لا تزال ثانوية «دوفيري» سابقا أو «ابن رشد» حاليا الواقعة وسط مدينة البليدة والتي تعدّ من بين أكبر وأعرق الثانويات الاستعمارية، شاهدة على تضحيات طلبة تخلوا عن حُلمهم في إكمال مشوارهم الدراسي في سبيل استرجاع استقلال وطنهم.
بحسب أرشيف مديرية المجاهدين فقد كانت ثانوية «ابن رشد» المعروفة خلال فترة الاستعمار الفرنسي بـ «دوفيري» من أعرق وأكبر الثانويات الاستعمارية، خلال تلك الفترة بحيث كان يدرس بها طلبة بعضهم جزائريين والنسبة الأكبر منهم فرنسيين.
ويعود تاريخ بناء الثانوية لسنة 1880 وكانت تضم طلبة جزائريين كان لهم الحظ في مواصلة تعليمهم الثانوي عكس نسبة كبيرة من أقرانهم بسبب السياسة الاستعمارية التي كانت تحرم الجزائريين من حقّهم في إتمام مشوارهم الدراسي وتوجيههم نحو مراكز التكوين المهني.
وكان هؤلاء التلاميذ يتمتعون بروح وطنية عالية بحيث أسّسوا أوّل خلية لحزب الشعب رغم قساوة الإدارة الاستعمارية وتعاملاتها العنصرية معهم إلا أن ذلك لم يوقفهم عن ممارسة النشاط السياسي، بل زادهم قوّة وإيمانا بقضيتهم العادلة في استرجاع إستقلال بلادهم وتخليص شعبهم من ذلّ وظلم المستعمر.
ولم يمنع هؤلاء التلاميذ حلمهم في إتمام دراساتهم العليا والتتويج بشهادات عليا شأنهم شأن الفرنسيين، من تلبية نداء الكفاح ومغادرة مقاعد الدراسة والإلتحاق بمعاقل الثورة تلبية لنداء إضراب الطلبة، يوم 19 ماي 1957.
وكان الوزير السابق بشير رويس الذي كان ضمن طلاب هذه الثانوية الذين لبوا نداء الإضراب، قال في مناسبة كهذه «كنا كثيرين ومصمّمين على الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، كان كثير منهم ذو مستوى دراسي لامع وبعضهم كان مسجلا للمشاركة في الدورة الثانية للباكالوريا في شعبة الرياضيات والفلسفة، إلا أنهم تركوا مقاعد الدراسة لشدة إيمانهم بقضيتهم العادلة».
وأضاف المجاهد رويس «لو تكرّر الأمر سنقوم بنفس الشيء لشدة إيماننا باسترجاع استقلال وطننا» وفقا لما جاء في كتاب «من شهداء الثورة التحريرية «.
حرّية الوطن تتفوّق على طموح الشهادات العليا
ولشدّة حبهم وتعلقهم بوطنهم، فضّل تلاميذ هذه الثانوية على غرار باقي الطلبة الجزائريين الذي لبّوا نداء الإضراب التضحية بحلمهم وحلم أوليائهم في إتمام دراستهم والتخرّج من الجامعة، وهذا بالرغم من صغر سنّهم على غرار المجاهد عبد الرزاق خشنة الذي تخلى عن حلمه وحلم والده في أن يصبح طبيبا.
وفي حديثه مع وكالة الأنباء الجزائرية، إسترجع المجاهد عبد الرزاق خشنة، البالغ من العمر 83 سنة، ذكريات سنوات دراسته بهذه الثانوية والذي كان في السنة الثالثة (شهادة التعليم المتوسط)، يوم إضراب الطلبة ليلتحق، بعدها بصفوف جيش التحرير الوطني.
وأرجع المجاهد خشنة أسباب تلبيته لنداء الإضراب والانخراط في العمل السياسي الكفاح المسلّح بالرغم من أنه كان غير معني رفقة باقي زملائه في السنة الثالثة بهذا الإضراب، إلى احتجاجه على العنصرية التي كان يمارسها الأساتذة الفرنسيون في حقّهم، وكذا تصميمه على استرجاع سيادة واستقلال الجزائر وتحرير شعبها من الظلم وتسلّط المستعمر.
وقال إنه لم يشعر يوما بالندم لعدم تحقيق حلم والده، مشيرا إلى أن عدد من أبنائه حققوا حلم جدّهم وتحصلوا على شهادات في الطب قبل أن يضيف أن استرجاع استقلال الجزائر هو أعظم حلم حققه الجزائريون، داعيا شباب اليوم إلى مواصلة مشوار أسلافهم في بناء الجزائر والمحافظة على أمنها واستقرارها.
وعدد من بين الشهداء والمجاهدين من طلبة هذه الثانوية العريقة الذين التحقوا بجيش التحرير الوطني، بعد إضراب 19 ماي 1957، أحمد بن قرقورة، بن تركية عبد الرحمن، العربي مرزاق، لشهب الرشيد، اسكندر بشير، بن شرشالي مصطفى، محمد كمال، محمد فورة وعبان رمضان.