بين ارتفاع الأسعار بشكل عشوائي ومحاذير تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، استعاد الجزائريون إلى حدّ كبير، هذه السنة، الأجواء الروحانية والاجتماعية لشهر رمضان الفضيل، بافتتاح المساجد أمام المصلين وتخفيف تدابير الحجر الصحي، بمعظم ولايات الوطن، فيما تستمر أطراف الاستثمار في بث الإشاعات وخلق الندرة.
في وقت أعادت دول عديدة العمل بالإغلاق الصارم، تحت وطأة موجّة جديدة لوباء كوفيد-19، بالرغم من كل ما بذل في سبيل تلقيح مواطنيها، استقبلت الجزائر، شهر الصيام، بأريحية لافتة، نتيجة استقرار المعدل اليومي للحالات المؤكدة عند الـ 100.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة رمضان 2021، بسابقه العام الماضي، حيث كان الرعب والارتباك يعمّ أرجاء الوطن جراء الفيروس الجديد الذي انتشر وسط السكان الدول وانتقل بين القارات بشكل سريع، حيّر العلماء وأعجز المخابر عن تحديد مصدره وتركيبته الجينية قبل الشروع في تصميم اللقاح المضاد.
في السنة الماضية، أغلقت أبواب المساجد أمام المصلين، بتراخيص شرعية رأت بأولوية حماية أنفس المسلمين. وتناول الجزائريون، مثل غيرهم، وجبة الإفطار على صوت المؤذن وهو يختم الآذان بعبارة «صلوا في بيوتكم»، بينما كان لازما عليهم دخول المنازل على الساعة الثالثة (العاصمة) أو الخامسة بعد الزوال في أغلب الولايات، امتثالا لتدابير الحجر الصحي.
ولم يكن متاحا تبادل الزيارات الليلية ولا التنقل بين الولايات، ولا حتى التنقل إلى ولاية البليدة، لاقتناء «زلابية» بوفاريك الشهيرة، فحتى التراخيص الاستثنائية التي منحت لأصحاب محلات الحلويات التقليدية، قصد مزاولة النشاط، سرعان ما تمّ التراجع عنها بعد الأسبوع الأول، عقب تسجيل خروقات في احترام الإجراءات الصحية.
وكان مقرّرا العام الماضي، تدشين المسجد الأعظم، في أول أيام رمضان، بحسب ما أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في خطابه للأمة يومها، لكنه تأجّل، مثلما تأجلت علقت كثير من الأنشطة الاقتصادية والتجارية.
هذه السنة، ومع التحكّم في الوضع الوبائي، بفضل «وعي المواطنين» وجهود «الجيش الأبيض»، من أطباء وممرضين، «والتسيير البراغماتي» للجائحة، مثلما صرّح الوزير الأول عبد العزيز جراد مطلع الأسبوع، استعاد الجزائريون ـ على اختلاف وظائفهم ـ جزء كبيرا من الأجواء المعتادة للشهر الفضيل.
نفحات روحانية
لاحت نسائم شهر الصيام، منذ تأكيد وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أداء صلاة التراويح بجميع مساجد (ما عدا المسجد الأعظم)، وهو قرار أثلج الصدور، نظير تعلق الجزائريين بهذه العبادة التي تعدّ من أقوى نفحات رمضان، حيث تصدح من مكبرات الصوت أجود تلاوة المقرئين للقرآن الكريم.
ومنذ الثلاثاء، يتوزع المصلين، كل عشاء، داخل المساجد وبساحاتها، في تباعد محكم، يشرف عليه منظمون متطوعون، لأداء التراويح، بشكل مخفف (قراءة حزب واحد) بناء على قرار الوصاية بالتشاور مع اللجنة العلمية المكلفة برصد وتفشي فيروس كورونا، والتي سبق وأكدت أن المساجد أفضل المرافق في تطبيق تدابير الوقاية والتباعد.
فرحة الجزائريين، بالعودة إلى بيوت الله هذا رمضان، حاول البعض إفسادها ببث الإشاعات المغرضة، على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لم تسلم مشاعر المسلمين وأمورهم الربانية من محاولة التلاعب وبث الفتنة، من خلال نسبة تصريحات كاذبة إلى وزير الشؤون الدينية سرعان ما نفاها جملة وتفصيلا، على غرار منشور زائف زعم أن صلاة التراويح لا يمكن أن تزيد عن نصف ساعة)، والأصح أن الوصاية نصحت بحزب واحد من بابي التخفيف والاحتراز قصد الحفاظ على المستوى المستقر لعدد الإصابات.
مظاهر مألوفة
ومع رفع ساعات الحجر الصحي من الساعة الحادية عشر ليلا إلى غاية الرابعة صباحا، بتسع ولايات فقط، سادت المظاهر المألوفة قبل تفشي الجائحة، في المدن والأسواق، فكل المحلات مفتوحة تزاول الأنشطة التجارية المعتادة، مع لافتات على واجهاتها تحدد عدد الأشخاص داخل المحل وإجبارية وضع الكمامات، حتى وإن حدث بعض التراخي اللافت في معظم المدن.
كما عادت هذه السنة، مطاعم إفطار الصائم (مطاعم الرحمة)، بعد غيابها السنة الماضية، وفي وقت تناولت بعض الأقلام في الأسابيع القليلة الماضية، ما اعتبرته «ندرة المحسنين»، بسبب ما قالت إنها «وضعية اقتصادية صعبة» نتيجة الركود الذي عاشته البلاد وأصحاب المهن الحرة والمشاريع بسبب تدابير الحجر الصحي، غير أن مظاهر التضامن والتآزر ظلت لصيقة بالجزائريين، ونصبت في كل ولاية خيام ومطاعم لإفطار الصائمين، من قبل المحسنين.
تصرفات بائسة
الفرج السار، الذي تعيشه الجزائر هذه الأيام، حاول البعض جاهدا، تعكيره باجترار سلوكات لا ترتقي إلى طموحات المجتمع في تنظيم شؤونه ويومياته، ومن هذه المظاهر البائسة، غلاء أسعار المواد الغذائية غير المفهوم وغير المبرر، على غرار السنوات الماضية.
دورة الأسعار ترتفع في الأسبوع الأول من الشهر لتستقر مع بداية الثاني ثم تنخفض في المنتصف لتلتهب مجددا عشية العيد، وكل هذا يحدث خارج قاعدة العرض والطلب، بدليل أن وفرة المنتجات وخاصة الزراعية متوفرة طيلة أيام السنة تقريبا.
وراهنت وزارة التجارة، على إطلاق موسم التخفيضات في 07 أفريل الجاري على أن يستمر إلى غاية ثاني أيام عيد الفطر المبارك، قصد كبح جماح التجار المضاربين والجشعين.
وتأكد بما لا يدع مجال للشكّ أن مسار أخلقة العمل التجاري، مزال طويلا، حيث إن هوامش الربح وشفافية تقلبات أسعار السلع والمواد الأولية المستوردة من الخارج، لازالت غير مفهوم لدى الرأي العام، ومن غير المنطقي الاستمرار في إدارة السوق بعاملي رضى أو رفض الزبون، وإنما بالواقعية المبنية على القيمة الحقيقة للسلعة.
غياب هذه الحقيقة، أدى ببعض الجهات إلى تعطيل سلسلة التموين ببعض المواد الأساسية، كالزيت والسميد في بعض الولايات، بالرغم من أن المخزون وفير ويكفي لعدة أشهر، بينما نحج هؤلاء، في إيهام المواطن بالندرة التي ستترجم قريبا في المفارغ العمومية، أين ينتهي جزء معتبر من أموال الدعم الاجتماعي.
وإذ تمثل استعادة أجواء الشهر الفضيل، مكسب مهما للجزائريين، بالنظر للأوضاع الصعبة التي تعرفها دول مجاورة، يبقى الرهان الأكبر إدارة هذا المكسب بنجاح لتفادي إعطاء مصادر القوة للفيروس للقاتل.-