خطاب المسجد وصحوة الضّمير

آخر وسائل المنظومة الدّفاعية

بومرداس: ز / كمال

جلس جميع المصلين وهم يستمعون بانتباه شديد لموعظة إمام أحد مساجد بومرداس وهو يلقي خطبة الجمعة حول موضوع حفظ النفس البشرية بلغة بسيطة ومباشرة بعيدة عن التهويل والوعيد، وكلمات ميسّرة وعميقة مست العقل وحركت الضمير الغارق في غيبوبته، مذكّرا إياهم بواجب حماية النفس الإنسانية وعدم الأخذ بها إلى التهلكة، في إشارة إلى تداعيات أزمة كورونا وواجب اخذ الأسباب لرفع الداء والبلاء، وعدم المغامرة يوم العيد بالمصافحة وتقليل الزيارات العائلية.   
 
قال الإمام مخاطبا المصلين «من كان منكم  يعاني من أعراض الحمى، ارتفاع الحرارة، التعب الشديد فليصلي صلاة العيد في بيته حتى يحمي نفسه ولا يؤذي الآخرين، وله الأجر كاملا كمن صلى في المسجد لأنها ليست فرضا، وحفظ النفس الكريمة تأتي في المرتبة الأولى»، وأضاف «لقد فرض علينا الوضع الصحي تقليل التجمعات والزيارات، خاصة بالنسبة لكبار السن حتى نحمي أنفسنا وعائلاتنا من هذا الوباء المتفشي والمعدي».
هي كلمات بسيطة لكنها عميقة ومؤثرة فعلا بنظر المصلين الذين تحسّسوا جانبهم وانتبهوا لحجم الخطر الداهم، والخوف من أن يكون أحدهم سببا في مرض أخيه أو جاره وحتى في وفاته مثلما أكّد عليه إمام المسجد، خاصة ونحن على أبواب مناسبة دينية واجتماعية هامة هي عيد الاضحى المبارك، حيث يزداد فيها التقارب والاحتكاك العائلي من باب تأدية واجب الزيارة، وهنا يظهر دور هذا الخطاب المسجدي في التوعية والتحسيس، وتعبئة الضمائر الحية لمواجهة الداء بعيدا عن اللغة المصطنعة التي تبنتها وسائل الإعلام وشعارات حملات التحسيس المؤسساتية التي لم تعد تثير انتباه المواطن.        
ولم يبق من وسائل الإقناع على ضوء هذه الظروف التي يعيشها المواطن وظاهرة اللامبالاة في الأسواق، الشوارع، وسائل النقل، إلا مثل هذا الخطاب الديني والأخلاقي المباشر الذي يجعل كل شخص يحمل ضميرا حيا ينتابه لسلوكه وتحسيسه بتحمل وزر أفعاله بقصد أو غير قصد، فلا حملات التحسيس الباهتة لمديرية الصحة والحماية المدنية وحتى فعاليات المجتمع المدني أصبحت تنفع أمام حالة التسيب المجتمعي، نتيجة ضعف آليات التأثير وتعقد لغة الخطاب العلمي في مواجهة عامة الناس بفكرهم البسيط.
وكما بدأت وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بكل قنواتها تدرك أنّ خطابها أصبح مستنزفا ومشكوكا في أهدافه وقدرته على التعبئة، وهو ما نلحظه من تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تشكك في حملات التوعية ونجاعة التلقيح، وحتى التشكيك في وجود المرض من قبل بعض الأطراف، ما يستدعي إعادة النظر في الرسائل المسوقة بالابتعاد عن ظاهرة التهويل التي قد تأتي بنتائج عكسية وتأويلات كثيرة، نحو تبني خطاب عقلاني يمس العقل والوجدان مثل خطاب المسجد، والاتصال المباشر بين الجماعات والأفراد الذي يبقى أكثر نشاطا وثقة بين المواطنين، وبالتالي أكثر فعالية وإقناعا في حالة التحسيس والتوعية بخطورة الوباء، وضرورة التقيد بالتدابير الصحية بدء من الدائرة الضيقة متمثلة في العائلة إلى المحيط العام والمجتمع.   

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024