استمرار الوضع سيتطلب إجراءات مستعجلة لحماية العمال وأسرهم
بالرغم من المحاولات والجهود لمرافقة المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة منها، خلال فترة الجائحة وتخفيف الأعباء الاجتماعية، إلا أن الكثير منها تأثر بتداعيات كوفيد-19، ما جعلها تتخذ إجراءات استباقية وأحيانا قاسية في سبيل ضمان أداء مهامها واستمرار نشاطها بل وبقاء وجودها جراء معاناتها من صعوبات مالية، فبالإضافة إلى التزامها بالبروتوكول الصحي وتقليص العمل بالحد الأدنى، تم التخلي عن الكثير من المناصب بسبب الخسائر التي تسببت فيها كورونا مخلفا وراءه فئة هشة كانت تحسب على الطبقة الشغيلة لتواجه مصيرا مجهولا.
أوضح الخبير الاقتصادي والمالي سليمان ناصر لـ «الشعب»، أن الطبقة الشغيلة بالجزائر تعاني منذ سنوات، غير أن أزمة كورونا زادت من حدة معاناتها، فهناك الكثير ممن فقد وظيفته نتيجة لجوء الكثير من المؤسسات الناشطة في القطاع الخاص إلى تسريح العمال أو العمل بالحد الأدنى، ما أثر على مدخولها وجعلها في خانة حمراء تستجدي المساعدة.
ويرى الخبير، أن تدهور القدرة الشرائية في الأشهر الأخيرة، كان له الأثر الكبير في معاناة المواطن، بسبب نقص المداخيل وتدهور قيمة الدينار الوطني الذي يستمر في الانهيار، خاصة وأن تخفيض قيمته سيستمر إلى غاية سنة 2023 بحسب ما تضمنه قانون المالية الجديد في إطار ما يسمى بالتعويم.
وبحسب سليمان ناصر، فإنه في حال استمرار الركود الاقتصادي وعدم استقرار الوضعية الوبائية، يتعين على السلطات اتخاذ إجراءات عاجلة للمحافظة على السلم الاجتماعي واستقرار العائلات، خاصة ذوي الدخل الضعيف والفئات التي تلتحق تباعا بهذه الفئة نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية.
وقدم المتحدث جملة من المقترحات التي من شأنها تخفيف معاناة المواطنين، من بينها توسيع إعفاء الضريبة على الدخل الذي يعد مكسبا حقيقيا، غير أنه يبقى غير كاف، بل لابد من أن يشمل الفئات التي يصل دخلها إلى 40 ألف دينار، توسيع سلة المواد المدعومة كالحليب والسكر والبنزين والزيت لتشمل مواد غذائية أخرى كالعجائن والبقوليات التي تعد قوت الفقراء، عن بعض المواد الغذائية المستورد وتستهلك على حالتها، بالإضافة إلى تخفيف الضرائب الجمركية عن المواد الغذائية لا تدخل في المواد الأولية.
وطرح الخبير الاقتصادي إمكانية الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال تخفيف الضرائب الجمركية على المواد الأولية التي تدخل في إنتاج المواد الضرورية، كالأعلاف المرتبطة ارتباطا وثيقا بإنتاج اللحوم البيضاء وتربية الدجاج، مشيرا إلى أن الحكومة كانت قد اتخذت إجراءات في هذا الخصوص، لكن لابد من توسيعها لتشمل أعلافا أخرى لحماية القدرة الشرائية للعمال وأسرهم.
وبخصوص ترقية الحوار الاجتماعي، دعا سليمان ناصر إلى عدم تمييع العمل النقابي بهدف تركيز الجهود على مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة في الوقت المناسب وبالطريقة الفضلى، التي تضمن عدم هدر الإرادة الموجودة وكسرها كما كان معمولا به في الممارسات السابقة، فالوضع الحالي يحتاج إلى الوحدة وتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى والأهداف لتفادي عواقب، نحن في غنى عنها وبالإمكان تفادي ذلك بالحوار البناء والهادف.
وبخصوص التوجهات الجديدة للاقتصاد، خاصة ما تعلق بالرقمنة وتعزيز الابتكار والذكاء الاصطناعي، أكد المتحدث أن هذه النقاط هي من بين المحاور الكبرى لالتزامات رئيس الجمهورية من أجل إنشاء منظومة اقتصادية قوية، مشيرا إلى إمكانية تحقيق ذلك، خاصة وأن التكنولوجيات الحديثة ليست مشكلة بالنسبة للجزائريين الذين لديهم قابلية كبيرة في التكيف والتعامل معها ولا وجود لموانع في الاستثمار في هذا التوجه.
في المقابل نبه الخبير إلى أن التكنولوجيات الحديثة ستؤدي إلى اندثار بعض المهن ومعها إحالة بعض من العمال على البطالة، ما يستدعي - بحسبه- إلى حماية هذه الفئة وابتكار حلول من شأنها إدماجها في هذا التوجه الجديد.