غياب الوعي قلب موازين الوضعية الوبائية
يعرف الوضع الوبائي في الجزائر تغيُّرا في منحنى عدد الإصابات الذي عاود الى الارتفاع للمرة الثالثة، مع وجود ثلاث سلالات متحوّرة هي البريطانية، النيجيرية والهندية زادت من تعقيد أزمة صحية استثنائية تجاوزت مدتها سنة، ما يعني ان الخطأ غير مسموح في الأيام القادمة لان حصوله يعني خروج الوضع عن السيطرة.
بعد إعلان معهد باستور الاثنين الماضي تسجيل 6 حالات إصابة بالسلالة الهندية التي تعد ثالث سلالة متحورة في الجزائر منذ مارس الماضي، أصبح إعادة النظر في تدابير الحجر الصحي أمرا واقعا ومحتوما، بالنظر الى حالة التراخي والاستهتار اللذين يسيطران على سلوكيات المواطن الذي تناسى تماما وجود فيروس وتحوراته الجينية بيننا.
فالمتتبع لمنحنى تدابير الحجر الصحي يجدها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوضع الوبائي، فكانت الصرامة والتشديد في البداية ثم التخفيف التدريجي مع دخول الجزائر مرحلة التعايش مع الوباء لتكون العودة الى التشديد مع بداية الموجة الثانية شهر نوفمبر، ليعرف الجزائريون أواخر شهر مارس الماضي تخفيفا في تدابير الحجر المنزلي أياما فقط قبل الشهر الفضيل.
خيار استراتيجي
مع بداية ظهور بوادر أزمة صحية استثنائية، سارعت السلطات الوصية الى اتخاذ مجموعة من التدابير والاجراءات من اجل الحد من انتشار وباء كورونا، فكانت البداية يوم 13 مارس 2020 أين تم تأجيل جميع النشاطات العامة للمجلس الشعبي الوطني وكذا تقديم العطلة الربيعية وإغلاق جميع المدارس والجامعات، مراكز التكوين المهني، الزوايا والمدارس القرآنية، أقسام محو الأمية، وغلق الحدود البرية مع المغرب والرحلات الجوية والبحرية مع فرنسا بعد تشاور معها في 15 مارس، بالإضافة الى اعلان وزارة الشباب والرياضة تعليق جميع الأحداث الرياضية، لتحذو وزارة الشؤون الدينية والاوقاف حذوها وتقرر تعليق صلاة الجمعة والجماعة، وغلق المساجد في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة الى اعلان تسريح نصف الموظفين ووقف جميع وسائل النقل في البلاد.
الحجر الصحي الشّامل لمواجهة الفيروس المجهول
كان تاريخ الـ 23 مارس استثنائيا للجزائريين لأنهم ولأول مرة وجدوا أنفسهم امام تطبيق قرار حجر صحي على ولاية البليدة لعشرة أيام وجزئيا من الساعة السابعة مساء الى السابعة صباحا على العاصمة، وكذا غلق المقاهي والمطاعم والمحلات ما عدا محلات بيع المواد الغذائية، ليزيد اصدار لجنة الفتوى لفتوى متعلقة بدفن المصابين في الـ 25 من ذهول المواطنين، ليتم توسيع الحجر الجزئي على تسع ولايات في 27 مارس 2020.
فيما أعلنت وزارة التربية في 3 أفريل 2020 تمديد تعليق الدراسة إلى 19 أفريل، تم توسيع الحجر الجزئي على 38 ولاية جديدة مع الإبقاء على الحجر الشامل على ولاية البليدة، وتمديد الحجم الساعي ليصبح مطبقا من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى الساعة السابعة صباحا، بالنسبة لتسع ولايات.
مع حلول شهر رمضان تم اتخاذ عدة قرارات تخص تدابير الحجر الصحي، حيث عدلت الوزارة الأولى في بيان لها في 23 افريل 2020 توقيت نظام الحجر الجزئي المطبق على مستوى تسع ولايات الساري المفعول من الساعة الثالثة بعد الزوال، ليصبح من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة السابعة صباحا، في حين رفع الحجر الشامل على ولاية البليدة، لتصبح خاضعة لنظام الحجر الجزئي من الساعة الثانية زوالا إلى غاية السابعة صباحا ابتداء من أول يوم من شهر رمضان الفارط.
ليتم في الـ 16 ماي من نفس العام تجديد الإجراءات المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا، دون الذهاب إلى حجر عام خلال العيد، لتقرر الوزارة الأولى في 19 ماي تطبيق - على جميع الولايات خلال يومي عيد الفطر - حجر جزئي منزلي من الساعة الواحدة زوالا إلى غاية الساعة السابعة صباحا من اليوم الموالي، مع منع حركة الـمرور بالنسبة لجميع السيارات، بما فيها الدراجات النارية، بين الولايات وداخلها، مع إجبار المواطنين على وضع الكمامات اعتبارا من أول أيام عيد الفطر.
خارطة طريق
في الـ 28 ماي الماضي مُدّد العمل بنظام الحجر الجزئي الـمنزلي ابتداء من يوم السبت 30 ماي إلى غاية يوم السبت 13 جوان 2020، ولأول مرة منذ تطبيق الحجر الصحي تم الرفع الكلي للحجر الصحي على ولايات سعيدة، تندوف، إليزي وتمنراست، ليكون جرعة امل في تحسن الوضع الوبائي في الجزائر، ليضع الوزير الأول في الـ 4 جوان خارطة طريق لرفع الحجر الصحي، بصفة تدريجية ومرنة في آن واحد على مرحلتين تبدأ المرحلة الأولى يوم 7 جوان والثانية يوم 14 من الشهر نفسه، أعطيت فيها الأولوية لعدد من الأنشطة وفق أثرها الاقتصادي والاجتماعي وخطر انتقال عدوى «كوفيدـ 19».
في 13 جوان قررت الحكومة رفع الحجر المنزلي كاملا في 19 ولاية، وتعديل توقيت هذا الإجراء من الساعة الثامنة مساء إلى غاية الخامسة صباحا في 29 ولاية المتبقية، مع رفع اجراءات العطل الاستثنائية في القطاع الاقتصادي العام والخاص بشرط ضمان النقل، والترخيص لعودة بعض الأنشطة واستئناف النقل الحضري عن طريق الحافلات والترامواي.
أما في الـ 7 جويلية فقد فرضت وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية حجرا منزليا جزئيا على 18 بلدية بولاية سطيف من الساعة الواحدة زوالا إلى غاية الخامسة صباحا من اليوم الموالي لمدة 15 يوما ابتداء من يوم الأربعاء 8 جويلية 2020، وهو اجراء اعطى صورة واضحة عن تكيف مصالح الدولة مع المستجدات التي تعرفها الوضعية الوبائية من خلال التعامل الفوري مع بؤر انتشارها.
ليقرر رئيس الجمهورية في الـ 9 جويلية منع حركة المرور، من وإلى وبين الولايات الـ 29 لمدة أسبوع ابتداء من 10 جويلية ومنع النقل الحضري العمومي والخاص في يومي 10 و11 جويلية في الولايات الـ 29 المتضرّرة.
التّخفيف والفتح الجزئي للمساجد
في الـ 8 أوت الماضي عُدّلت مواقيت الحجر الجزئي المنزلي من الساعة الحادية عشر ليلا إلى غاية الساعة السادسة من صباح اليوم الموالي على مستوى 29 ولاية في الفترة الممتدة من 9 إلى 31 اوت، كما قرّرت الحكومة رفع الإجراء المتعلق بمنع حركة مرور السيارات الخاصة من وإلى الولايات 29 المعنية بإجراء الحجر الجزئي وتمديد الإجراء الـمتعلق بمنع حركة مرور وسائل النقل الحضري الجماعي العمومي والخاص خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقررت أيضًا الفتح التدريجي والمراقب للمساجد التي لديها قدرة استيعاب تفوق 1000 مصلي وحصريا بالنسبة لصلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء ابتداء من يوم السبت 15 أوت 2020 وعلى مدى أيام الأسبوع باستثناء يوم الجمعة الذي سيتم فيه أداء صلوات الراتبة فقط.
لتخفض الحكومة عدد الولايات الـمعنية بتدابير الحجر الجزئي الـمنزلي من 29 إلى 18 ولاية في الـ 31 اوت لـمدة 30 يوما ابتداء من 1 سبتمبر من الساعة الحادية عشر مساء إلى غاية الساعة السادسة صباحا من اليوم الـموالي.
فيما قررت نهاية شهر سبتمبر تكييف قائمة الولايات المعنية بإجراء الحجر الجزئي المنزلي من خلال رفع الحجر الجزئي المنزلي عن عشر ولايات، وتمديدها لمدة ثلاثين يوما، ابتداء من 1 أكتوبر 2020، من الساعة الحادية عشر ليلا إلى الساعة السادسة من صباح اليوم الموالي، بالنسبة للثماني ولايات المتبقية.
تشديد في نوفمبر وتخفيف في أفريل
في الـ 8 نوفمبر الماضي قرّرت الحكومة تكييف مواقيت الحجر الجزئي المنزلي من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا من اليوم الموالي على مستوى 29 ولاية لمدة 15 يوما بداية من يوم 10 نوفمبر 2020، وذلك في إطار مكافحة انتشار جائحة كورونا، بعد أن عرفت الجزائر موجة ثانية وصل عدد الإصابات في اليوم الواحد الى 1133 إصابة جديدة، لذلك فرض خيار التشديد نفسه بعد تسجيل تراخي كبير من المواطنين. لكن ومع حلول شهر ديسمبر عرفت الوضعية الوبائية استقرارا وصل الى حد تسجيل اقل من 100 إصابة في اليوم الواحد، ما استدعي تخفيف تدابير الحجر الصحي وإعادة تكييفها لتمس تسع ولايات فقط من الساعة الحادية عشر ليلا الى الرابعة صباحا من اليوم الموالي ابتداءً من 1 أفريل ليكون رهان الأيام القادمة المحافظة على استقرار الوضع الوبائي في الجزائر، لكن في الـ 29 منه تم رفع قائمة الولايات المعنية بالحجر المنزلي الى 19 ولاية الى غاية الـ 21 من الشهر الجاري.
بريطانية، ثم نيجيرية..فهندية
عرفت الجزائر أول ظهور للسلالة المتحوّرة شهر فيفري الماضي، حيث أعلن معهد باستور في الـ 25 منه تسجيل حالتين مصابتين بالسلالة المتحورة البريطانية، لتعلن في الشهر الموالي تسجيل إصابات بالسلالة النيجيرية، ليكون إعلانه الاثنين الماضي تسجيل 6 حالات إصابة بالسلالة الهندية مزلزلا ومقلقا، خاصة وان الحدود الجوية والبرية مغلقة ما يطرح اكثر من سؤال.
هذه المستجدّات الوبائية تفرض إعادة النظر في تدابير الحجر المنزلي التي عرفت تخفيفا متواصلا منذ شهر أفريل الماضي، كما لاحظنا في كرونولوجيا التّدابير المتّخذة نجدها ارتبطت ارتباطا وثيقا بمنحنى حالات الإصابة، ما يرجح العودة إلى التّشديد كخيار استراتيجي لمنع الأسوأ.