يمرّ على استقلال الجزائر، اليوم الأثنين الموافق لـ5 جويلية 2021، 59 عاما... هي سنوات كانت مليئة بالتحديات والرّهانات في مختلف المجالات، خاصة ما تعلق بتطوير المدرسة والجامعة، وكل ما ارتبط بقطاع التعليم والبحث العلمي، الذي لا يزال في إطار التطور من خلال إدخال إصلاحات تتماشى والعصرنة، واللحاق بالركب العالمي، وهذا بتسخير كل البنايات التعليمية ومدرّجاتها ومخابرها في خدمة اقتصاد البلاد، وكسب رهان الحفاظ على خريجيها من كوادر وإطارات من خيرة أبناء الجزائر لخدمة وطنهم والمساهمة في ازدهاره.
غداة استرجاع سيادتها الوطنية سنة 1962، لم ترث الجزائر منظومة تعليمية تواجه بها تحدي بناء الدولة الحديثة، بل ورثت مخلفات استعمار فرنسي حاول خلال أكثر من عقد تدمير الهوية الجزائرية وطمسها عن طريق التعليم، الذي عرف خلال سنوات الاحتلال محاولة محو آثار الثقافة الجزائرية، بتسخير مدرسين فرنسيين لتعليم الجزائريين لغة المستعمر، خاصة «للباشاوات» و»الأغاوات» وأبناء الحركى والقاطنين في المدن.
بينما اتّخذ السواد الأعظم من الشعب، المدارس القرآنية والزوايا لحفظ القرآن وتعلم اللغة العربية، الذي كان منتشرا في الأرياف وبعض المدن وبدرجة واسعة في مناطق الجنوب، وهذا بدعم من الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وضع المحتل الفرنسي أهدافا أساسية للسياسة التعليمية في الجزائر، تتمثل في القضاء على الشخصية الوطنية الجزائرية بكل أبعادها ومقوماتها الأساسية تمهيدا لدمجها في المجتمع الفرنسي بعدة أساليب وهي الفرنسة والتنصير، حيث أغلقت المدارس وتم محاربة التعليم العربي بكل أشكاله وصودرت الأوقاف الإسلامية التي كانت تنفق على التعليم، وحولت الزوايا إلى ثكنات عسكرية.
في المقابل، سنت قوانين تمنع فتح المدارس التعليمية إلا بعد طلب رخصة من سلطات المحتل، وتم التضييق على المعلمين الجزائريين ودفعهم للهجرة.
باختصار، هذا حال التعليم إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي حاول منذ دخوله الأرض الطاهرة، تدمير كل موروث ثقافي جزائري، حارب العلماء حتى تخلو له الساحة وتحقيق مبتغاه الأول وهو تدمير الأجيال القادمة.
كل المخلفات الفرنسية كان لها الأثر الكبير على قطاع التعليم الذي يعتبر العمود الفقري والتحدي الأكبر للمسؤولين الجزائريين في فترة ما بعد الإستقلال، حيث كانت نسبة الأمية في الجزائر عند دخول المحتل الفرنسي 5 بالمائة فقط،، لكن وبعد قرن من الإحتلال أصبحت نسبة الأميين في الجزائر 92.2% بين من تتراوح أعمارهم من 5 إلى 18 سنة و90%بين من تجاوزت أعمارهم 80 عاما.
الإستقلال...
صبيحة الإستقلال غادر معظم المعلمين الفرنسيين، ولم يبق سوى عشرات المعلمين الجزائريين قدر عددهم 2602 معلم، إضافة إلى نحو ألف معلم من أصل فرنسي، بينما كان يحتاج أول دخول مدرسي، بحسب التقديرات الرسمية، نحو 20 ألف معلم على أقل تقدير، إذ ما تبقى من مدرسين كان لا يكفي حتى لتغطية المرحلة الإبتدائية والإكمالية.
ونظرا للظروف التي مرت بها الجزائر، لم تتح الفرصة للمعلمين أن يتلقوا تكوينا جيدا، فهم لا يملكون المستوى المطلوب للدراسة، أغلبهم لا يملك شهادة عليا كالليسانس باللغة العربية، ولا يحسنون التعليم بها لأن المستعمر طمسها. لذلك لجأت الجزائر خلال سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إلى استقدام أساتذة من المشرق العربي، على غرار المصريين والفلسطينيين والسوريين الذين تكفلوا بتعميم اللغة العربية بالبلاد.
الجزأرة...
وضعت الجزائر نصوصا ومواثيق أساسية في الدستور كمرجعية تستمد منها الإصلاحات الجذرية التي شملت مختلف الأطوار التعليمية، وما يدعم هذه السياسة هو صدور النصوص التشريعية التي وضعت المعالم والأسس القانونية لتنظيم التعليم في الجزائر.
وقد مرت المنظومة التعليمية في الجزائر بعد الاستقلال بمحطات رئيسية هامة، أولها مرحلة التأسيس واستعادة الهوية (1962 إلى 1970): حيث نصبت أول لجنة وطنية لإصلاح التعليم في الجزائر. بعدها جاءت المرحلة التي تأسست فيها المنظومة التعليمية (1970 إلى 1980): وكان من أولوياتها تعريب التعليم وجزأرته (جعله جزائرياً من حيث المنهج وكذلك من حيث المعلمون والإطارات المشرفة عليه).
بالإضافة إلى توحيد التعليم من حيث المناهج والإمتحانات والإشراف الحصري للدولة الجزائرية عليه، وتلتها مرحلة إصلاحات الجانب الهيكلي للمنظومة التعليمية، واستكمال مسيرة التعريب.
التعليم من سنة (1980 إلى 2000) وفيها تم تنصيب لجنة إصلاح للتعليم الأساسي التي غيّرت المدرسة الأساسية من حيث محتواها وأعِدّت أوقات وبرامجُ ومناهج تدريس جديدة، كما تمّ تأليف كتب مدرسية ووسائل تعليمية جديدة.
بعدها برزت مرحلة الإنفتاح والخصخصة ابتداء من سنة 2000، وإصدار قانون التوجيه التربوي الوطني الذي يحدد مهمة المدرسة من حيث القيم؛ وتأكيد الشخصية الجزائرية وتوحيد الأمة، وتعزيز والحفاظ على القيم المتعلقة بالإسلام والعربية والأمازيغية، والتدريب على المواطنة والإنفتاح والإندماج في الحركة العالمية للتقدم.
وعرفت هذه المرحلة فتح الباب للقطاع الخاص للاستثمار في جانب التعليم في خطوة غير مسبوقة وصادمة للمجتمع الجزائري.
30 ألف مدرسة وأكثر من 9 ملايين تلميذ
بلغ إجمالي عدد المدارس في الجزائر، بما فيها المؤسسات التربوية الإبتدائية المتوسطة والثانوية، أكثر من 27 ألف مدرسة مختلفة، بحسب آخر إحصائيات الديوان الوطني الجزائري للإحصاء، التي كشفت أن المؤسسات المدرسية التابعة لوزارة التربية هي 27426 مؤسسة، منها 19308 مدرسة ابتدائية، و5630 متوسطة، و2488 مدرسة ثانوية.
وقد بلغ عدد التلاميذ المتمدرسين في مختلف الأطوار الدراسية أكثر من 9,2 ملايين تلميذ خلال نهاية السنة الدراسية (2018-2019)، وشكلت الإناث 49 بالمائة من هذا العدد، بحسب نفس المصدر.
ويوضح منشور الديوان، تطور أهم مؤشرات القطاع من خلال مختلف الأطوار التعليمية (التعليم التحضيري، الابتدائي، المتوسط والثانوي) والتأطير البيداغوجي، إلى جانب عدد المؤسسات المدرسية.
وتشير المؤشرات أن تلاميذ الصف الإبتدائي فاق عددهم 5 ملايين (5 ملايين و9 آلاف و230)، وهم يمثلون بذلك 54 بالمائة من العدد الإجمالي للتلاميذ المتمدرسين.
أما العدد الإجمالي للمعلمين في مختلف الأطوار التعليمية، فقد وصل إلى 478 ألف و985 خلال السنة الدراسية 2018-2019، مقابل 471 ألف و59 خلال السنة الدراسية 2017-2018، أي بزيادة تمثل 1,7 بالمائة.
وفيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية يحصي القطاع 26 ألفا و982 مؤسسة، من بينها 19 ألفا و037 مدرسة ابتدائية، 5 آلاف و512 متوسطة، وألفين (2) و433 ثانوية.
أما فيما يخص أهم مؤشرات القطاع بالنسبة لطور التعليم التحضيري خلال العام الدراسي 2018-2019، فتشير المعطيات إلى أن عدد التلاميذ بلغ 495 ألف و481، مقابل 512 ألف و68 خلال السنة الدراسية 2017-2018، أي بتراجع 3,23 بالمائة بما يعني انخفاضا بـ16 ألفا و587 تلميذ.
أما عن عدد المدرسين في نفس الطور، فقد بلغ 17 ألفا و791، مقابل 18 ألفا و30 تلميذا، أي في تناقص بنسبة 1,3 بالمائة ما يمثل 239 معلم.
ويبلغ عدد الأقسام المسخرة للتعليم التحضيري 16 ألفا و901 قسم، مقابل 17 ألفا و243 قسم خلال السنة الدراسية الماضية، أي بتناقص 2,02 بالمائة ما يمثل 342 قسم.
شبكة جامعية ضخمة... دمقرطة ومجانية
تضم الشبكة الجامعية الجزائرية مئة وثماني (108) مؤسسة للتعليم العالي، موزعة على كامل التراب الوطني، وتضم أربعا وخمسين (54) جامعة، تسعة (09) مراكز جامعية، تسع عشرة (19) مدرسة وطنية عليا وخمس عشرة (15) مدرسة عليا، إحدى عشرة (11) مدارس عليا للأساتذة.
وقد انتقلت الجزائر من جامعة واحدة ومدرستين بالجزائر العاصمة سنة 1962، إلى 106 مؤسسات جامعية سنة 2018، واليوم 108 جامعة حسب إحصائيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومن 2375 طالب جامعي في 1962 إلى 2 مليوني طالب اليوم، وقد انتقلنا من 3 طلبة لكل 10000 نسمة إلى حوالي 400 طالب لكل 10000 نسمة، وتفيد التوقعات أن الرقم سيرتفع ليصل 3,5 ملايين في آفاق 2030.
وجاء هذا الارتفاع، نتيجة سياسة دمقرطة ومجانية التعليم العالي، ومهمتها المكرسة في الخدمة العمومية. وقد شهد قطاع التعليم العالي نموا واسعا، سواء من حيث تطوير هياكل قاعدية جديدة أو زيادة التأطير وعدد الطلبة، من خلال استراتيجية تنموية حملتها أربعة برامج خماسية، وعرف عدد الأساتذة هو الآخر ارتفاعا بلغ 60000 أستاذ في 2017- 2018.
وفي مجال تطور الشبكة الجامعية الجزائرية، فإن القطاع انتقل إلى 108 مؤسسات جامعية منها خلال الفترة 2017- 2018، حيث يرتكز الإصلاح الجديد لهندسة التعليم العالي الجزائري، المستمد من النظام الأوروبي ليسانس - ماستر - دكتوراه، مرفقا بتحيين وتأهيل مختلف البرامج البيداغوجية، وإعادة تنظيم التسيير البيداغوجي والحكامة. علما أن 80% من الطلبة يستفيدون من المنح، ونحو 50% منهم يقطنون الأحياء الجامعية.
وتشير آخر الإحصاءات أنه خلال الفترة 1962 ـ 1963 كان هناك فقط 21,2% من الفتيات مسجلات في الجامعة، في حين بلغت سنة 2017 نسبتهن 62,5% من عدد الطلبة المسجلين، و65,6% من حاملي الشهادات، أما فيما يخص الدراسات التحضيرية لشهادة الدكتوراه، فإن الفتيات يمثلن نسبة 52,5% من عدد الطلبة.
اقتصاد المعرفة... التحدي الأكبر
واليوم تتجه الجامعة نحو اقتصاد المعرفة، حيث كان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد عبر عن قناعته بأن الجزائر تملك من «المقومات والقدرات» ما يمكنها من التموقع في مجال اقتصاد المعرفة، داعيا كافة مؤسسات الدولة إلى الإنخراط من الآن في مسعى التحول نحو هذا الإقتصاد، وتطوير أدوات وآليات تقييم ومتابعة المكتسبات في هذا المجال.
ولتحقيق اقتصاد المعرفة تعمل السلطات جاهدة على تحقيق شروط وضمانات، من خلال تكثيف التعليم في مجال الرقمنة والمعلومات، وهو ما تسعى جاهدة لتحقيقه، والذي سيساهم، بلا شك، في إثراء المادة المعرفية، بالإضافة إلى عملية الإبتكار والإبداع التي من شأنها إعطاء تجديد لروح المقاولة الشبانية، وهذا في انتظار إلغاء بعض القوانين والتشريعات المقيدة للحريات والحركية الإقتصادية.
العالمية...
مؤخرا يحاول المسؤولون في وطننا، الوصول إلى العالمية في التدريس بالجامعة باعتماد اللغة الإنجليزية، لغة التدريس عوض الفرنسية، حيث باشرت السلطات المعنية خطوات خلال سنة 2019 لتعميم اللغة الإنجليزية بتعيين اللجنة القطاعية لتعميم اللغة الإنجليزية.
وفي تقرير لاستطلاع رأي أجرته الوزارة خلال نفس السنة، أبان على مجموعة من الطلاب، إلى أن 94% منهم يفضلون استخدام اللغة الإنجليزية في الجامعات على اللغة الفرنسية.
وخلال شهر جوان 2021، وقعت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اتفاقية لتغيير طريقة تعلم اللغة الإنجليزية في الجامعات الجزائرية، بشراكة مع جامعة كولومبيا بنيويورك، على أن يتمكن تنفيذها على مدار 3 سنوات.
وتضمن هذه الإتفاقية الجديدة في نهاية المطاف، اكتساب جميع الخريجين والأساتذة والباحثين الجزائريين مهارات اللغة الإنجليزية التي يحتاجونها لتحقيق النجاح.
وقال غوتام رانا، القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة في الجزائر، خلال مراسم التوقيع، «إن هدف المشروع طموح للغاية باعتراف الجميع، فهو يسعى إلى مساعدة الوزارة في وضعها على مسار بحيث يحصل كل طالب يمر عبر أبواب جامعات الجزائر 107 على المعرفة اللازمة للغة الإنجليزية لضمان النجاح في الحياة المهنية التي يختارها».
وأشار وزير القطاع، إلى أن الاتفاقية الجديدة ستضع على وجه التحديد، إستراتيجية طويلة المدى لتعزيز اللغة الإنجليزية في التعليم العالي في الجزائر، حيث تشمل تطوير برنامج تدريبي حول كيفية تدريس اللغة الإنجليزية في العلوم والتكنولوجيا، وتنظيم ورشات عمل مشتركة مع خبراء جزائريين في تعليم اللغة الإنجليزية.