معلومات موضوعية موثوقة استأنس بها المواطن
مثلما تدعّم الاتصال كنقطة ارتكاز ومحور رئيسي تدور في فلكه كل القطاعات الإستراتيجية أثناء الكوارث وإدارة الأزمات، تعزّزت مكانة وسائل الإعلام الكلاسيكي بالأخص العمومي من صحافة مكتوبة وسمعية بصرية في المشهد الإعلامي، وتمكّنت باقتدار من إدارة ملف جائحة كوفيد 19، من حيث التوعية والتحسيس بأهمية الوقاية واحترام تدابير البروتوكول الصحي، مع مرافقة الهيئات المتخندقة في الصفوف الأولية على رأسها قطاع الصحة لمواجهة الكارثة الوبائية.
الوصف والمكاسب التي حقّقها الإعلام والكلاسيكي واسترجاع مساحات واسعة كان خسرها في الميدان ومعها جمهور كبير من القراء أمام المد الجارف لصحافة المواطن أو ما يعرف بالإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، ينطبق أيضا على الممارسات اليومية التي يخوضها الإعلام المحلي أو الجواري للمساهمة في التنمية المحلية واطلاع المواطن على مختلف المستجدات وتزويده بالأخبار والمعلومات الصحيحة من باب الحق في الإعلام، إلى جانب الانخراط بقوة في مهمة مكافحة جائحة كورونا ومرافقة المؤسسات والهيئات التي أخذت على عاتقها مكافحة الوباء حفاظا على السلامة العامة.
كما جعلت الكثير من الهيئات ومعاهد البحث الدولية المتخصّصة تعترف لهذا الحضور الفاعل لوسائل الإعلام التقليدية خاصة منها الحكومية التي وقفت إلى جانب المواطن وقت الشدة بمعلومات موثوقة عن انتشار الوباء بعيدا عن التهويل والتضخيم، ورافقت ولا تزال مختلف المجهودات المبذولة من قبل الدول والمؤسسات الصحية لمواجهة العدو المشترك غير المرئي، حيث أشار مؤخرا استطلاع أجراه معهد «ايبسوس»، «أنه لا يزال نصف الأمريكيين يثقون في وسائل الإعلام التقليدية، بينما تثق نسبة أقل بكثير بشبكات التواصل الاجتماعي، فيما يتعلق بطريقة الاطلاع على التطوّرات المتعلقة بجائحة كورونا والسلالة المتحوّرة.
وبهدف مناقشة الإشكالية وتثبيت هذه الافتراضية التي تؤكد على ثبات مبادئ الاحترافية التي يتصف بها الإعلام التقليدي وصموده أمام الهزات، احتراما لأهدافه في التوعية والتثقيف وتوجيه الرأي العام نحو تبني القضايا المشتركة، حاولنا إشراك عدد من الأكادميين ومسؤولين على قطاعات حيوية مرت طيلة أزمة كوفيد 19، على محكّ حقيقي من حيث القدرة على تسيير الأزمة وإشراك جميع الفاعلين في بناء استراتيجية احتواء متكاملة كان محورها عنصر الاتصال ووسائل الإعلام بكل أشكالها.
كوفيد 19 يعرّي الإعلام البديل
يقول الباحث والأستاذ بقسم الإعلام والاتصال بجامعة مولود معمري بتيزي وزو الدكتور شفيق ايكفان في هذا الموضوع، «لقد أثبتت الأزمة الصحية الأخيرة أن للمهنية دور محوري في تأسيس إعلام حقيقي يؤدي مهامه بالشكل الصحيح، فعلى مدار السنوات الماضية تمكّن ما يسمى بالإعلام البديل أو إعلام المواطن، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في استقطاب الرأي العام، واللعب على وتر السبق الصحفي والعمل الاستقصائي، لدرجة تنبؤ الكثير من المهنيين وحتى بعض المختصين في مجال الإعلام بانتهاء عهد الإعلام الكلاسيكي وبداية عهد جديد من الإعلام، فملايين الأخبار تتزاحم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حوالي ثلثي هذه الأخبار سبقت وسائل الإعلام الكلاسيكية في بثها، ما جعلها تكسب ثقة الجمهور وتعتبر هذا الإعلام بمثابة البديل المؤهل لإشباع الحاجات المعرفية والخبرية للجمهور.
أضاف الأستاذ بالقول، «أن أزمة كوفيد 19، عكست النظرة وأسقطت هذه الامبراطورية الإعلامية وأعادت للإعلام الكلاسيكي هيبته، فسرعان ما انتشرت الإشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص المعلومات الصحية، وتطوّر الأمر في بعض الأحيان إلى درجة إثارة الرعب والفوضى بين أوساط المجتمع، فالتضارب في الأخبار والرغبة في التميّز وترويج الصفحات والمواقع الإخبارية على حساب المصداقية والمهنية، حوّل هذه الوسائط الجديدة إلى مصدر للفوضى الإعلامية».
ولدى تقييمه لأداء الإعلام التقليدي خلال الجائحة ومساهمته في مكافحة الوباء إلى جانب المؤسسات المعنية بصفة مباشرة، أكد أستاذ الإعلام بجامعة تيزي وزو، «أن تعامل الإعلام الكلاسيكي خاصة العمومي الجواري منه جرى بعقلانية مع الملف الصحي، وحاول معالجة الأخبار الصحية بشكل أكثر احترافية مقارنة بالإعلام الجديد، ما جعل الجمهور يعود إلى هذه الوسائل الإعلامية لإشباع حاجاتها المعرفية».
في الأخير اعتبر الأستاذ ايكوفان «أنه لا يمكن بناء إعلام حقيقي خارج الأطر الاحترافية، فمهما بلغت التكنولوجيا الحديثة من مستويات عالية في خلق قنوات اتصالية يقودها عموم الناس وبوسائل بسيطة، تبقى خصوصية المهنية والاحترافية في الإعلام الجواري الكلاسيكي أهم بكثير»، مشيرا أيضا «أن الإعلام الجواري غالب التحوّلات التقنية والتوجهات الإعلامية الجديدة ولم تغلبه، وأثبت منذ وجوده قدرته وكفائتة في صناعة إعلام حقيقي مبني على الشقّ المهني والأخلاقي، وحتى صناعة الرأي العام في ظلّه كان يتمّ وفق قواعد موضوعية، ما جعل هذا الرأي العام يمتاز بالقوة والديمومة لفترات طويلة، عكس هذا الأخير في ظلّ الإعلام الجديد، أين أصبح يتشكّل بسرعة، دون سندات قوية ولفترات قصيرة»
دور فاعل للإعلام الجواري
ثمّنت مديرة التجارة لولاية بومرداس سامية عبابسة لدى تحليلها للعلاقة التي تربط النشاط التجاري القطاع الحيوي في يوميات المواطن والدور الكبير الذي يقوم به الإعلام المحلي بالأخص وسائل الإعلام العمومية في توعية وإرشاد المستهلك، ونقل انشغالاته اليومية المتعلقة بظاهرة المضاربة في أسعار المواد الغذائية والخضر والفواكه التي تزداد حدة في المناسبات والأزمات منها جائحة كوفيد 19، واصفة الإعلام الجواري «بالشريك الفعّال» الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو إنجاح مختلف المشاريع والسياسات التي سطرتها الدولة وباقي الهيئات والمؤسسات منها قطاع التجارة، حيث يحرص على إشراك وسائل الإعلام في الأنشطة المتعلقة بعمل أعوان الرقابة وقمع الغش، الحملات التحسيسية وعرض الحصائل الدورية».
أضافت مديرة التجارة بالقول، «إن الإعلام المحلي لعب دورا كبيرا إلى جانب القطاعات الحساسة الأخرى الأمنية، الصحة، التجارة، الحماية المدنية في مكافحة وإدارة أزمة كورونا، بنقل حملات التحسيس والتوعية، قوافل التضامن، وباقي الأنشطة الخاصة لعملية حماية المستهلك من جشع المضاربين، مع كتابة تقارير عن حصيلة تدخلات أعوان الرقابة وحجز المنتجات المخزّنة بغرض المضاربة أو منتهية الصلاحية».
كما تحرص مديرية التجارة على إشراك ممثلي وسائل الإعلام المحلية في خرجات الرقابة لمتابعة مدى احترام التجار لشروط الممارسة، النظافة في إطار حماية المستهلك من مخاطر التسمّمات الغذائية ودعوته إلى تجنب التبذير بالخصوص في هذه الأيام من شهر رمضان.
في سؤال حول استراتيجية الاتصال المعتمدة من قبل مديرية التجارة ومكانة الإعلام العمومي ودوره، ركزت سامية عبابسة في ردها على مفهوم «المصداقية والموضوعية» التي تبقى بنظرها ركائز أساسية وعلامة مسجلة يتحلى بها هذا النوع من الإعلام الذي يسهر على تقديم خدمة عمومية متوازنة تتسمّ بمراعاة المصلحة العامة مقارنة مع إعلام المواطن ومواقع التواصل الاجتماعي، وقالت في هذا الخصوص «إننا في مثل هذه القطاعات الحيوية نتفادى المغامرة الاعلامية ونتحفظ في التعامل مع مواقع وصفحات مجهولة المصدر لا تلتزم بأخلاقيات المهنة ومبدأ الخدمة العامة، على عكس وسائل الإعلام التقليدية التي تبقى تشكّل قنوات رئيسية وهمزة وصل هامة بين الإدارة والمواطن أو المستهلك».
الإعلام الجواري عيننا
قدّر مدير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات لولاية بومرداس سعيد اوعباس عاليا الدور الذي يقوم به الإعلام الجواري وبالخصوص الإعلام التقليدي العمومي، واصفا إياه «بالشريف والشريك النزيه الذي رافق ويرافق مجهودات قطاع الصحة بالولاية في مكافحة جائحة كورونا، وتبليغ إجراءات الوزارة الوصية وسياستها المتبعة في حصر الوباء، عن طريق التوعية والتحسيس بتدابير البروتوكول الصحي، والتحذير من التهاون والتراخي الذي أظهره المواطن لتجنب موجة ثالثة تهدّد الصحة العمومية».
قال اوعباس، «إن الصحفيين مشكورين على العمل الذي يقومون به في مجال التوعية والتحسيس ومشاركة قطاع الصحة في مختلف الخرجات التي يقوم بها، كان آخرها تغطية فعاليات القافلة الطبية التي توجهت للتكفل بالانشغالات الصحية لفائدة سكان مناطق الظل بالأخص كبار السن منهم، مع القيام بعملية تحسيسية لإقناع المواطنين بأهمية تلقي اللقاح ضد كوفيد 19 لتحقيق مناعة جماعية تمنع انتشار موجة جديدة من السلالة المتحورة».
بخصوص مكانة الإعلام والاتصال وأهميته بمديرية الصحة، وأهمية تمرير المعلومة الصحية لفائدة المواطنين خاصة في حالة الأزمات، أكد سعيد اوعباس في هذا الإطار، «أن مديرية الصحة لبومرداس فتحت أبوابها لوسائل الإعلام من أجل الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة حول الوضعية الوبائية وغيرها مباشرة من المصدر، وهذا بناء على تعليمات والي الولاية الهادفة إلى أهمية فتح قنوات التواصل من أجل توعية المواطنين واطلاعهم على مختلف المستجدات الخاصة بتطور كوفيد 19، للمساعدة على الوقاية واتخاذ التدابير اللازمة».
في سؤال عن طريقة تعامل مديرية الصحة مع مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية استغلال الصفحة الرسمية»، قال مدير الصحة لبومرداس، «نحن نتعامل بحذر مع هذه المواقع والصفحات بسبب أزمة المصداقية، مع الاكتفاء بعملية الاستئناس والاطلاع على انشغالات المواطنين في بعض المناطق التي لا يمكن مراقبتها بصفة تامة بالخصوص ما تعلّق بأزمة المياه واختلاطها بشبكة التطهير خوفا من انتشار الأمراض المتنقلة، في حين تبقى الصفحة الرسمية تعتمد على مبدأ التوعية والتحسيس ومتابعة القوافل الصحية وحملة التلقيح ضد كوفيد 19، مع عرض النشاطات العلمية والتكوينية للمؤسسات الصحية في الميدان».