ولد أوّل تنظيم طلابي في جامعة الجزائر المعروف باسم الودادية للتلاميذ المسلمين في شمال إفريقيا، حيث أرغمت الإدارة الاستعمارية هذا التنظيم على الرحيل من الجزائر باتجاه فرنسا سنة 1927، وأصبح مقرّه الجديد بسان ميشال بباريس حتى يكون بعيدا عن المحيط الجزائري ويناضل بالمراسلة. تذكر بعض المصادر منها مقال حسن السعيد الصادر بمجلة الأصالة سنة 1974، بعنوان «نشأة الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين ودوره في معركة التحرير»، أن سياسة الإدارة الفرنسية أضحت أكثر شحًا مما كانت عليه، خلال الأربعينيات، وقلص ذلك من حظوظ الطلبة في الإلتحاق بالجامعة، وحتى في الحصول على الوظائف بعد التخرّج.
تشير إحصائيات، سنتي 1955 و1956 أن عدد التلاميذ في الصّف الابتدائي لم يتعد 170 ألف تلميذ أما في الثانوي بلغ 6 آلاف مقابل 30 ألف أوروبي، ولم يتعد في الجامعة 500 طالب مقابل 5 آلاف طالب أوروبي والعدد قليل جدا مقارنة بعدد الأوروبيين.
ومع بداية الخمسينيات وتسارع الأحداث في بلدان المغرب العربي، حاول الطلبة من جديد البحث عن إطار وحدوي يتلاءم والمستجدات السياسية والعسكرية، ففي 1952 تم لقاء بمسؤولين لمختلف فروع جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا وطرح من جديد مشروع تأسيس إتحاد المسلمين للطلبة المغاربة، وأصبح يجمع المستوى التنظيمي ثلاث فيدراليات، كل فيدرالية تمثل قطر من أقطار المغرب العربي.
في هذا الصدد، يوضّح الباحث والأستاذ الدكتور أحمد مريوش في مؤلفه حول دور الحركة الطلابية في ثورة التحرير أن تطوّر الأحداث السياسية واندلاع الثورة في كل من المغرب وتونس سنة 1952، حال دون ذلك وأرغمت كل فيدرالية على أن تجتهد، بحسب ظروفها الخاصة، تماشيا مع كل مستجد، وفي خضم كل هذه التطوّرات لم يكتب النجاح لقيام تنظيم طلابي موّحد لأقطار المغرب العربي.
ويضيف أنه في سنة 1952، أعلن الطلبة التونسيون عن تأسيس الإتحاد العام للطلبة التونسيين، وبحسب شهادة المرحوم لمين خان، وهو من الفاعلين في حركية تأسيس الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، فإن ميلاد هذا التنظيم الطلابي التونسي كان ضربة قاضية لطموح العمل الوحدوي لطلبة المغرب العربي الذين كثيرا ما ألّحوا على تطبيقه في الكثير من لقاءاتهم ومؤتمراتهم السابقة.
إن ميلاد الجمعية الودادية للتلاميذ المسلمين في شمال إفريقيا أملته الظروف الصعبة التي كان يعانيها الطالب الجزائري، بعدما عانى من سياسة التهميش والتعسّف من قبل إدارة الجامعة الفرنسية وبرغم ذلك فالطالب الجزائري لم يستسلم لتلك الظروف الصعبة.
وعشية إنهاء الحرب العالمية الأولى، حوالي سنة 1918، أسّس الطلبة الجزائريون في جامعة الجزائر تنظيما طلابيا باسم الجمعية الودادية للتلاميذ المسلمين في شمال إفريقيا، وكانت الودادية تضّم طلابا يدرسون في هذه الجامعة الخاضعة لنظام الجامعات الفرنسية، ويعود الفضل الكبير في تأسيس هذه الودادية إلى نخبة من طلبة الجزائر وعلى رأسهم بلقاسم بن حبيلس الذي توّلى رئاسة الودادية، منذ ميلادها، بالإضافة إلى مساعده الهادي بن سماية، وهما من فئة النخبة الشبانية التي أخذت تبحث بشكل أو بآخر عن مكانتها في الوسط الجامعي جنبا إلى جنب مع الطلبة الفرنسيين.
يعتبر هذا الحدث -بحسب الباحث - نقلة نوعية في الإصرار على فرض الذات، والبحث عن فضاء يليق بقيمة الطالب الجزائري المتمدرس في جامعة غريبة عنه، مطلع القرن العشرين، وكان المقرّ المركزي للجمعية الودادية رقم 2 نهج المسبكة، بالجزائر العاصمة، بالقرب من المسجد الكبير المقابل لساحة الشهداء حاليا، ثم تحوّل مقرّ الجمعية إلى نهج إيسلي، رقم 65، وفي بداية الأمر كانت شبه تابعة للإتحاد الوطني للجمعيات الطلابية بفرنسا.
وبحسب ما جاء في المادة الثانية من القانون الأساسي للجمعية الودادية فإن، وجودها لم يكن للخوض في القضايا السياسية البحتة بقدر ما كان يهدف إلى الإهتمام بقضايا الطلبة المادية والمعنوية ومناقشة قضايا الدراسة والبيداغوجية، والظاهر أن الودادية أبعدت من قانونها الأساسي قضايا السياسة حتى تتمكن من الحصول على الإعتماد، وإبعاد أنظار الإدارة الفرنسية عن نشاطاتها ومن تم تستطيع أن تكون لنفسها مناخا مناسبا للعمل خصوصا، وأنها ولدت داخل جامعة الجزائر التي لا تزال وقتها خاضعة لقوانين الجامعة الفرنسية.
الدورية تحوّلت إلى مجلة التلميذ، سنة 1931، كانت تعنى بتفعيل الثقافة العربية الإسلامية
وبحسب مراسلة رئيس مكتب الودادية الجديد كمال مهدي لحاكم مقاطعة الجزائر والمؤرخة في 1 ديسمبر 1926، فإن الجمعية العامة للطلبة الجزائريين المنعقدة في 28 نوفمبر 1926 قد تمخضت عن تشكيل مكتب متكامل يتولى توجيه الطلبة الجزائريين، وهو مكوّن من أسماء الطلبة التابعين لتخصّصات مختلفة وهم كمال مهدي، طالب في الطب رئيسا، عباس فرحات طالب في الصيدلة نائب الرئيس، غريب إبراهيم طالب في الحقوق، نائب للرئيس، قسراوي عمر طالب في الآداب كاتبا عاما، خباس علي طالب في الحقوق نائبا للكاتب العام، بن أبي شنب سعد الدين طالب في الآداب، أمين المال.
على الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الودادية، فقد تعدّدت نشاطاتها ونوّعت من مساعيها من اللّقاءات وإلقاء المحاضرات التي عبرت من خلالها على طموحات الشباب الجزائري المثقف، وكانت للودادية دورية خاصة أنشأتها، سنة 1927، عالجت من خلالها إهتماماتها ونشاطاتها المختلفة.
وقد تحوّلت الدورية فيما بعد إلى مجلة التلميذ سنة 1931 التي كانت تطبع بالمطبعة الإسلامية للشيخ أبي اليقظان وجعلت من نادي الترقي مقرا لإدارتها، وكان الغرض من ذلك توسيع مهام الودادية وتسهيل وتوصيل أفكارها ومبادئها إلى كافة الطلبة الجزائريين، وبعض الطلبة الأوروبيين المتعاطفين والمحتكين بالطلبة الجزائريين، وكانت الدورية تصدر بالعربية والفرنسية بغرض تبليغ إهتمامات الطلبة لغيرهم من النخب المهتمة بالثقافة لما حملته هذه المجلة من هموم طلابية وطنية والتركيز على تفعيل الثقافة العربية الإسلامية.
ولعلّ الشيء الذي ميّز إسهامات الطلبة وقتئذ هو تعاونهم وانفتاحهم على غيرهم من الكتاب، ومجالات الفكر والأدب ودعاة الإصلاح والنهضة الإسلامية منهم أحمد توفيق المدني والطيب العقبي، وساهمت المجلة في نشر العديد من المقالات والقصائد الشعرية سواء للأدباء الجزائريين أو المشارقة منهم.
وبحسب محفوظ قداش في كتابه «تاريخ الوطنية الجزائرية 1919 - 1952، فإن نشاط الودادية فاق ما نصّت عليه المادة الثانية والثالثة من القانون الأساسي الذي نصّ على جمع الطلبة الجزائريين وتسهيل مهامهم البيداغوجية، إلى الخوض في قضايا السياسة.
مساهمة جمعية الطلبة الزيتونيين في القضية الوطنية
يذكر توفيق المدني أنه خلال تواجده بتونس ما بين الفترة 1905 و1925 قد وسّع من نشاطاته ونسّق مع نخبة من التونسيين، ويشير إلى أن جامع الزيتونة استقطب وقتها العديد من الطلبة الجزائريين من جهات عدة من الوطن كمنطقة تبسة، عين البيضاء، قسنطينة وغيرها، ويرجع الفضل الكبير في إرسال الرعيل الأوّل للبعثات الطلابية المنظمة إلى الزيتونة إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس، وذلك سنة 1913، لكن ظروف الحرب العالمية الأولى لم تمكن الطلبة من البقاء في تونس واضطروا للعودة إلى بلادهم إلى أن وضعت الحرب أوزارها، وإستأنفت هذه البعثات طريقها إلى الزيتونة.
ويؤكد المؤلف أن الطلبة الجزائريون كانوا يتمتعون في جميع الأوساط التونسية بسمعة راقية، وكانوا مضرب الأمثال عندهم في الإستقامة وحسن السلوك وكثرة التحصيل، وتذكر التقارير الفرنسية أن نسبة الطلبة الميزابيين في تونس كانت مرتفعة، ففي سنة 1927 وصل عدد الطلبة الميزابيين بالزيتونة لوحدها إلى 47 طالبا ووصل إلى 100 طالب، سنة 1936، و200 طالب، سنة 1954، حيث كانت جمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين بمثابة الناطق الرسمي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان للطلبة الجزائريين بالمغرب ارتباط وثيق بقضايا الجزائر والدفاع عن مقوّمات الأمة.
المغرب العربي كان قبلة الطلبة الجزائريين لاستكمال الدراسة
خلص المؤلف إلى أن منطقة المغرب العربي كانت قبلة الطلبة الجزائريين للبحث عن إستكمال الدراسة والتزويد بالعلم والمعرفة، خصوصا وأن كل من تونس والمغرب الأقصى لم يتضررا بالسياسة الإستعمارية الفرنسية مثلما وقع في الجزائر التي ضربت في فكرها وثقافتها ولغتها، وكانت جامعتي القرويين بفاس والزيتونة، بتونس، من أهم المعالم الثقافية والفكرية التي جلبت الكثير من الطلبة، واستقبلت ليبيا أيضا العديد من الطلبة كمناضلين خلال الثورة وليسوا كطلبة علم.
في المقابل، فإن الهجرة إلى دول المشرق العربي مصر، سوريا، العراق والكويت لم تكن مقرونة بالوظيف الإداري ولا السلم الإجتماعي، مثلما كانت عليه هجرة الطلبة إلى البلاد الأوروبية، حيث استقبلت البلدان العربية الطلبة وقدمت لهم دعما للمساهمة في البناء الثقافي الوطني للجزائريين، ومحاربة سياسة الدمج والإلحاق التي كانت تراهن عليها السياسة الإستعمارية، وسمحت لهم بتشكيل جمعيات ومنظمات طلابية، قصد تمكين الطلبة الجزائريين من الرسكلة والتكوين في الميدان النضالي وطرح اهتماماتهم الوطنية.
وأضاف الدكتور مريوش أن الغاية من دراسة الطلبة لم تكن الحصول على شهادة التأهيل أو التطويع، بقدر ما كانت الغاية أبعد من ذلك، وهو تكوين كوادر وطنية معرّبة ملتزمة بقيم الثوابت الوطنية، وتجسّد ذلك بعد تفجير ثورة نوفمبر 1954 التي وجدت الدعم الكافي من هؤلاء الطلبة الذين لبوا الواجب الوطني، عبر تجنيد الكثير منهم في ميادين مختلفة خدمة للثورة حتى قبل إضراب 19 ماي 1956، والتحق العديد منهم بهياكل ومؤسسات الثورة سواء في الداخل أو الخارج.