تعيش ورقلة على وقع احتجاجات متفرقة لطالبي الشغل عبر أحياء الولاية في الفترة الأخيرة، حيث يطغى مشكل التشغيل على كل الملفات والمطالب الاجتماعية الأخرى، فالوقفات السلمية تنظم بشكل شبه يومي أمام مقر الولاية وعبر وجهات أخرى وسط المدينة وضواحيها كما أن كل المطالب تجمع على تمكين الشباب من حقهم في الشغل عبر الشركات البترولية الناشطة في تراب الولاية ومحاسبة المتورطين في عرقلة سير هذا الملف والذي طال أمده دون أن يجد طريقا للحل بالشفافية المطلوبة، رغم النداءات المتكررة والتقارير المرفوعة المطالبة بالتدخل وإيجاد حلول مجدية.
تتفق آراء الشباب البطال ومختلف ممثلي الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن الحق في العمل على أن مشكل الشغل بورقلة، يرتبط بجهات ذات صلة مباشرة وأخرى غير مباشرة بتسيير هذا الملف، مساهمة بشكل كبير في تكريس الفساد المسجل في طريقة معالجة عروض العمل على مدى سنوات طويلة.
تعقيدات تستدعي حلولا جوارية
وفي هذا السياق يؤكد الأمين الولائي للجمعية الوطنية للدفاع عن حق وترقية الشغل مبروك بن حنيش، بأن مشكل التشغيل، يرتبط أساسا بوجود ما سماه بـ»عصابة متداخلة الأطراف ومتحكمة في هذا الملف والتي تعد السبب وراء استمرار هذا المشكل دون حل طيلة هذه السنوات، حيث أن الاحتجاجات على الشغل بدأت في ورقلة منذ سنة 2004 ولكنها ونتيجة الحلول الترقيعية التي لم ترق لإنهاء هذا المشكل، ظلت مستمرة بشكل متقطع ومتواصل أحياناً وإلى يومنا هذا وخاصة في الشهور الأخيرة، أين ازدادت بشكل كبير وفي كل بلديات الولاية تقريباً وتطورت هذه الاحتجاجات إلى مناوشات وغلق للطرقات وفي أحيان كثيرة أدت إلى غلق كل منافذ الولاية مما شكل أزمة بنزين ونقصا في التمويل ببعض المواد الأساسية».
لكن هذه الاحتجاجات لم تصل لأية نتيجة تذكر، في نظر المتتبعين لهذا الملف، حيث لم تحظ مطالب الشباب البطال باستجابة من السلطات المركزية، بالرغم من النداءات المتكررة المطالبة بالتدخل وإيجاد حل جذري لهذه المعضلة، نظرا لتعقيد هذا الملف وتداخل أطراف متورطة في عرقلة سيره بالشفافية المطلوبة أو حتى فتح تحقيق معمق حول الجهات التي كانت السبب في استمرار الوضع على ما هو عليه طيلة هذه السنوات وفي كل هذه الاحتجاجات المتكررة، كما ذكر محدثنا.
ويكمن الخلل -حسبما قال- في ولاية تنشط على ترابها ما يقارب ألفي مؤسسة بين وطنية وأجنبية وخاصة ويشكو شبابها البطالة بسبب التلاعب بمناصب العمل، حيث لا يتحصل أبناء ورقلة من الشباب البطال حتى على نسبة 10 بالمائة من مناصب الشغل في هذه الشركات العاملة بالجهة وهو ما يعني أن أولوية التوظيف لأبناء المنطقة لا وجود لها على أرض الواقع.
عديد التقارير التي راسلت عبرها الجمعيات المختصة في متابعة ملف الشغل الجهات المسؤولة محليا ومركزيا، تجمع على أن ما يطالب به الشباب البطال هو فتح تحقيق معمق ومحاسبة المتورطين في الفساد المسجل في ملف التشغيل وتوفير عدد هام من مناصب الشغل لامتصاص البطالة وضرورة إيفاد لجنة تحقيق بصلاحيات واسعة للتحقيق مع الجهات المتورطة في هذا الملف بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة لسوق الشغل بورقلة.
كما يعتبر غياب الشفافية في طريقة معالجة عروض العمل وعدم الاعتماد على نظام الوسيط في هذه العملية واحدا من بين الانشغالات الكثيرة التي يطرحها طالبو العمل بالإضافة إلى تأخر واضح في إعداد كشوف العمل والمصادقة عليها وعدم إرسالها في آجالها المحددة وتماطل المؤسسات الاقتصادية في تحديد أيام الفحص والإعلان عن قوائم الناجحين وكذا المدة الزمنية الطويلة لإجراءات التوظيف، ناهيك عن طرق التوظيف الملتوية التي تنتهجها بعض الشركات دون المرور على مكاتب التشغيل بالإضافة إلى التجاوزات التي تتم عبر المؤسسات النفطية والمتعلقة بالتوظيف المباشر والتي لا تلقى الردع المناسب، بسبب تواطؤ جهات ذات صلة بشكل مباشر أو غير مباشر بتسيير ملف الشغل محليا.
تنسيقية لحاملي الشهادات الجامعية
الشروط التعجيزية المفروضة من طرف بعض المؤسسات أيضا والمتعلقة بالسن والمستوى والخبرة والتي كانت سببا في إقصاء عدد كبير من الشباب البطال وحالت دون تمكينهم من حقهم في العمل، رغم أنهم من حاملي الشهادة الجامعية في الاختصاص المطلوب ورغم توفر شرط الخبرة المهنية لدى البعض.
وبهذا الصدد شكل عدد من الشباب طالبي الشغل عبر الولاية، تنسيقية لحاملي الشهادات الجامعية بولاية ورقلة للدفاع عن حق حاملي الشهادات الجامعية في العمل والتوظيف في الشركات الناشطة على تراب الولاية، حيث تنشط التنسيقية في تنظيم وقفات سلمية والتشاور مع الجهات المعنية لنقل انشغالاتها وللمطالبة بحق هذه الفئة في العمل كما قدمت عدة اقتراحات لإيجاد الحلول الممكنة لهذا المشكل.
ومن بين الاقتراحات التي قدمت عن طريق التنسيقية، إلزام الشركات الناشطة على مستوى تراب الولاية بالتوظيف عن طريق مكتب التشغيل فقط واستحداث بطاقة إقامة خاصة بملف التشغيل ممضية من طرف رئيس البلدية وربط نظام الوسيط بصندوق الضمان الاجتماعي، تحيين نظام الوسيط الحالي، إحصاء الإطارات البطالة وكذلك متابعة ومرافقة الإطار في عملية التشغيل.
وكذا تشكيل لجنة متابعة العروض الخاصة بالإطارات في جميع بلديات ورقلة وهيئة رقابية تراقب الفحص المهني على مستوى المؤسسات والشركات لضمان المصداقية والشفافية إلى أن يتم العقد بين الناجح والمؤسسة المعنية لتفادي التلاعبات، الإعلان عن النتائج بعد الفحص المهني للناجحين وغير الناجحين.
اقتراحات معلنة وحلول مرتقبة
ومن جانبه اعتبر الوالي بوبكر الصديق بوستة أن ملف الشغل مطروح على مستوى ولاية على غرار كل الولايات وبدرجة أكثر حدة في ورقلة، مؤكدا أن هذا الملف في حاجة لبعض الوقت وأن الحكومة عازمة على حل هذا الإشكال في أقرب الآجال. وذكر أنه وفي إطار متابعة تطورات الملف، استقبل شبابا من عدة أحياء، فقد قدم عدة اقتراحات بناء على مطالب الشباب من طالبي الشغل، من أجل تحقيق شفافية أكبر في تسيير ملف الشغل.
وأشار في تصريح للصحافة أن المهم اليوم هو إيجاد الحلول الممكنة والتي من شأنها الاستجابة للانشغالات المطروحة في هذا الملف، مضيفا في سياق متصل أن العديد من الاقتراحات قدمت بهذا الخصوص وأبرزها ضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة للعمل عبر هذه المؤسسات الاقتصادية والشروط التعجيزية لبعض الشركات، حيث تم اقتراح تشكيل لجنة ولائية لدراسة شروط عرض العمل وإذا ما كانت مناسبة أو غير معقولة بالنظر إلى طبيعة المنصب.
وشملت هذه الاقتراحات أيضا، رفع السن لتمكين الأشخاص الذين يتجاوز سنهم 35 سنة المشاركة في العروض وأن أي عملية توظيف لأشخاص دون المرور عبر الوكالة الولائية للتشغيل يتم بناء عليها إحالة المتورطين على المتابعة القضائية بما فيهم مدير المؤسسة وعدم الاكتفاء بعقوبة فرض غرامة مالية.
وبالإضافة إلى ذلك اقترح أن تتم عملية التسجيلات في العروض وتحديد مكان المقابلة والتوقيت والنتائج عبر منصات رقمية لتعزيز الشفافية وأن يتم تقديم العروض في آجال لا تتجاوز 15 يوما لإجراء الفحص المهني والذي يجب أن يعلن عن نتائجه مباشرة في نفس الاجل (أسبوعان) ودون تجاوز هذه المدة أيضا لالتحاق الناجحين بمناصبهم وبعدها العودة إلى وكالة الولاية في ظرف لا يتجاوز 15 يوما لإعلامها بأسماء الناجحين وبقرارات تعيينهم في مناصبهم على أن تتعرض المؤسسة إلى المحاسبة في حال عدم تطبيق هذه الإجراءات.
كما اقترح زيادة عدد الملحقات التابعة للوكالة الولائية للتشغيل وأن يتم اختيار العمال عن طريق القرعة في بعض مناصب الشغل التي لا تتطلب شهادة والتي يعد الطلب عليها كبيرا في ذات الوقت.