اعتبر رئيس المكتب الولائي لنقابة النفسانيين الجزائريين بورقلة والأخصائي النفساني، وحيد مكيو، في حديث خص به «الشعب ويكاند» حول الاستعداد النفسي للفرد الجزائري لتلقي جرعات اللقاح ضد فيروس «كوفيد-19»، أن اعتماد إستراتيجية تلقيح الفئات الأولى من شأنها بعث الطمأنينة في نفوس الجزائريين تدريجيا، لأن لو أن هناك أدنى شك لما تم وضع أفراد السلك الطبي والأسلاك الإستراتيجية في المقدمة.
أكّد الأخصائي النفساني أن الجزائري اليوم في حاجة لرسائل تعتمد أساليب للاقناع تراعي خصائص شخصيته، لذلك من المهم تجنيد كل الفعاليات وذلك بالتعاون مع الأخصائيين النفسانيين والأساتذة الجامعيين وعلماء الاجتماع والتربويين والجمعيات الفاعلة في هذا الميدان، من أجل تقديم مضامين مقنعة بالنسبة له، موضحا أن ذوي الاختصاص مدعوون اليوم من أجل دراسة وتقديم رؤيتهم في هذا الموضوع من باب تخصصهم من أجل فعالية أفضل في عملية التلقيح ضد الفيروس.
دراسة الأثر النّفسي لـ «كورونا» ضرورية
يرى الأخصائي النفساني وحيد مكيو، أنّ الآثار النهائية لـ «كورونا» على نفسية الفرد الجزائري لا يمكن الحديث عنها بشكل أدق وتحديد ما إذا كانت إيجابية أو سلبية، إلا بعد انتهاء الوباء بمدة أطول ورغم ذلك فتأثيرها على بعض السلوكيات يبدو واضحا.
وقال المتحدث بهذا الصدد، إن من ميزات كورونا أنه ولأول مرة يتم التعامل مع فيروس غير واضح المعالم، في ظل غياب كبير لخطابات علمية صريحة، لذلك فالأكيد أنها وقعت في شكل صدمة صاحبها تطور سريع خلّف الكثير من الخوف. وبينما ظهر الوباء وفُرض الحجر أيام جد قليلة، فُرضت التعليمات الوقائية على الفرد الجزائري فجأة بعض التغيير في سلوكه، وهو معروف بكونه أكثر اجتماعية في علاقاته وعاداته في المناسبات والأعياد والمجاملات الاجتماعية كالأعراس والحفلات.
لذلك أظهر في بادئ الأمر نوعا من اللامبالاة، التي كان يعتقد البعض أنها نتيجة عدم وعي، إلا أنها في حقيقة الأمر كانت ردة فعل طبيعية، لأن الصدمة تحفز ميكانيزمات الإلغاء أو عدم التصديق واليقين بأن الخطر بعيد، وهو شيء يتماثل مع شخصية الجزائري الندية، وهذا ما لاحظناه في تصريحات العديد من المواطنين الذين ردّدوا عبارات أن كورونا لن تتمكن منا.
من جهة أخرى، ساهمت المعلومة المغلوطة وغير المؤكدة في تغذية عمق الصدمة والخوف مما أدى إلى انتشار مظاهر، مثل طوابير شراء المواد الغذائية ومادة السميد والصور التي تم تداولها حول هذه الظاهرة.
من هذا المنطلق، أكد الأخصائي النفساني وحيد مكيو أن دراسة الأثر النفسي لكورونا، من المهم أن تحظى بقدر كبير من الأبحاث والدراسات التي تصب في هذا المجال خلال المرحلة القادمة، ومن المستحسن أن تكون ميدانية أكثر.
كما أشار إلى أن العديد من الجهود بذلت من طرف الأخصائيين خلال هذه الفترة من خلال شبكة خاصة، أنشأها أطباء نفسانيين، من أجل تقديم استشارات تعمل بشكل موازٍ مع الرقم الأخضر 3030 تحت وصاية وزارة الصحة، وهي تجربة تم الاعتماد عليها لتحليل بسيكولوجية الفرد الجزائري، التي لاحظنا خلالها تغيرا في بعض السلوكيات - كمال قال - بعضها صبّ في الجانب الايجابي والبعض الآخر كان سلبيا.
وعاد مكيو للتفصيل في تأثير كورونا على نفسية الفرد، موضحا أن العديد من العوامل ضاعفت من حجم الضغط النفسي على الجزائري، الذي عايش ولأول مرة مناسبات، تحظى بأهمية في أجندته الاجتماعية، مثل شهر رمضان والأعياد وموسم الاصطياف في أجواء مختلفة تماما، كما تعطّلت أشغاله بسبب كورونا ونظرا للتوقف المؤقت لبعض الإدارات والمحاكم وتأجيل اجتماعات وقرارات هامة، ناهيك عن توقف الدراسة بعد غلق المدارس وبقاء الأطفال في البيت.
كل هذه الظروف مجتمعة ساهمت في التأثير على سلوك الأفراد، وأحدثت نوعا من التحول في شخصية الجزائري، الذي كان إيجابيا في عدة مظاهر، من بينها أنه أصبح أكثر كرما، أكثر اقتصادا وعاد بقوة لارتباطاته العائلة.
هناك أيضا من استغلوا هذه الفترة للتفرغ للكتابة مثلا أو ممارسة نشاطات أخرى عززت هذه الفترة صور التكافل والتضامن الاجتماعي بشكل أكبر، ومن بين النجاحات المحققة مجتمعيا، ترسيخ بعض السلوكيات الحسنة في أطفالنا.
ولأن الأزمة تخلق إعادة الترتيب وهي مرحلة يعيشها الفرد الجزائري اليوم، فإن الكثير من الأمور أعيد ترتيبها وأخرى يجري العمل على ترتيبها في حياة الجزائري، كما أن كورونا أعادت النظر في طرق التسيير مثلا.
من ناحية الأمن الغذائي، حققت العديد من المحاصيل الفلاحية اكتفاءً ذاتيا وسوقت في السوق المحلية بأسعار جد معقولة وعمل الفلاح خلال هذه الفترة بوتيرة عالية أبان من خلالها أن الجزائري قادر على تخطي كل الأزمات بعزيمته وإرادته الخاصة.
من جانب آخر، فإن تعرض الفرد للصدمة، يجعله يفكر في طريقة لحماية نفسه ويخرج كل شحناته، التي قد تكون عنيفة وهذا ما يفسر تصاعد معدلات العنف مضيفا «لما تتصفّح الصحف وتسمع يوميا قضايا عنف، هذا يدل على مستوى متصاعد من الوجه البشع للضغط»، وهو ما يبدو من خلال الاعتداءات المتكررة على الأطقم الطبية، حرب العصابات في الأحياء وكذا الضغوطات على اقتناء المواد الغذائية والتزود بالوقود التي غذتها الشائعات والمعلومة الكاذبة.