لا شكّ أن العمل الصحفي في الشأن الدولي له ما يميّزه عن غيره، على اعتبار أن الإعلامي المتخصّص فيه يقوم بدورين في ذات الوقت، فهو الذي يتابع الأحداث الخارجية، يفهمها ويحيط بخلفياتها ومن ثمة يعالجها وينقلها للقارئ واضحة مبسّطة، وهو بذلك «الدبلوماسي» الذي ينشغل بالشأن الخارجي للدولة ويهتم بسياستها وقضاياها الخارجية، فينقل مواقف البلاد، مدافعا عن قراراتها ويساهم في صنع رأي عام تجاه مسألة ما. وازدواجية الدور هنا يجعل المهمة في غاية الصعوبة، فالمصالح الإستراتيجية لأيّ دولة تستدعي إعلاما متمكّنا وقادرا على أن يكون أداة للدبلوماسية لا عقدة في منشارها، وفاعلا قوياّ في تنفيذ السياسة الخارجية و»سلاحا» لمواجهة وردّ أيّ تجاوز أو تهديد خارجي، وقبل ذلك وبعده محرّكا داعما للدولة في علاقتها مع باقي المجموعة الدولية.
المهمة، كما تبدو، ليست سهلة والإعلامي الذي يؤدّيها يجب أن يحمل خصائص محدّدة تجعله شبيها بالدبلوماسي، فيكون ذا ثقافة سياسية واسعة، ملمّا بالشأن الخارجي وخباياه، ما يمكّنه من مواكبة العمل الدبلوماسي في خصوصياته وتعقيداته وحساسيته، ويجعله قادرا على فهمه كي يعكسه إعلاميا بأفضل صورة ممكنة، حتى يحسن الدفاع عن البعد الحيوي والإستراتيجي للبلاد.
«الإعلامي الدبلوماسي» - إن جاز قول ذلك - يجب أن يضع لنفسه حدودا وضوابط لا ينبغي له تجاوزها بما قد يسيء إلى علاقات بلاده مع دول أخرى، ولا يجب عليه أن يجتهد لنقل صورة مغايرة للواقع أو مضرّة بالمصلحة الوطنية، وكم هي عديدة الأزمات التي تنشب بين الدول ويكون الإعلام سببا في تفجّرها أو في نفخها وتفاقمها عن قصد أو دونه.
القوة الناعمة
يختلف عصرنا الحديث كثيرا عما سبقه، فالدول لم تعد تستهدف مباشرة بالغزو والاحتلال بقوة السلاح، وإنما بواسطة توظيف أدوات الإعلام الحديثة المتاحة للجميع والقادرة على ضرب استقرار الدول ونسف وحدة شعوبها والزجّ بها في حروب مدمّرة، كما سبق وحصل في أحداث «الربيع الدموي»، الذي حطّم دولا عربية بسلاح الإعلام وما كان يقذفه من أكاذيب وأخبار مزيّفة ومؤجّجة وموجّهة.
اليوم، تواجه الدول والمجتمعات أنواعا جديدة من الحروب غير المعلنة التي تستهدف أمنها واستقرارها، وهي الحروب الإعلامية الإلكترونية، التي تعددت الجهات التي تمارسها، سواء كانت دولاً معادية، أو تنظيمات متطرفة وإرهابية، أو منظمات عالمية، أو أفراداً من الداخل أو الخارج يحملون أجندات دخيلة أو آخرين مخدوعين استُغلت عواطفهم وغُسلت أدمغتهم، ما يضع رجل الإعلام في الواجهة ليكون أوّل مدافع عن الوطن وداعم لوحدته وقضاياه.
من هذا المنطلق كان ينبغي للدول أن تضع استراتيجيات محكمة لتطوير إعلامها حتى يكون في المستوى المنشود في مواجهة الأخطار والتصدي للجهات المعادية، ودعم قضايا البلاد في سياساتها الداخلية والخارجية، وتعزيز سمعتها، وإيجاد منصات إعلامية متنوعة داخلياً وخارجياً تخدم هذه الأغراض.
ومن المهم توجيه الخطاب الإعلامي المناسب للمجتمعات الأخرى، عبر توظيف اللغات العالمية التي تخدم ذلك، للتأثير الإيجابي في الرأي العام الخارجي بما يخدم القضايا الوطنية.
في الأخير، نؤكّد بأن دور الإعلام في حماية البلدان كبير، وتطوير استراتيجياته يتطلب جهوداً مستمرة في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع.
وبالرغم من عظمة دوره، يمكن اعتبار بأن الإعلام الجزائري بحاجة إلى قوّة دفع، حتى يكون أكثر فعالية وقدرة على مساعدة الدولة في مواجهة التحديات التي تعترضها وفي الدفاع عن سياستها الخارجية ومصالحها الإستراتيجية.