تستقطب الدبلوماسية الجزائرية، اهتمام الدول والخبراء، وذهبت معظم التحليلات في اتجاه ما يطلق عليه «العودة القوية» أو «التحرك اللافت» في ملفات إقليمية وقارية. يأتي ذلك في وقت لم تتغير المرتكزات الرئيسة للسياسة الخارجية للبلاد، بينما برزت «الواقعية» كمحدد جديد ولافت.
لكونها الأداة الفعلية لتنفيذ السياسة الخارجية التي يحددها رئيس الجمهورية، لا يمكن للدبلوماسية إلا أن تظهر فعلا وقولا، طموحات البلاد في مرحلة من المراحل وموقعها من الأحداث والأوضاع السائدة في محيطها الإقليمي.
في سياق دولي خاص، جنحت فيه أغلب البلدان إلى تبني دبلوماسية «البراغماتية» و»الربح والخسارة» من منطلق المصالح الوطنية الحصرية، قررت الجزائر التشبث بالمبادئ الأساسية لسياستها الخارجية.
وتأكد ذلك في مخطط عمل الحكومة، الذي نوقش وصودق عليه، في اجتماع مجلس الوزراء الاستثنائي، المنعقد الاثنين، برئاسة الرئيس تبون. إذ جاء المحور الرابع تحت عنوان: «من أجل سياسة خارجية نشطة واستباقية».
وتتجلى من خلال 03 مرتكزات، هي: «تحيين أهداف ومهام الدبلوماسية الجزائرية في ظل القيم والمبادئ الثابتة للسياسة الخارجية، مواصلة الدفاع عن سيادة الدول ودعم القضايا العادلة والمشروعة ووضع الدبلوماسية الاقتصادية في خدمة مخطط الإنعاش الاقتصادي 2020 /2024».
ووضع الرئيس تبون، الدبلوماسية النشيطة، على رأس أولوياته منذ توليه كرسي الرئاسة، من خلال إسماع صوت الجزائر وإبداء موقفها، مما يجري في الأزمات المحيطة بها، والتي تحمل تحديات مرتبطة بشكل وثيق بأمنها القومي وعلى رأسها الأزمتين الليبية والمالية.
وأبلغت الجزائر المدعوين الرئيسيين الى هذا المؤتمر، أنه لا يمكن أن يجرى «دون ليبيا ودون الدول الإفريقية»، وتساءلت عما إذا كانت هذه الدول القوية بصدد تكرار مؤتمر 1884 الذي قسم إفريقيا على الاستعمار الأوروبي.
والتقطت دول العالم، هذا التوجه سريعا، فمن دولة غير معنية إلى مؤتمر برلين حول ليبيا السنة الماضية إلى عضو مشارك وموقع على إعلانه الذي تضمن إشادة بدورها كبلد جار ومحوري في المنطقة.
ولا شك أن «تحيين أهداف الدبلوماسية الجزائرية»، قد انطلق منذ 19 ديسمبر 2019، باستعادة النفوذ الإفريقي، وقد انطلق العمل على هذه الجبهة بشكل مكثف ولافت، حيث قام وزير الخارجية السابق، صبري بوقدوم، بجولة إفريقية شملت أزيد من 10 دول في أقل من أسبوع مطلع العام الجاري.
كما يصّب «التحيين» في تكييف الأداء الدبلوماسي، مع التهديدات المعلنة وعالية الخطورة، ضد البلاد، والتشديد على الدبلوماسية «الاستباقية»، يعني استشراف كافة الأخطار ومنابع الضربات المحتملة، وقد أبرز وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، هذا البعد، أثناء مراسم تنصيبه في 08 جويلية الماضي.
وأكد لعمامرة على: «ضرورة المضي قدما في طريق تعزيز الدور الدبلوماسي الجزائري، سواء ما تعلق بوساطة لتسوية النزاعات بالطرق السلمية، أو مواجهة المخططات التي تستهدف البلاد».
محدد قوّي
وبالتزامن مع التشبث بمبادئ الدفاع عن سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ودعم القضايا العادلة، فعّلت الجزائر، محددا قويا في سياستها الخارجية، والمتمثل في «إعلاء المصالح الوطنية» والاستناد عليه في قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، بعد سنوات من الصبر والاحتكام لصوت العقل والضمير.
وبرز عامل «الواقعية» بشكل لافت في آداء الدبلوماسية الجزائرية، حيث أن ما تبذله في المرحلة الحالية على الصعيد الإقليمي أو القاري، لا يستند على مرجعية القناعات بقدر ما ينبع من دوافع قوية أقنعت كثير من الشركاء، ومثال ذلك مسعى سحب صفة العضو المراقب في الاتحاد الإفريقي، عن الكيان الصهيوني.
وفي السياق قال لعمامرة بأن «الجزائر تأخذ علما بأن أزيد من 40 دولة إفريقية تقيم علاقات متفاوتة مع الكيان الصهيوني، لكن الاتحاد الإفريقي يحتكم إلى مبادئ تأسيسية داعمة للقضية الفلسطينية والقضايا العادلة، واتخاذ قرارات مماثلة لا تحظى بالإجماع قد تؤدي إلى تقسيم الهيئة ومواقفها في المحافل الدولية وستكون حينها سابقة تخلف أضرارا بليغة».
وفي اجتماع مجموعة دول جوار ليبيا، الذي احتضنته الجزائر (30 و31 أوت) وأفضى إلى توافق غير مسبوق بشأن آفاق الحل، لم يخف الوزير لعمامرة، «أن منطلق مساعي دعم ليبيا، نابعة من كونها تعاني صعوبات وعراقيل أمنية وقانونية، تحتاج مساعدة كثيفة ومساندة دائمة للشعب الليبي».
وربط نجاح القمة العربية المرتقبة، وحتى اجتماع دول الجوار، بنجاح تنظيم الانتخابات المقبلة في ليبيا، بما يعني أن التجسيد الميداني للمجهود الدبلوماسي، وحده من يرسم عوامل النجاح والفشل.