لم تعرف لها الجزائر مثيلا

كرونـولـوجيـا حرائـق ومـؤامـرة غــير مسبوقـة

هيام لعيون

لم يستفق الجزائريون بعد من الصدمة، بعد مرور أسبوعين عن هول ما شاهدوه من اشتعال حرائق مدمرة ومهولة عبر 18 ولاية لم تعرف الجزائر مثيلا لها من قبل، شغلت الرأي العام الوطني والعالمي على حدّ سواء،  وكانت الأكثر ضخامة تلك التي مسّت غابات ولاية تيزي وزو، ليس هذا فقط، بل ما صاحب الأمر من حادث مروّع يتعلق بالطريقة الوحشية في اغتيال وحرق جثة الشاب المغدور جمال بن سماعيل، بسبب اتهامه زورا بالمشاركة في إشعال الحرائق.
هذه القضية خلفت أثارا نفسية كبيرة لدى الجزائريين الذين صدموا من هول مشاهد حرق وسحل والتنكيل بالجثة، وازدادت المخاوف من انفلات الأمور بعد الحادث إلى ما لا يحمد عقباه، غير أن تلاحم الجزائريين ووحدتهم، وفطنتهم، أحبطت مخططات المخزن الذي استعمل يد «الماك» الإرهابية بمباركة صهيونية لاستهداف الجزائر.

لهيب. و صرخة جندي

 مساء ذات الإثنين، بدأت الأخبار المتواترة تصل، عبر منصات التواصل الاجتماعي مرفوقة بفيديوهات وصور توثق احتراق الغابات في إطار سلسلة حرائق ضربت البلاد منذ فترة، حيث سبقتها حرائق ولاية خنشلة شهر جويلية المنصرم، وعاش الجزائريون قاطبة بكل جوارحهم مأساة الحرائق مع إخوانهم المتضررين، وانطلقت نداءات الإستغاثة من كل مكان، فكانت صرخة الجندي وهو محاصر بالنيران رفقة زملائه يطلب مدّ يد العون، في مشهد اقشعرت له الأبدان، بمثابة الصاعقة التي وقعت على رؤوس الجزائريين، وحركت النفوس وعرفنا  بعدها أن الحدث كان مهولا وخطيرا وجللا أيضا. ونشرت السلطات المعنية المزيد من الجنود في أماكن اشتعال الذهب الأخضر، للمشاركة في إطفاء الحرائق والمساعدة، كما شارك المواطنون في إطفاء الحرائق، لكن قوة النيران كانت كبيرة، ولم يتمكن كثير من المواطنين في إنقاذ منازلهم التي التهمتها النيران.، والتي خلفت ضحايا مدنيين.
الصدمة تحولت إلى صدمتين بعدما نعى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون شهداء الجيش الوطني الشعبي الّذين استُشهدوا خلال إخماد الحرائق وإجلاء سكان المنطقة التي اجتاحتها نيرانها.
وقال الرئيس، في تغريدة عبر «تويتر»، «ببالغ الحزن والأسى، بلغني نبأ استشهاد 28 فرداً من أفراد الجيش الوطني الشعبي، بعد أن نجحوا في إنقاذ أكثر من 100 مواطن من النيران الملتهبة، في جبال بجاية وتيزي وزو». وأضاف «أمام هذا الخَطْب الجلل، ننحني بخشوع أمام أرواح أبناء الوطن البررة». وأعلنت وزارة الدفاع الوطني في بياناتها أنه عمل إجرامي. قبل أن يرتفع العدد إلى 69 ضحية بين مدنيين وجنود.

 تضامن وتكافل قبل الفاجعة

في خضّم ذلك انطلقت قوافل التضامن بين الجزائريين، وتكثفت عمليات التضامن مع ضحايا الحرائق، حيث تجندت الحكومة والمجتمع المدني والمواطنون بصفة فردية وجماعية بعدة ولايات، من أجل تقديم المساعدات ويد العون للأسر المتضررة من الحرائق التي اندلعت في عدة مناطق من الوطن.
وانطلقت تقريبا من جميع نواحي الوطن قوافل المساعدة، بل أن كثيرا من المواطنين هبوا لمساندة إخوانهم وإطفاء الحرائق المشتعلة، وتنقلوا من ولايات عديدة إلى تيزي وزو الولاية الأكثر تضررا، ووصلت سريعا المساعدات من المواد الغذائية والمعدات الطبية لفائدة العائلات المتضررة، من تنظيم جمعيات ومنخرطين في المجتمع المدني ومن قبل وزارة التضامن الوطني والأسرة والهلال الأحمر الجزائري. وأعلن الرئيس تبون الحداد لثلاثة أيام حزنا على أرواح الضحايا العسكريين والمدنيين الذين سقطوا في ساحة الحرائق.

 القلوب تبلغ الحناجر في مأساة «جيمي»

فجأة وبعد يوم من اندلاع الحرائق بدأت فيديوهات تظهر على المنصات الإفتراضية تتحدث عن اعتقال شخص حمّلوه وزر اندلاع حرائق الغابات في ولاية تيزي وزو، وانتشرت معه صور ضرب وسحل وحرق ثم التنكيل بجثة الشاب المتهم بإشعال النيران بمنطقة الأربعاء نايث إيراثن بولاية تيزي وزو، وباتت الصدمة صدمتين حين عرف أن الشاب جمال بن إسماعيل فنان جاء إلى المنطقة متطوعا للمساعدة في جهود إخماد الحرائق.
مباشرة بعدها ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمطالب بتوقيف المتسببين في مقتل «جيمي» وتقديمهم أمام العدالة، وتبين بعدها أن جمال بن سماعيل، ينحدر من مدينة مليانة ولاية عين الدفلى، وهو فنان موسيقي ورسام، كان يكتب الأغاني ويؤلف ويعزف على أكثر من آلة موسيقية، ويغني بصوت ليس عادي، حيث تم تداول مقطع فيديو له وهو يغني للجزائر ويقرأ القرآن.
وبلغت القلوب الحناجر خوفا على فتنة قد تنطلق شرارة نارها، لتحرق الجزائر قاطبة، غير أن تصريحات والد الضحية الذي رفض أن تستغل قضية ابنه لإشعال نار الفتنة وطالب بتطبيق القانون، وبردت معه الأعصاب قليلا خوفا على إحراق الجزائر بفتنة وقودها العصبية والعنصرية والجاهلية.
وأول ما بدأ به، والد الضحية هو الحديث عن وحدة الشعب الجزائري، وقال: «نحن جزائريون ليس بيننا أي فرق. القبايل إخوتنا وأحبابنا، عندنا أهل معهم، دمنا معهم، نحن لا نبحث عن التفرقة، نحن لا نبحث عما يخسر بيننا».
كلام قال عنه متابعون وناشطون أنه أنقذ الجزائريين من فتنة قاتلة وهم الذين امتزجت دماؤهم عبر قرون من الزمن، وانتشر معه وسم «العدالة لجمال بن سماعيل» بشكل واسع على صفحات الجزائريين في فيسبوك وعديد منصات التواصل الاجتماعي.
تحرك سريع..
في هذه الأثناء طالب جميع الجزائريين من مختلف انتماءاتهم بالتحقيق العاجل ومتابعة الفاعلين ومعاقبتهم بصرامة، وفي أقرب وقت ممكن، خاصة أنّ أفعال المتورطين في الجريمة موثقة بجميع أطوارها، بالصوت والصورة، في مقاطع فيديو بثت على المباشر وتم تداولها، منذ وقوع الحادثة، فيما انتشر وسم «لا للفتنة»،  عبر منصات التواصل الإجتماعي، لتبقى قصة جيمي» في المشهد وستكشف خيوطها التحقيقات المتواصلة.
ولهذا سارعت المديرية العامة للأمن الوطني، بتسخير قوتها العمومية، من أجل إلقاء القبض على المتورطين في الجريمة، وتم عرض شهادات حية عبر شاشات التلفزيون وهم يسردون الوقائع، متحججين بحجج واهية في محاولة لإنقاذ أنفسهم، بعدما عاثوا فسادا، وشرعت الجهات المختصة في التحقيق المعمق، قصد إطلاع الرأي العام حول خلفيات القضية.
أخبار كاذبة
 في كل محنة تنتشر الأخبار الكاذبة، حيث انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة فيسبوك، وظهرت امرأة  تبكي تَدّعي أنها أم المغدور جمال بن سماعيل، وأخرى أخته، وهو ما نفاه والد الضحية «جيمي» وتبين من خلال ذلك أن الحاقدين على الجزائر في الداخل والخونة أكثر من الخارج،  حيث روّجوا لصور وفيديوهات مُفبركة ومدروسة بعناية في مخابر «عدوة»»، من أجل زرع البلبلة وزيادة الاحتقان وإحداث الانقسام بين أفراد الشعب الواحد.
 الفيسبوك والخطر القادم من المغرب
وسارعت وزارة الاتصال في خضم هذه الأحداث إلى إصدار بيان تحذيري من مغبة السطو» على سيادتها انطلاقا من الفضاء الأزرق وشددت على عزم الجزائر « بالذود عن سيادتها الرقمية الوطنية وحماية شعبها من كل الخطط والنشاطات الهدامة


التي تنطوي عليها مضامين يتم تداولها مؤخرا على موقع فيسبوك».
وقالت الوزارة في بيان لها صدر، الخميس الماضي، على أنّ «ما يتم تداوله، في الأيام الأخيرة، من مضامين على موقع فيسبوك يعد مساسا وتهديدا لمصالح الجزائر وسمعتها»، مؤكدة أن الدولة» عازمة على اتخاذ كافة التدابير والإجراءات القانونية ضد هذه الشركة لحملها على معاملة الجزائر على قدم المساواة مع الدول الأخرى».
وأوضحت الوزارة أن موقع الفيسبوك «يعتمد، كما هو معلوم بالتجربة ووفق التصريحات الرسمية لمالكيه، على لوغاريتمات تتحكم في مدى انتشار المضامين»، الأمر الذي يجعل منه «سلاحا يوجه ضد الشعوب والدول تبعا لمصالح اللوبيات المعادية ومن والاها».
وبعد أن تساءلت عن كيفية «تفسير سماح هذا الموقع بتفشي صور عنيفة وفظيعة تمس بالكرامة الإنسانية وتعارض القيم الأخلاقية العالمية»، أكدت الوزارة على أنه «لا يوجد مبرر لحرمان شعبنا من حقوقه الرقمية».
وأكدت إن «الدولة الجزائرية عازمة على الدفاع عن تلك الحقوق والسيادة الوطنية»، كما أن «الحكومة، ومع وعيها بأهمية التواصل والاستفادة من التكنولوجيات، عازمة على الذود عن السيادة الرقمية الوطنية وحماية مصالح شعبها من كل الخطط والنشاطات الهدامة».
ولاحظ مختصون من خلال بيان وزارة الاتصال أنّ أطرافا خارجية لها صلة بالجارة المغرب تريد «التخلاط» في الجزائر بأياد صهيونية وهي التي فتحت مؤخرا ممثلية دبلوماسية لها بالرباط.
مخاوف كرسها تصريح  وزير خارجية الكيان الصهيوني، عندما عبر عن» قلق بلاده من التقارب بين إيران والجزائر»، وجاء هذا الهجوم بعد دور الجزائر الكبير في «شنّ حملة ضد قبول هذا الكيان الغاصب في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب.
وجاءت هذه الزيارة لتضحد معها مزاعم المخزن المغربي الذي دعا مؤخرا للمصالحة مع الجزائر، حيث سرعان ما ظهر زيفها بعد استقباله لوزير الكيان المغتصب في مسعى لتسريع توطيد العلاقات، وما يؤكد فرضية المؤامرة القادمة من الغرب، هو كشف مصالح الأمن، أمس، اعتقال شخص متورط في وقائع تيزي وزو هاربا إلى المغرب.
مباشرة بعد تلك الأحداث عقد المجلس الأعلى للأمن اجتماعا استثنائيا، خصّص للأحداث الأليمة الأخيرة والأعمال العدائية المتواصلة من طرف المغرب وحليفه الكيان الصهيوني ضد الجزائر، تقرر بموجبه استئصال آفتي «الماك» و»رشاد» وملاحقة عناصرهما، والمتورطين في قضية الراحل الشاب جمال بن سماعيل، لحماية الوحدة الوطنية، خاصة حركة «الماك» التي ثبت أنها تتلقى الدعم من دول أجنبية ومنها المخزن والكيان الصهيوني، وتقرر أيضا بموجب ذلك إعادة العلاقات مع «جار السوء» المغرب.
قطع العلاقات مع المخزن
وظل الترقب هو السائد، حول كيفية معاقبة الجزائر لنظام المخزن، إلى حين انعقاد الندوة الصحفية لوزير الخارجية رمطان لعمامرة، الثلاثاء الماضي، وإعلانه عن قرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، قرار اتّخذ بناء على معطيات سردها الوزير بإسهاب، معطيات أبانت عن سوء نية الجار، منذ سنوات ماضية، والجزائر تتعامل معه بحكمة وصبر، في إطار احترام علاقات الأخوة، لكن بعد أن ثبت أنه لم يحدث، منذ سنة 1948، أن تهجم مسؤول صهيوني على دولة عربية من دولة عربية، ضف إلى استقبال وتمويل وتشجيع وتبني خطاب من يدعون إلى انفصال جزء من الجزائر، فضلا عن شن النظام المخزني حرب معلومات ضد الجزائر، متبوعة بالتجسس باستخدام «برمجيات اسرائيلية»، خاتما الأمر باستقبال وزير خارجية الكيان الصهوني وتهجمه على أرض الشهداء من هناك والسماح له بتهديد الجزائر.
بعد كل هذه الخرجات الإستفزازية المغربية التي ضربت أواصر الأخوة والعلاقات الطيبة بين الشعبين في الصميم، ماذا ينتظر من جار كهذا، سوى قطع العلاقات الدبلوماسية، واحترام العلاقات الإنسانية بين الشعبين الشقيقين.
من يقترب... سيدفع الثمن
وإلى أن تظهر الحقائق كاملة التي ستكشفها الأجهزة المختصة، مستقبلا، فإن الجزائريين يواجهون الدسائس والمؤامرات من طرف منظمات إرهابية، قال عنها الرئيس تبون خلال خطابه الذي ألقاه، خلال الأيام القليلة الماضية، أنها ضليعة بما يحدث في الجزائر، فالواجب اليوم ومهما كانت نتائج التحقيق اجتثاث آفة الإرهاب من الجذور وتطهير منطقة القبائل من المتطرفين، لتجفيف منابع الإرهاب الذي لا يعرف إلا لغة القوة، وهذا حماية للجزائر والمحافظة على الوحدة الوطنية التي قال الرئيس بشأنها أنّ «من يريد المساس بها سيدفع الثمن».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024