسيا، واستخدام شبكتها البنكية ودرايتها بالأسواق الأجنبية لتحقيق هذه الغاية بناء عل تبادل التجربة والخبرة وحتّى الأرباح.
وفيما تعلق بإنشاء بنك بريدي أشار خفاش أنّ هذا التفكير في محلّه لأنه يسمح باستغلال انتشار الشبكة المالية لمؤسسة البريد عبر القطر الوطني وحتى في الأماكن النائية، خاصة مع تطور الآليات والأدوات الالكترونية، ونفس الأمر بالنسبة لزبائنه خاصة بالنسبة للخواص، ما يسمح بإخراج هذه المؤسسة من الطابع الخدماتي إلى التوجه الاقتصادي والاستفادة من تحويلاتها المالية ووفرة السيولة.