التحوّل الرقمي

رهان استراتيجي في الجزائر الجديدة

زهراء ب.

تشكل الرقمنة تحديًا كبيرًا للسلطات العمومية في الجزائر الجديدة، ورهانا استراتيجيا متميزا، أمام التطورات المذهلة التي يشهدها العالم في هذا القطاع وما ينجر عنها من تحولات نوعية في مختلف المجالات.
 بات التوّجه نحو استخدام التقنيات الرقمية حتميا وليس خيارا، لبناء اقتصاد قوّي وتنافسي، وتوفير فرص جديدة تدر المزيد من الدخل وتحسن القيمة المضافة.
وعيا منها بأهمية مكانة «الرقمنة» اليوم، في حياة الحكومات والأفراد، استحدثت السلطات العليا للبلاد دائرة وزارية جديدة مكلفة بالرقمنة والإحصائيات، وحدّدت لها مهمة مستعجلة هي إنجاح التحوّل الرقمي، الذي ظل يراوح مكانه منذ أكثر من 10 سنوات، رغم الإمكانيات المرصودة، وهو توجه ترمي من وراءه السلطات العمومية إلى تحسين الخدمات العمومية للمواطن وتطوير ناجع للاقتصاد الوطني.
من أجل تجسيد هدف الحكومة، المنبثق من برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قامت وزارة الرقمنة والإحصائيات بالتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية والجهات الفاعلة، باتخاذ الإجراءات اللازمة لترقية النظام البيئي الذي يعتبر عاملا أساسيا لإنجاح التحوّل الرقمي، ومن بين الإجراءات المتخذة إحصاء الفاعلين الناشطين في الميدان الرقمي، ويشمل ذلك المؤطرين للحلول الرقمية، والذين يوّفرون الموارد البشرية الضرورية من مؤسسات التكوين، ومراكز ومخابر البحوث، بالإضافة إلى تحديد الحاجيات في مجال التكنولوجية الرقمية استجابة لمتطلبات مشاريع الرقمنة، والمشاركة في وضع إطار قانوني وتنظيمي يعزّز تطوير هذا النظام البيئي.
أظهرت معطيات وزارة الرقمنة، تتعلق بمدى تنفيذ المخططات العملية القطاعية المستعجلة، تقدما محسوسا في عمليات التنفيذ، فمن مجموع 57 إجراء مسجل في هذه المخططات، تم إنجاز 20 إجراء (حلول رقمية) و37 إجراء إنجازها متقدم بنسبة 80 بالمائة حددت تاريخ 31 ديسمبر الماضي، كآخر أجل للإنتهاء منها.
تعد الرقمنة والإحصائيات ركيزتين أساسيتين لإحداث «ثورة البيانات» ودعم تطوير كل القطاعات، فضلا عن تسهيل أداء العمل الحكومي، والخدمات للمواطن، من خلال توفير بيانات ومعلومات تسمح للجهاز التنفيذي باتخاذ القرارات السلسلة، وللمواطن، تبسيط الإجراءات وتسهيل حصوله على مختلف الخدمات.
على هذا الأساس عمدت وزارة الرقمنة إلى وضع تصوّر يخص هذا القطاع، ضمن مقاربة تقوم على أربع ركائز، تتعلق أولا بالتنظيم (إيجاد الهياكل الوظيفية)، تحديد الموارد البشرية التي تتوفر على قدرات للتطوير التكنولوجي (ثلث التعداد المتوفر من يملك هذه القدرة بحسب المعطيات المتوّفرة)، وضع منظومة قانونية تسمح بتحرير المبادرة وجهود تطوير الرقمنة وتحمي معطيات المواطن، وتحدّد مصادر تمويل مشاريع الرقمنة.
يتفّق أهل الاختصاص على أن الحكومة الإلكترونية هدف مسطّر لن تصل إليه الجزائر «بين عشية وضحاها»، ويحتاج إلى خطوات أخرى ونفس طويل لبلوغه، ولن يتم ذلك إلا بوضع نظام حكومي إلكتروني، يتغذى من الأنظمة المعلوماتية القطاعية، وفق منظور شامل، تعمل جميع القطاعات في إطاره حتى تتمكن من تبادل البيانات المشتركة، المساعدة على اتخاذ القرارات.

 شبكة اتصالات بتدفّق عالٍ.. ركيزة التنمية

يربط الكثير من الخبراء والمختصين، تأخر التحاق ركب الجزائر بالتطور التكنولوجي والرقمي، بسبب غياب بنى تحتية وشبكة اتصالات سلكية ولاسلكية ذات تدفق أنترنت عال وعال جدا، فهي أحد الركائز الأساسية للتنمية، وتشكل آلية لتنافس المؤسسات وعاملا في جاذبية المناطق، كما يسهل تطوير خدمات مبتكرة للمؤسسات والجهات الفاعلة وجميع المواطنين.
يسمح توفير شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية الفعّالة بالإضافة إلى العروض التنافسية للتدفق العالي عبر التراب الوطني بزيادة تنافسية المؤسسات وتعزيز استقطابها بالإضافة الى إنعاش الاقتصاد المحلي، كما تعزّز شبكة الاتصالات المتطوّرة نفاذ الأفراد والمؤسسات الى منصات وتطبيقات الخدمات، ويسهل خدمة العمل عن بعد، والقيام بالإجراءات عن بعد كالتسويق الالكتروني والرعاية المنزلية، وغيرها.
في هذا السياق، اتخذت وزارة البريد إجراءات من أجل تعزيز وتنويع تكنولوجيات النفاذ والبنى التحتية ذات التدفق العالي والعالي جدا، تتعلق بإطلاق تراخيص الجيل الرابع وتعميم الألياف البصرية عبر التراب الوطني، كما تم تحديث مفاهيم جديدة في الاطار التنظيمي المسير لقطاع الاتصالات، من بينها فتح سوق الانترنت الثابت والتشارك في استعمال البنى التحتية (التجوال المحلي) وقابلية نقل الأرقام والحياد التكنولوجي.
كما قامت الوزارة مؤخرا بتحرير حزمة من طيف الذبذبات لفائدة متعاملي الهاتف النقال لتحسين تدفق الانترنت، وإن رآه المختصون دون أثر على اعتبار أن هذا التحرير سيبقي التدفق ضعيفا في حال كانت هناك شبكة ألياف بصرية ضعيفة وتشبع على مستوى النطاق العريض الدولي، وهوما يستلزم معرفة أولا مصدر التشبّع وتحديد مشكل النفاذ، لأن الطلب يبدو أكثر من العرض.

 أغلب المواقع الإلكترونية غير مؤمنة

يرى التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات، أن فكرة الحكومة الإلكترونية، تحدد استخدام الأدوات الرقمية والتكنولوجية من طرف المؤسسات الحكومية، بهدف تعزيز تقريب الإدارة من المواطن وتحسين جودة وتكلفة الخدمات العمومية، وهو هدف ينبغي أن يدرج في صميم أي إستراتيجية رقمية وطنية.
أجرى مرصد التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات، دراسة مؤخرا، اعتبرها خطوة أولى لقياس رقمنة المؤسسات الجزائرية على المستوى الوطني على سلم مجموعه 100 نقطة، شملت 48 موقعا رسميا للوزارات ومؤسسات الدولة والهيئات الحكومية، تبين أن أغلبها غير مؤمن ويفتقد لشهادة الحماية الأساسية للنشر على موقع الويب.
بينت نتائج الدراسة أن المواقع الحكومية تعتمد في أدائها على الحاسوب وليس الهاتف النقال الأكثر استعمالا من طرف الجزائريين حيث يستخدم 70 بالمائة منهم الانترنت باستعمال الهاتف الذكي، وعليه لا توجد الحاجة الملحة لوجود موقع إلكتروني مؤسساتي، وأن تكون له واجهة تتلاءم مع الأجهزة المحمولة من أجل تسهيل الإبحار لزوار الموقع وتحسين «تجربة المستخدم».
ووفقا للدراسة تحصلت المواقع الإلكترونية التي تمت مراجعتها على درجات أقل من 50 نقطة من إجمالي 100 نقطة وفق أداة pagespeed insights لـ google.
رغم أن نتائج المواقع الإلكترونية الحكومية جاءت غير مرضية على أجهزة الهواتف النقالة، فإن أداءها كان غير مشجع بحسب الدراسة، على الحاسوب، أي على متصفحات الويب المفتوحة باستعمال أجهزة الكمبيوتر، وما يقارب 43 بالمائة أي ما يقارب نصف مواقع الويب التي تم مراجعتها لم تسجل أكثر من 50 نقطة من مجموع 100 نقطة من ناحية الأداء على الحاسوب.
حقق موقع وزارة الدفاع الوطني درجة أداء أعلى من 80 بالمائة، يليه موقع وزارة العلاقات مع البرلمان بدرجة 75.71 بالمائة، واحتل بريد الجزائر المرتبة السادسة بدرجة أداء 71.43 بالمائة وجاء في آخر مرتبة موقع وزارة الصيد البحري والموارد الصيدية بـ 0 بالمائة.
أشار فريق العمل إلى أن الجزء الإيجابي من الدراسة هو أن 95 بالمائة من المواقع التي أجري عليها البحث، مستضافة في الجزائر، و100 بالمائة منها لديها اسم مجال DZ، لكن بالمقابل أظهرت الدراسة أن أغلب المواقع حوالي 85 بالمائة لا تملك شهادة الحماية الأساسية للنشر على موقع الويب (شهادة ssl تعد من أهم وسائل الحماية) التي تضمن صحة الموقع المتعلقة بهويته، وتؤمن البيانات المنقولة منه وإليه مشفرة وآمنة في حال اعتراضها من قبل أطراف ثالثة مضرة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024