باحثون وأساتذة لـ»الشعب»:

إعادة النظر في الترسانة القانونية لتنظيم الإعلام الجواري

عنابة: هدى بوعطيح

 إقصاء في ظلّ المركزية لوسائل الإعلام

شدّد باحثون وأساتذة في تصريح لـ»الشعب» على ضرورة إعادة النظر في الترسانة القانونية التي تنظّم وتجدّد كيفيات ممارسة النشاط الإعلام الجواري، وإشراكه في نشر المحتوى النزيه لتحقيق التنمية المحلية على مختلف الأبعاد، مؤكدين أن دوره منقوص في الجزائر بسبب نقص التأطير في الطواقم الإعلامية، ونقص الإمكانيات المادية المتوفرة لهذا الغرض تقنيا ولوجستيكيا، كما أنه مهمش كثيرا ويعاني الإقصاء في ظلّ المركزية  لوسائل الإعلام..

 منصوري: تجاوز النقائص
يرى الأستاذ الجامعي فؤاد منصوري، أن فلسفة الإعلام الجواري مبنية على التقرّب من المواطن في فضائه المعيشي، وذلك بالتقرب من انشغالاته وانتظاراته في كل ما يتعلّق بالشأن العام، الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الترفيهية والثقافية.. مشيرا أيضا إلى أن الإعلام الجواري يعد آلية حقيقية لتعزيز مواطنة الفرد في حيّه، مدينته، جهته، وبالتالي بلده كما أنه شكّل من الإعلام
اللامركزي الذي يجعل من الإعلام حقّ للفرد حيثما وجد في المركز أو الهامش، ما يعزّز من انتمائه لقيم مجتمعه المحلي الذي هو نسق من المجتمع ككل.
وأكد الأستاذ الجامعي ضرورة التمييز بين الإعلام الجواري المسموع، المرئي والمكتوب، مجيبا على سؤالنا حول ما إذا كان الإعلام الجواري يعتبر فعلا صوت المواطن ومرآة صادقة لنقل واقع الجزائر العميقة، قائلا بأن هناك جهدا معتبرا على عدم كفايته على مستوى الإعلام المكتوب والمسموع في تقريب انتظارات المواطن وانشغالاته لدوائر اتخاذ القرار ببرمجة حصص وبرامج، روبوتاجات ومقالات تعكس مبدأ الجوارية من متطلبات المواطن.
وأضاف أن ما يقترحه بهذا الشأن هو التدعيم من حيث كفاءات الأطقم الإعلامية، ومن حيث التقنية أيضا، عكس الإعلام الجواري المرئي الذي لم يشهد نقلة نوعية، مرجعا ذلك إلى المركزية القاتلة التي لم تحرّره أولا من ناحية تواجده وتوزعه على رقعة جغرافية، هي بمثابة قارة، وثانيا من ناحية عدم مساهمته بالشكل الفعّال في التقرّب من المواطن، ولا سيما الذي يعيش على الأطراف، قائلا أيضا «ما أقترحه في هذا الشأن هو لا مركزية بالنسبة للإعلام المرئي على عشر جهويات إعلامية اثنان بالوسط، اثنان بالشرق، اثنان بالغرب، اثنان بالجنوب الشرقي واثنان بالجنوب الغربي لشساعة الجنوب الجزائري مساحة وزخما ثقافيا، ويكون البث بكل جهوية إعلامية على مدار الأربع وعشرين ساعة، وهذا كمرحلة أولى تقيّم بعدها التجربة لإضافة جهويات أخرى»، هذا بحسب المتحدث لما للإعلام الثقيل من وزن كبير في الإعلام الجواري.
الأستاذ فؤاد منصوري، أوضح أنه بالرغم من الجهد المبذول خاصة من الإعلام الجواري المكتوب والمسموع  في هذا الميدان، والذي لا يمكن إنكاره إلا أنه بالنسبة له يبقى دورا منقوصا لعدة أسباب يمكن تلخيصها في نقص التأطير في الطواقم الإعلامية، نقص الإمكانيات المادية المتوفرة لهذا الغرض تقنيا ولوجستيكيا، شبه القطيعة مع الجامعة، مراكز البحث ومخابر البحث إلا في تقاطعات مناسبتية أملتها ظرفيات معينة وليس استراتيجيات إعلامية على الأقل متوسطة المدى، مؤكدا أن هذا ما أفرز واقعا إعلاميا جواريا يحتاج إلى تجاوز هذه النقائص لتفعيله وعندها يصبح فاعلا في تحقيق التنمية المحلية.

مهداوي: سنّ الثوابت والضوابط
من جهته أكد د.نصر الدين مهداوي باحث في الصحافة المكتوبة والملتيميديا، أن الإعلام الجواري الكلاسيكي يراعي خصوصيات المنطقة، ويهتم بطموحات وتطلعات المواطن وإعلامه بكل ما يحيط به وتوعيته وتوجيهه، كما يسهم في إشراك المجتمع المحلي في إنتاج المادة الإعلامية دون بقائه مجرد متلّقي في المجتمع، مضيفا أيضا بأن الإعلام الجواري يهدف إلى نقل الوقائع بكل نزاهة وشفافية خاصة الإذاعات الجوارية، بغية تنوير الرأي العام بمجريات المنطقة والتطوّرات والتحوّلات التي آلت إليها، وينقل تفاصيل المشاكل والأزمات والنقائص التي تشوب المنطقة من أجل تشخيصه للأزمة المحلية وسعيه الحثيث في إيجاد حلول لها، وفق إستراتجية إعلامية محكمة مع إشراك الأطراف الفاعلة في القضايا المحلية وذلك من منطلق مبدأ الاشتراكية والعمل الجماعي لتحقيق التنمية المستدامة وإنعاش المنطقة في مختلف القطاعات لتصبح الرائدة في مثال التحدي والرقي والتطوّر، ويشتد خناق التنافس بين مختلف الأقاليم والولايات من أجل التصعيد والنماء وهذا هو الهدف الأساسي.
 وأشار، إلى أنه مع تطوّر تكنولوجيا الإعلام والاتصال ومجيء الثورة التكنولوجية والانفتاح على الإعلام الإلكتروني والرقمي، تغيّرت أنماط الممارسة في الإعلام الجواري في ظل انتشار بوارد النشر الإلكتروني والصحافة الرقمية (صحافة الموبايل)، حيث صار المواطن المحلي يشارك في إنتاج المحتوى الجواري، باعتباره صحفي مواطن وينشره عبر الفضاءات الافتراضية بين الواقعية والزيف، وصار الإعلام الجواري «الرقمي» سلاح لهدم القيم ونشر ثقافة التعصّب الديني والعرقي والثقافي، وأداة لبعث العنصرية والتمييز والجهوية بين الأقاليم والمناطق، مرجعا ذلك إلى غياب الأخلقة في النشر، وعدم احترام مشاعر الجمهور ولا قيم وعادات المجتمع ككل.
 ويرى مهداوي بأنه حتى يسترجع الإعلام الجواري مكانته وحفظ ماء الوجه في المصداقية والنزاهة والأخلاق في الأداء المهني، لابد أن لا يترك زمام الأمور معلقة بهؤلاء المستخدمين المستعارين، الذين توجّهوا بالممارسة نحو تلاشي المنظومة القيمية في الولايات والمناطق الجوارية ـ باستثناء -، مؤكدا على ضرورة سيطرة الإعلام الجواري وفرض مكانته داخل هذه الفضاءات في نشر المحتوى المحلي في ظروف وأجواء مريحة، ترضي جميع أطراف الجمهور المحلي، وإشراكه في نشر المحتوى النزيه لتحقيق التنمية المحلية على مختلف الأبعاد الاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية والسياسية..
وقال، «حسب تطلعاتي الأكاديمية والعلمية، فإن الإعلام الجواري في الجزائر مهمش كثيرا ويعاني الإقصاء في ظل المركزية لوسائل الإعلام، مشيرا إلى أنه بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي ليسهم بشكل كبير في تحقيق طموحات وتطلعات الجمهور الجواري، ويسعى بشتى الأشكال والطرق والآليات لإيصال صوت المواطن الجواري إلى المحافل العليا، وأضاف بأنهم لا ينكرون المهام والوظائف التي يؤديها على المستوى المحلي كباقي المؤسسات الوطنية من إعلام وإبلاغ وإخبار وتثقيف، حيث إن هناك وسائل إعلام جوارية كالإذاعات تقدّم خدمة عمومية مجتمعية هادفة وبنّاءة.
كما أشار محدثنا، إلى أن الإعلام الجواري في الجزائر مقترن ومرتبط ارتباطا وثيقا بالإذاعة الجوارية والمحلية، والدور الفعّال الذي تؤديه في تناول قضايا الجمهور واهتماماته وأذواقه باعتبارها وسيلة اتصال جماهيرية متصلة بحياة الفرد، وسعيها الحثيث إلى شمل حركة التعليم وتيسير المعرفة للمواطنين، وبعث الوعي والتحسيس والتوجيه وتطوير الثقافة المحلية وترسيخها، مؤكدا أيضا على أن الجزائر تتوفّر على العديد من الإذاعات الجوارية الحافلة بالانجازات والخدمات، إذاعة المسيلة، إذاعة قالمة، إذاعة بشار، إذاعة أم البواقي.. كما أن هناك العديد من الإذاعات التي تحوز على شرف الريادة في مجال الإعلام الجواري.

إطلاق الإذاعات الرقمية الجوارية
وأفاد مهداوي، بأن الإعلام الجواري سلاح ذو حدين، وهو زبدة الإعلام الوطني، لكن نحتاج إلى تجسيد آليات ناجعة لتحقيق التنمية، أولا فرض الرقابة الآلية على متمرسي الإعلام الجواري سواء في الوسائل التقليدية أو الإلكترونية الرقمية، إضافة إلى سنّ الثوابت والضوابط الأخلاقية التي يتمّ تجسيدها في الأداء المهني الجواري، سواء على الصحفي أو المواطن، لا سيما إعادة النظر في الترسانة القانونية التي تنظم وتجدّد كيفيات ممارسة النشاط الإعلام الجواري، إحياء تظاهرات علمية فكرية ثقافية لتنوير الصحفي والمواطن بقيمة وفعالية الإعلام الجواري في تحقيق التنمية المحلية فى مختلف مجالات الحياة، كما يرى ضرورة التشجيع على إطلاق الإذاعات الرقمية الجوارية خاصة على مستوى فضاءات التواصل الاجتماعي، وضبط حدود نشاطها كرد لاعتبار الإذاعة الجوارية التقليدية التي تفتقر للسطوة الجماهيرية، لاسيما الخروج من قوقعة المركزية الإعلامية، وتمركز كل المؤسسات الإعلامية في العاصمة، مؤكدا على أن المركزية المؤسساتية للصحف والقنوات والإذاعات هي إجحاف في حقّ صحفيينا وطلبتنا في معاهد الإعلام ومواطنينا، ولكل الأسر الجزائرية الجوارية، الذي يسهم في تفاقم أزمة التمييز والجهوية والعنصرية والثقة.
وأضاف، بأنه لابد من محاربة كل أشكال الإقصاء الإعلامي التي تعاني منها المنطقة الجوارية، وتوسيع نطاق التأسيس والإنشاء للصحف والقنوات في كل ربوع الوطن، لتصب نافذة الجمهور للتعبير عن رأيه ونقل صيته من أجل آفاق واعدة ومتجدّدة لمستقبل زاهر للإقليم الجواري في تحقيق التنمية الشاملة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024