تجري تشريعيات جوان الداخل، في ظلّ ظروف وإجراءات جديدة «غير مسبوقة»، لم تكن سائدة خلال المناسبات الماضية التي عرفتها الجزائر، إجراءات بدأ مسارها الفعلي يتجسد بعد تعديل الدستور في أول نوفمبر 2020، تمهيدا للمضي نحو إقرار إصلاحات جذرية واستكمال بناء المؤسسات، حيث كانت تلك الوثيقة بمثابة اللّبنة الأولى في إعادة ترميم وبناء الحياة السياسية في البلاد، بعد ولادة عسيرة دستور تمخّض عنه قانون عضوي جديد ناظم للانتخابات جاء بأكثر من 300 مادة تحدّد مسار العملية الانتخابية وتضبطها، كما تضعها تحت الإشراف الكلي للسلطة الوطنية المستقلة لانتخابات وإبعاد الإدارة عن العملية ككل.
هذه الإجراءات، كان الهدف منها إحداث القطيعة مع الممارسات السابقة، وإبعاد المال السياسي عن دوائر صنع القرار في البلاد، بداية من الهيئة التشريعية التي عانت طيلة عقود من تدخل «الشّكارة» وتحكمها في مسار العملية الانتخابية، وهذا من خلال اعتماد نمط انتخابي جديد مؤسّس على إبعاد «رأس القائمة»، التي كانت النقطة السوداء في استشراء الرشاوى وشراء الذمم وتحكّم القيادات الحزبية في المترشحين، ما فتح شهية الشباب والكهول للتقدم خطوات نحو سباق الوصول الى شارع زيغود يوسف،بعيدا عن «المعطى الحزبي».
نمرّ اليوم أيضا إلى انتخابات جديدة، في ظلّ صعود رقم عدد ولايات الوطن إلى 58 ولاية، مع تقليص عدد المقاعد البرلمانية إلى 407 مقعدا فقط، هو مشهد «لجزائر جديدة»، أصبح بإمكان الشباب فيه الترشح والاستفادة من إعانات مالية لصالح المرشحين ضمن القوائم المستقلة لإقامة الحملات الانتخابية لهم، مشهد أبان عن فوارق شاسعة بين انتخابات البارحة وانتخابات اليوم، سيشرّحه لنا مختصون وقانونيون.
موسى بودهان: «ترسانة لدحر الفساد»
يرى الأستاذ موسى بودهان، أن «الكثير من الأمور قد تغيرت خلال محطة جوان المقبلة، مقارنة بانتخابات 2017، بداية من إبعاد «المال الفاسد» الذي خرّج لنا برلمانيين مشبوهين، وساهم في انشاء مؤسسات هشّة وغير شرعية، مؤسسات أقلّ ما يقال عنها أنها كانت تدار «بالكادنة»، وكل هذا بسبب النمط الانتخابي السابق المبني على القائمة المغلقة، إذ كان الحزب هوالذي يختار المترشحين، أما الشعب فلم تكن له الكملة».
كما يؤكد بودهان في تصريح لـ»الشعب ويكاند» تغير نمط الاقتراع من القائمة المغلقة الى القائمة المفتوحة، حيث أصبح هناك نمطا تفضيليا دون المزج بين القوائم،أضف إلى التغيير الجذري في العملية الانتخابية بعد دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وإبعاد الإدارة عن العملية ككل، فالمسار الانتخابي من بدايته الى نهايته، أصبح تحت إشراف سلطة الانتخابات، خاصة وأنه تمّ استحداث لجنة على مستوى هيئة شرفي تتكفل خصيصا بأموال الحملات الانتخابية لإبعاد المال الفاسد، ناهيك عن التقسيم الإداري الجديد الذي رفع عدد ولايات الوطن إلى 58 ولاية، قابله تقليص في عدد مقاعد البرلمان من 462 إلى 407 مقعد».
أما من الناحية الشكلية، فيقول الخبير الدستوري ــ اليوم نعيش مرحلة أخلقة الحياة السياسية، حيث نطمح للوصول إلى برلمان بصلاحيات جديدة، ستكون الحكومة فيه ملزمة بأن ترفق النصوص القانونية بنصوص تطبيقية حتى لا تبقى مفتوحة، كما أنها ملزمة أيضا بتقديم كل الوثائق حتى يمارس البرلمان صلاحيته في مجال الرّقابة».
ومن بين ما يميّز التشريعيات الماضية عن الحالية ـ يبرز بودهان ـ أن العملية الانتخابية تتمّ اليوم وفق قانون عضوي جديد ناظم للانتخابات بعدما كان هناك قانونين عضويين مختلفين، واحد مخصّص للانتخابات فقط، وقانون آخر مستقل ينظم سلطة الإنتخابات.
وفي السياق، يشدّد المتحدث على تعويض المحكمة الدستورية بالمجلس الدّستوري، إلى جانب دسترة سلطة عليا للوقاية من الفساد ومكافحته، فضلا عن تقليص الحماية غير المبررة للنواب من خلال حصر الحصانة البرلمانية في المجال البرلماني فقط، حيث لم يعد الاحتماء بها من أجل حسابات شخصية للفرار من متابعات قضائية، في ظل دسترة السلطة الوطنية للانتخابات وبصلاحيات قوية تسهر على الشفافية وحماية اصوات الناخبين، قي ظل ترسانة قانونية جديدة،
حمس: «اعتماد قائمة مفتوحة، فتح الشهية للترشح»
وفي اعتقاد القيادي في حركة مجتمع السّلم، ناصر حمدادوش، فإن الانتخابات الحالية ستجرى في ظروف مغايرة تماما، أهمها إقرار قانون جديد وسلطة مدسترة، وفي ظلّ واقع سياسي جديد تعيشه الجزائر وُلد بعد الحراك الشعبي، مع اعتماد قائمة مفتوحة، فتحت الشهية للترشح، كما تمّ تسجيل تراجع المال السياسي بحكم طبيعة النمط الانتخابي الذي يقضي على احتكار رأس القائمة وشراء الترتيب فيها، ناهيك عن إسقاط المترشحين المشبوهين بالمال السياسي والتأثير على الناخبين، بالرغم من وقوع تجاوز، من خلال تعميم شبهة الفساد،وإسقاط قوائم لمجرد وجود الشبهة، لأن أصل المترشح لا يسقط إلا اذا كان له حكم نهائي وسالب للحرية، هذا من الناحية الإيجابية.
أما من حيث السلبيات والمآخذ على هذا الموعد ـ يقول حمدادوش ـ فقد ظهرت ممارسات التعسف في إسقاط المترشحين بدون استناد للأحكام القضائية، حيث طعنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الكثير من الأحكام القضائية، وثبّتت اقصائهم عن طريق مجلس الدولة، وبذلك فهي سلبية خدشت عمل هيئة محمد شرفي.
وأرجع حمدادوش وجود تلك النقائص، إلى أن الانتخابات جاءت ضاغطة ومسبقة ومستعجلة، ولم يكن هناك استعداد لها من حيث تشكيلة السّلطة، والمندوبيات الولائية لها، والمندوبيين البلديين أيضا، حيث سجّل تأخر كبير ووقع ارتباك بحكم أن إمكانيات السلطة البشرية والمادية متواضعة مقارنة مع إشرافها الكلي على العملية، أضف إلى ذلك فقد تزامنت مع شهر رمضان، والأزمة الصحية بسبب استمرار تأثير فيروس كورونا على جميع مناحي الحياة السياسية، إلى جانب وجود أسباب موضوعية وذاتية جعلت العملية الانتخابية مرتبكة، وسجل تأخر في توزيع رموز الأحزاب والأرقام التعريفية لهم، إلى غاية السبت الماضي، وهو بالنسبة لنا نوع من التأخر، ليس هذا فقط حتى الأحزاب السياسية لا تزال متأخرة في تصميم القوائم وإعلاناتها أيضا.
الأرندي: تطهير القوائم
وهو نفس الطرح الذي ذهب إليه التجمّع الوطني الديمقراطي على لسان ناطقه الرسمي صافي العربي، حيث أكد أن الانتخابات الحالية تختلف عن السابقة كليا، وفي جميع المجالات، حيث جاءت بعد الحراك الذي طالب بالتغيير، وتجرى اليوم، حيث نتجه نحواعتماد نهج جديد للبلاد على جميع مستويات من خلال إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية.
كما يؤكد صافي العربي على «النظام الانتخابي الجديد، كأول تجربة في الاعتماد على القائمة المفتوحة، وفي ظل إرادة سياسية للدولة لتطهير المال الفاسد وإبعاده عن مصدر القرار والمجال السياسي ككل، مبرزا أنّ «المادة 200 فعلت فعلتها في «زبر» القوائم، وكانت هناك تحفظّات من أنّها فضفاضة ومطاطية وتحتاج إلى آليات تطبيق، وهذا ما تحفظ عليه المجلس الدستوري».