احترام قانون الصفقات العمومية الحل الوحيد لإنقاذ القطاع
انعكست جائحة كورونا سلبا على قطاع السكن الذي تأثر بنسبة 70 بالمائة بسبب إجراءات الحجر التي أوقفت نشاط أكثر من 4 آلاف مؤسسة مقاولاتية، وتبحث عن حلول لمشاكلها.
سجلت العديد من برامج السكن بولاية الجزائر تأخرا كبيرا في أشغال الانجاز، ما عرقل عملية تسليم السكنات، خاصة مطلع السنة الجارية أين كان ينتظر تسليم آلاف السكنات، إلا أن العملية قد أعاقها تفشي وباء كورونا الذي أرغم المؤسسات على مستوى الولايات الكبرى على توقيف ورشاتها وإحالة عمالها على العطل الإجبارية في انتظار ما ستعرفه الوضعية الصحية في البلاد.
كورونا أثرت على سير الأشغال وآجال استلام المشاريع
أوضح الناطق الرسمي باسم الجمعية العامة للمقاولين الجزائريين عيض موسى، في حديث لـ «الشعب ويكاند»، أن ملف السكن حساس وبحاجة إلى متابعة ومرافقة دائمة لضمان تسليم المشاريع في أجالها، مشيرا ان القطاع تأثر بشكل كبير بالكوفيد خاصة في مدة الانجاز وعدد العمال الذي انخفض 50 بالمائة، ما جعل أشغال الانجاز تسير بوتيرة بطيئة.
وأضاف المتحدث أن أغلب الورشات أصبحت عاجزة بسبب تبعات الأزمة التي أخرت عملها وجعلتها تعاني مشاكل على غرار التمويل والمشاكل المالية التي أثرت على أداء المقاولاتية في الجزائر، خاصة في الأشهر الأولى من الأزمة، حيث لاحظنا توقف شبه تام للمشاريع السكنية بمختلف الصيغ نتيجة المشاكل الكبيرة التي عانت منها المقاولين في ظل غياب التعويض.
وتتعلق أساسا -يضيف المتحدث- السهولة في دفع الضرائب والسماح للمؤسسات بعدم دفع الاشتراك، غير ان إلزامها من قبل مديريات السكن بدفع هذه المستحقات جعلها تتخبط في مشاكل مالية كبيرة منها إحالة العمال على العطل الجبرية، وبالتالي توقف نشاط المؤسسات الصغيرة التي تشرف على 80بالمائة من المشاريع السكنية في الجزائر، مضيفا أن عدم تحمل مسؤولية المؤسسات المقاولة التي لها مستحقات على عاتق السلطات وراء التأخر المشاريع السكنية.
بالنظر إلى أهمية المؤسسات المقاولة في دفع وتيرة انجاز المشاريع السكنية في الجزائر عرضت الجمعية -حسب عيض موسى- مشكل المقاولات زمن أزمة كورونا خاصة ما يتعلق بالعوائق المالية والتمويل الذي أخر قطاع البناء بأشهر، مشيرا إلى ضرورة التوجه نحو الدعم والامتيازات من طرف البنوك للحصول على قروض في شكل عتاد لإعادة هيكلتها من جديد قبل حلول الثلاثي الأول من سنة 2021. وقال ان المقترح عرض على السلطات العمومية وتم قبوله إلا انه لم يجسد بسبب الجائحة، مؤكدا في ذات السياق على إعادة الاعتبار للطاقة البشرية المحلية في هذا القطاع واستغلالها بشكل أمثل للتمكن من تحقيق التقدم في مجال السكن الذي يعرف تأخرا بـ20 بالمائة «في معدل الاستلام».
وأوضح في سياق موصول، ان تأخر المشاريع يتحمل مسؤوليته المقاول، في وقت يجد فيه هذا الأخير مشاكل كبيرة على مستوى ورشات البناء خاصة ما يتعلق بالأشغال الإضافية التي تتطلب مبالغ أكثر لا تدخل في إطار الصفقة المبرمة بين صاحب المشروع والمقاول، حيث يضطر هذا الأخير إلى وقف الأشغال في ظل غياب ملحق تكميلي للصفقة يضمن حقوق المقاول الإضافية.
عدم احترام قانون الصفقات العمومية وراء التأخر
في قطاع البناء يصادف المقاول كثير من التغييرات في أشغال المشاريع السكنية التي تتطلب مبالغ إضافية لانجازها، في وقت لا يمنح فيه قانون الصفقات العمومية حق الزيادة، وهوما يجعل كثيرا منهم يتوقف عن إنجازها أحيانا وأحيانا أخرى يطالب صاحب المشروع بإضافتها في إطار ما يسمى «ملحق الصفقة التكميلي.
ويتعلق الملحق التكميلي للصفقات بإلحاق كل ما هو إضافي من الأشغال الجديدة على غرار الحفر والأشغال الخارجية الناجمة عن التهيئة الخارجية، غير ان الواقع يجعل المقاولين دون تسوية الوضعية التي تحتاج إعادة النظر للنهوض بقطاع البناء، خاصة في ظل أزمة كورونا التي أخرت الكثير من المشاريع السكنية.
وشدد عيض موسى على ضرورة تطبيق قانون الصفقات العمومية بحذافيره كونه يلزم المقاول وصاحب المشروع بالحقوق الممثلة في استكمال الأشغال في وقتها والواجبات دفع جميع المستحقات بما فيها المدرجة في إطار الملحق التكميلي، مشيرا بخصوص أسباب تأخر المشاريع السكنية في أزمة كورونا الى التخفيض في نسبة العمال لضمان التباعد الجسدي بينهم ومنها تعويضهم بعتاد البناء الذي يكلف المقاول مبالغ أكبر خاصة ما يتعلق بالخرسانة التي كانت تصنع على مستوى الورشة، إلا انه في ظل الأزمة أصبحت تحضر من المصانع المختصة وعن طريق شاحنات يكلف نقلها أثمان باهظة.
وقال في سياق موصول ان أغلب الشركات معطلة بسبب كوفيد19، غير ان الشركات الكبرى التي تمثل 20بالمائة لازالت تعمل بشكل عادي، لكنها لا تستطيع أن تلبي الغرض في ظل التأخر الذي تشهده المؤسسات المقاولة الصغيرة التي تمثل 80بالمائة
قوّة المقاولة وحدها تحدد أجال تسليم المشاريع
أوضح الناطق الرسمي للجمعية ان مدة تسليم المشاريع السكنية تقدر بين 18و24شهرا، غير انها في الغالب مرتبطة بعدد سكنات المشروع السكني الذي تشرف على بنائه المؤسسة المقاولة، مشيرا ان قوة المقاولة من تحدد اجال التسليم وهذا معمول به منذ زمن، غير ان كورونا زادت من تأخر المشاريع.
اقترح عيض موسى جملة من الحلول لإنقاذ قطاع البناء تتعلق بدفع المستحقات للمقاولين، تقديم تسهيلات من طرف البنوك قروض على شكل عتاد وليس تمويل نقدي والتزام الإدارة بالصفقة المبرمة من أجل بعث قطاع البناء وتفادي مشكل تأخر سير الأشغال والاستلام.
ويعتبر الالتزام ببنود الصفقة من طرف صاحب المشروع والمقاول أولى خطوات نجاح سير أشغال المشاريع السكنية وتسليمها في آجالها، خاصة وأن الكثير من المواطنين أرهقهم الانتظار.
عبد الحميد بوداود: للجزائر أحسن قوانين للسكن ...
بدوره أكد رئيس المجمع الوطني للخبراء المهندسين، عبد الحميد بوداود في تصريح لـ»الشعب ويكاند» ان الجزائر من بين الدول التي تملك أحسن القوانين في قطاع السكن لو طبقت لحققت نتائج مبهرة في مجال البناء وكانت بلادنا رائدة في إنجاز المشاريع الكبرى لقطاع السكن متقدمة بها على الدول الأخرى.
وأشار الخبير إلى المعطيات التي تعرقل المشاريع السكنية عن مواعيدها المبرمجة والمتعلقة بضعف الإمكانيات المعتمدة في إنجاز السكنات التي لا تسمح بتسليم حصص بسيطة ضمن البرامج المعلن عنها فما بالك بمشاريع ضخمة بحجم السكنات الاجتماعية عدل والترقوي العمومي التي تعوّل عليها السلطات للحد من أزمة السكن.
وعرّج بوداود إلى الظروف المتحكمة في وتيرة المشاريع العمومية في قطاعي السكن والتجهيزات العمومية على رأسها العوامل المرتبطة بضعف القدرات الادارية للمقاول، ومدى تمكنه من إدارة المشروع بعقلانية ومهنية، من شأنه عرقلة انطلاق المشاريع ميدانيا بالوتيرة المطلوبة الامر الذي يقلص من نسبة البرامج المنجزة، إلى جانب نقص المورد البشري والتأخر في دفع المستحقات المالية للمقاولات زاد الوضع سوءا.
زيارات ميدانية ومعاينات يومية للتدارك..
كان الثلاثي الأول من عمر الأزمة الصحية حاسما في سير المشاريع السكنية بمختلف صيغها، حيث كان بعضها يسير بوتيرة بطيئة في حين توقف الكثير منها، ما أحدث قلق وسط المكتتبين الذين تساءلوا عن مدى تقدم أشغال سكناتهم وسبب توقفها في وقت ظلت وزارة السكن تنتظر ما يسفر عنه الوضع الصحي قبل اتخاذ القرار.
في السنة الجارية كان مبرمجا تسليم ألاف المشاريع السكنية، غير ان كورونا جاء وأخلط أوراق الوزارة ووكالة تحسين السكن وتطويره التي قررت في الثلاثي الثاني من كورونا ان تخرج لتراقب ورشات الانجاز والبنايات ووتيرة الأشغال بكافة الصيغ السكنية، في مسعى تدارك التأخر المسجل في الأشغال..
وحذرت السلطات المؤسسات العمومية والخاصة من استغلال الظرف الصحي لتبرير التأخير في الانجاز، في الوقت الذي فشلوا فيه في الانتهاء منها في الأوقات المحددة والمتفق عليها سابقا.
وأمرت الوزارة المؤسسات المكلفة بانجاز المشاريع بإتباع مجموعة من التدابير الاحترازية لضمان سلامة العاملين بها من الفيروس، وكذا الحفاظ على وتيرة العمل والتسريع في تنفيذ المشاريع التي عرفت تأثرا واضحا في البداية من أجل التعجيل في تسليمها لأصحابها.
عدل مجبرة على تغيير رزنامة التوزيع شكا العديد من المستفيدين من مشاريع «عدل «بكل من العاصمة، تيبازة وبومرداس والبليدة التأخر الكبير في انجاز سكناتهم من أجل رفع الغبن عنهم وانتهاء مشاكلهم التي ظلت كابوسا يؤرقهم لسنوات طويلة بسبب غلاء الإيجار.
وعرفت أغلب مشاريع «عدل» بالولايات المذكورة ركودا وتوقف كبير في أشغال التنفيذ والإنجاز، خاصة في ولاية البليدة التي تأثرت بشكل كبير من الوباء، في وقت تعهدت الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره «عدل « بتسليم آلاف السكنات لأصحابها، قبل نهاية السنة الجارية، ومنها من كان منتظرا تسليمها في السداسي الأول، غير ان كورونا أخلطت الحسابات وجعلت الوكالة تغير رزنامة التوزيع والمقاولون يطالبون بملحق الصفقات العمومية.
وتسبب الظرف الصحي أيضا في مشاكل كبيرة للمقاولين والعاملين في قطاع البناء، منها التوقف الإجباري لشهور عدة ما أثر سلبا على سير الأشغال ناهيك عن البطالة الإجبارية التي أحيلوا إليها لفترة تفوق 3 أشهر، قبل أن يعودوا لاستئناف الأشغال خاصة المقاولين الذين أثر عليهم التأخر في تسديد وضعيات الاشغال التي تم وضعها لدى مصالح المديرية، غير أنهم في المقابل لم يحصلوا على مستحقاتهم المالية.
وعان أصحاب المؤسسات المنجزة أيضا من عدم طرح الملحق على لجنة الصفقات والذي قاموا بوضعه لدى المصالح المختصة في الآجال المحددة، وهو الأمر ذاته في ملاحق ضبط الكميات النهائية على لجان الصفقات والتي سجل فيها تأخر بحجة تصحيح تقرير الملحق المقدم من طرف مكتب الدراسات ورئيس القسم، هي عقبات أثرت بشكل مباشر على سير أشغال المشاريع التي تعثرت في بداية الأزمة وحالت دون احترام رزنامة التوزيع، غير ان استئنافها قد يبعث الأمل من جديد في المواطن الذي أحزنه الوباء والوضع الاجتماعي الذي يعيشه في ظل أزمة السكن.