تعمل الحكومة جاهدة منذ سنوات على استقطاب الأموال المتداولة خارج المنظومة البنكية، حيث اتّخذت عدة حلول من أجل تحقيق هذه الغاية، وإدخال هذه الأموال ضمن القنوات الرسمية بهدف تعزيز الخزينة العمومية وإدماج مختلف الفئات في الاقتصاد النظامي، وها هي تلجأ إلى عملية الشمول المالي في سبيل تحقيق ذلك حسب ما أفرج عنه، أول أمس، مجلس الوزراء. في هذا السياق تطرق الخبير الاقتصادي والمالي، سليمان ناصر، في حديث لـ «الشعب»، إلى القرار وفحواه وأهدافه كإجراء من شأنه أن يمكّن بعض الفئات من مختلف الخدمات المالية والمصرفية في إطار نظامي.
- الشعب: ما المقصود بالشّمول المالي؟ وما هي أهدافه؟
الخبير الاقتصادي والمالي سليمان ناصر: الشمول المالي يعني أن الأفراد والشركات تكون لديهم إمكانية الوصول وبطريقة سهلة إلى المنتجات والخدمات المالية التي يحتاجونها، وبأسعار معقولة وتلبي احتياجاتهم المختلفة، من فتح الحسابات والادخار والمدفوعات والحصول على القروض والائتمان وخدمات التأمين...إلخ.
كما يعني باختصار وصول هذه الخدمات المالية بما في ذلك الحسابات المصرفية والتوفير، خدمات الدفع والتحويل، التأمين، التمويل والائتمان إلى أكبر شريحة من المجتمع خاصة الفقراء والمهمشين بما يضمن تحقيق الاستدامة المالية.
- هل هناك ارتباط بين الشمول المالي والاستقرار المالي سيما في مواجهة الصدمات الاقتصادية والاختلالات المالية؟
ليس بطريقة مباشرة وإنما بطريقة غير مباشرة، لأن الشمول المالي يعني الوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع، أي قدرة البنوك على تعبئة مدخرات بحجم أكبر، وبالتالي منح القروض والائتمان بحجم أكبر، ما يساعد في النهاية على تقوية الجهاز المصرفي وتحقيق استقراره وتعزيز قدرته على مواجهة الأزمات والصدمات.
- ما هي الضّمانات للحيلولة دون تبييض الأموال، خاصة وأن هذه الأخيرة ستمر عبر القنوات الرسمية؟
لا أرى أن هناك خطراً في الوقوع في تبييض أو غسيل الأموال بسبب تحقيق الشمول المالي، لأن مثل تلك العمليات تأتي عادة من الأغنياء وأرباب الأموال بينما الشمول المالي يستهدف الطبقات الفقيرة أكثر، ثم لا ننسى بأن الجزائر وقّعت على اتفاقيات دولية في هذا الصدد وهي ملزمة باحترامها، وذلك من خلال سنها للقانون رقم 05-01 لسنة 2005، والمتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
- هل ستوفّر العملية حماية للمستهلك مع انهيار قيمة الدينار وتراجع القدرة الشرائية؟
لا أرى أن هناك علاقة مباشرة بين الشمول المالي والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، ربما يتحقق ذلك بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال توفير الخدمات البنكية للطبقات الفقيرة، وبأسعار معقولة بما في ذلك سهولة الحصول على القروض، خاصة منها القروض الاستهلاكية.
فالكثير من السلع حاليا لا يستطيع ذوي الدخل المحدود شراءها بدفع كامل ثمنها مثل التجهيزات الكهرومنزلية، فيلجأ إلى شرائها بالتقسيط عن طريق قرض بنكي، ونفس الشيء بالنسبة للسكن والقروض العقارية وغيرها.
- ما هو انعكاس الرّقمنة على الخدمات البنكية؟
بالنسبة للنزاهة فقد أجبنا عنها من خلال فرض قوانين خاصة بالرقابة، أما بالنسبة لتأثير الشمول المالي على الخدمات المقدمة من خلال تغيير النظام المالي فهذا يعتمد على الأسلوب المطبق لتحقيق هذا الهدف.
وأرى أن الأسلوب الأنجع للوصول إلى هذه الغاية هو الاعتماد على التكنولوجيا والرقمنة لأن ذلك سيسهل تقديم الخدمات البنكية ووصولها إلى أكبر شريحة من المجتمع، ولا نقول هنا الخدمات المقدمة من بنك الجزائر لأن هذا الأخير لا يتعامل مع الأفراد وإنما المقصود هو الخدمات المقدمة من البنوك، أما بنك الجزائر فهو الموجّه والمخطّط والمراقب لتنفيذ هذه العملية.