سنة على إقرار الحجر الصحي

إستراتيجية مدمجة لمواجهة أخطر أزمة صحية

حمزة محصول

تمرّ غدا سنةٌ على إقرار التدابير الشاملة لمواجهة أخطر أزمة وبائية في تاريخ الجزائر المستقلة. وراعت السلطات العمومية في تلك الإجراءات الجوانب العلمية، الاقتصادية والإنسانية، مع اعتماد «الطمأنة» و»اليقظة الصحية» في فرض الحجر الصحي بشكل تدريجي ولا مركزي.

في وقت تساهلت كثير من البلدان في التعاطي مع فيروس كورونا المستجد الذي ظهر في الصين، شهر ديسمبر 2019، وإلقاء اللوم على هذه الأخيرة أو حتى إنكاره، جابهت الجزائر الوباء بجدية بالغة وبتضامن لافت، بعد أن تحول في ظرف أيام قليلة إلى جائحة وضعت 8 ملايير نسمة في حجر منزلي إجباري.
وبأمر من الرئيس عبد المجيد تبون، أرسلت الجزائر في 02 فيفري 2020، هبة تضامنية إلى الصين، شملت 500 ألف قناع واقي ثلاثي الطبقات و20 ألف نظارة واقية و300 ألف قفاز طبي.
وقبل ذلك، أمر الرئيس بإجلاء 36 رعية جزائرية، ومعظمهم طلبة، يتواجدون بمدينة ووهان الصينية مركز الوباء. وفي لفتة إنسانية أجلت الجزائر طلبة من ليبيا وتونس وموريتانيا، في نفس الرحلة الجوية التي خصصت لترحيل الجزائريين.
حالة الاستنفار والارتباك العالمي، من التفشي السريع لكوفيد-19، تزامنت ووضع خاص للجزائر، التي كانت قد استعادت لتوها الشرعية الدستورية لمنصب رئيس الجمهورية (رئاسيات 12 ديسمبر 2019)، وباشرت في مسار التغيير المؤسساتي، بدءاً بتنصيب لجنة تعديل الدستور، وفتح الملفات الاقتصادية المستعجلة وعلى رأسها المراجعة الجذرية للسياسة الصناعية.
وبعد أقل من 10 أيام على مصادقة البرلمان على مخطط عمل الحكومة، أعلنت أولى إصابة بفيروس كورونا لرعية إيطالي، يعمل بمنشأة نفطية في حاسي مسعود، لتدخل بعدها الجزائر فعليا في الظروف المعقدة للأزمة الصحية، بدءا من 02 مارس 2020، عقب تسجيل أولى الإصابات وسط الجزائريين وتحديدا بولاية البليدة.

أسبوع لضبط كل شيء

في ظرف وجيز، تحولت كل السياسات العمومية للدولة، إلى استراتيجية «مدمجة» للتعاطي مع أخطر أزمة صحية تعرفها البلاد منذ الاستقلال، أشرف على تنفيذها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، والطاقم الحكومي، وكل المؤسسات الإستراتيجية للدولة.
وبدا واضحا، أن الجزائر فهمت سريعا بأن الأمر يتعلق بأزمة «مزدوجة» لها آثار قاتلة على صحة المواطنين، وتداعيات مدمرة على الاقتصاد الوطني، لذلك راعت القرارات المتخذة في الفترة ما بين 15 و23 مارس 2020 كل الجوانب، بما فيها الروحية.
وبعد تعليق الدراسة ومباريات كرة القدم وكل الأنشطة الرياضية، مرت السلطات العمومية إلى السرعة القصوى، في 17 مارس من نفس السنة، حين خاطب رئيس الجمهورية الأمة قائلا: «لقد اتخذت الدولة منذ الإعلان عن ظهور هذا الوباء إجراءات استعجالية احترازية للتصدي له، لأنه لا شيء أغلى عند الإنسان من صحته ولا شيء أعز عند الدولة من صحة المواطن وهنائه وكرامته».
وأعلن في ذات الخطاب، عن غلق الحدود الجوية والبرية والبحرية للبلاد، وتعليق النقل العمومي بين الولايات، ومنع تصدير المنتجات الإستراتيجية مهما كان نوعها، وتعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد وغلق المساجد والاكتفاء برفع الآذان، استجابة لطلب لجنة الإفتاء، بعد مصادقة كبار شيوخ وعلماء الأمة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وبعد يومين، أقر الرئيس، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، تدابير اقتصادية غير مسبوقة لتعزيز المقاومة الاقتصادية للبلاد، بعد التهاوي المتسارع لأسعار النفط.
ومن بين تلك القرارات تخفيض قيمة فاتورة الاستيراد من 41 إلى 31 مليار دولار عن طريق تخفيض نفقات ميزانية التسيير بـ30 بالمائة دون المساس بأعباء الرواتب. إلى جانب التوقف عن إبرام عقود الدراسات والخدمات مع المكاتب الأجنبية، مما وفّر للجزائر حوالي سبعة ملايير دولار.
وكلف رئيس الجمهورية، شركة «سوناطراك» بالتخفيض من أعباء الاستغلال ونفقات الاستثمار من 14 إلى 7 ملايير دولار «قصد الحفاظ على احتياطي الصرف»، بحسب ما جاء في بيان مجلس الوزراء يومها.
وفي 23 مارس، خرج المجلس الأعلى للأمن، برئاسة الرئيس تبون، وخصص لمتابعة الوضع الوبائي في البلاد، بـ16 قرارا، أبرزها وضع ولاية البليدة «تحت الحجر التام في البيوت لمدة عشرة (10) أيام قابلة للتمديد، مع منع الحركة من وإلى هذه الولاية».
وبدأ العمل في ولاية الجزائر، بالحجر الصحي الجزئي، من الساعة السابعة (19:00) مساء إلى السابعة (07:00) صباحا، ليمتد القرار تدريجيا إلى كل الولايات بحسب تطور الوضع.
المسؤولية وطبيعة القرار
في عز الأزمة الوبائية وعلى ضوء انهيار سعر برميل النفط إلى سالب (-) 30 دولارا للبرميل في الولايات المتحدة الأمريكية، علق الرئيس اجتماعات مجلس الوزراء، لبعض الأسابيع، لكنه استمر في الحوارات الشهرية مع وسائل الإعلام الوطنية.
في أحد اللقاءات، قال إنه: «مستعد لتوقيع قرار بـ1 مليار دولار لمواجهة الوباء»، غير أنه أكد على التعاطي الهادئ والمبني على القرار العلمي وليس السياسي للتحرك من موقع المسؤولية الوطنية للسلطات العمومية.
الإستراتيجية المدمجة، التي أقرها الرئيس، راعت البيداغوجية العالمية المتعارف عليها في تسيير الأزمات، من خلال تنصيب لجنة علمية من كبار الأطباء والمختصين وطنيا في الأمراض الفيروسية، وتشكيل لجنة وزارية للفتوى مع تمكينهما من كل صلاحيات صناعة القرار النهائي بما يتماشى وضوابط المجتمع الجزائري المسلم.
ودافع تبون، بقوة، عن الكفاءات العملية الوطنية التي أسندت لها مهمة متابعة ورصد تفشي فيروس كورونا، قائلا: «العلماء الجزائريون من أحسن العلماء في العالم». وكل ما اتخذته الحكومة من قرارات جاء تحت عبارة «بعد أخذ رأي اللجنة العلمية».
في المقابل، حرص الرئيس على محاربة الأخبار الكاذبة المتعلقة بالوضع الوبائي، تفاديا لأي «تهويل» يتعارض مع «طمأنة» المواطنين، وجسد لأول مرة فعليا لامركزية القرار من خلال تمكين الولاة من اتخاذ قرار الحجر الصحي وحتى الدخول المدرسي مراعاة للحالة الصحية محليا.
وأخذت الجزائر الأزمة الوبائية بشكل «كلي»، بحيث اعتبرتها فرصة لإعادة بناء القطاع الصحي في البلاد على ركائز حديثة، بدءا بإصلاح المستشفيات، وصولا إلى الصناعة الصيدلانية وتنصيب وكالة للأمن الصحي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024