الأساتذة في صراع مع الزمن لإنقاذ التعليم من كورونا
لقاء عاجل مع النقابات لتكييف الجداول وتنظيم الامتحانات قريبا
بدت تداعيات فيروس كورونا تظهر في العديد من القطاعات على رأسها قطاع التربية الوطنية، الذي مسته أولى التدابير الوقائية من خلال تعليق الدراسة واللجوء إلى نظام التعليم عن بعد في الأسابيع الأولى من ظهور الوباء، وحصص الدعم عبر الانترنيت لفائدة تلاميذ السنتين الرابعة متوسط والثالثة ثانوي من خلال منصات رقمية لديوان التعليم عن بعد، وغيرها من القرارات التي تدخل في إطار التدابير المتخذة لمجابهة الجائحة في الوسط المدرسي واستكمال السنة الدراسية.
أمام العقبات التي اعترضت قطاع التربية، وضعت الوزارة مخططا يتلاءم مع كل الاحتمالات، حيث شرعت بعد شهرين من الأزمة الصحية الى وضع منصة رقمية لفائدة تلاميذ السنة الخامسة المقبلين على شهادة التعليم الابتدائي وحصلت على نسب مشاهدة عالية، إلى جانب قرارات أخرى تتوافق مع التغييرات التي فرضتها الأزمة الصحية وصلت حد وضع استعمال زمني حسب خصوصية المؤسسات التربوية والتفكير في تقديم حصص تدعيمة لاستكمال البرنامج، وكذا قرارات أخرى من المحتمل أن تصدر قريبا.
الوصاية تترصّد الوضع الصحي وتضع مخطّطا لكل الاحتمالات
مع الترقب المستمر للوضع الصحي في البلاد، اضطرت الوزارة إلى التغيير في مخطّطها الاستثنائي الذي انتهى بإلغاء امتحان نهاية نهاية الطور الابتدائي لتدخل الفرحة بيوت الجزائريين بعد أشهر من الحزن، وتستمر المشاورات مرة أخرى بخصوص الامتحانات الرسمية إلى غاية صدور القرار، الذي أنهى الجدل وحدّدت تواريخ الامتحانات الرسمية وكانت البداية الأولى لتطبيق البروتوكول المدرسي الذي كان بمثابة تحدي ورهان العودة إلى مقاعد الدراسة.
أجبرت وزارة التربية الوطنية مع ارتفاع الإصابات على تعديل المخطط المدرسي وفقا لتوصيات اللجنة العلمية لمتابعة الوباء التي وضعت بروتوكول صحي وقائي يضمن صحة الطاقم التربوي والتلاميذ على حد سواء، حيث التزمت بوضع تحضيرات خاصة بالمؤسسات التربوية قبل الدخول المدرسي، في مقدمتها تنظيف وتطهير المدارس.
وتضمّن البرتوكول تحضير مدخل المدارس بوضع حواجز وأشرطة ملونة بشكل يضمن تنقل التلاميذ في اتجاه واحد مع احترام التباعد الجسدي، والحرص على توفير وسائل التنظيف والتطهير، وكذا توفير أجهزة قياس الحرارة بالأعداد الكافية.
وبخصوص تطبيق البروتوكول داخل القاعات، فقد حددت كيفية جلوس التلاميذ مع إحترام التباعد الجسدي، وتطبيق التباعد بين الأساتذة والتلاميذ بمسافة 150 متر على الأقل، مع ضرورة وضع بطاقات على الطاولات تحدد طريقة الجلوس، بالإضافة إلى إلزام كل تلميذ بمكان جلوسه في القسم وعدم تغييره، والحرص على ضمان تهوية قاعات التدريس باستمرار.
عودة مدرسية حذرة
بقيت قرارات وزارة التربية الوطنية تخضع لتسيير اللجنة العلمية لمتابعة الوباء التي قررت تحديد تاريخ الدخول المدرسي للأطوار الثلاث وسط مخاوف كثيرة من أولياء التلاميذ لتجد نفسها مرة أخرى مجبرة على امتصاص غضبهم بالتأكيد على التطبيق الصارم للبرتوكول الصحي.
تسبّبت جائحة كورونا في تعطيل الدخول المدرسي مرتين وليس مرحلة واحدة، حيث أجّلته إلى شهري أكتوبر بالنسبة للطور الإبتدائي ونوفمبر للطورين المتوسط والثانوي، بعدما كان في السابق مرتبطا بشهر سبتمبر من كل سنة، مع البقاء في ترقب من طرف العائلات التي وجدت نفسها بعد سبعة أشهر من غلق المدارس تعيش فترة صعبة.
خلافا للسنوات الماضية، لم نشهد تحضيرات الدخول المدرسي مثل المعتاد، رغم أن مترشحي البكالوريا والتعليم المتوسط اجتازوا امتحاناتهم قبل شهر، وتحصلوا على نتائجهم التي كانت متوسطة ومشجعة من حيث الوضع النفسي الذي عاشوه طيلة فترة الحجر الصحي، إلا أن بلادنا لم تشهد أجواء الدخول المدرسي المعتادة.
التفويج والتناوب أولى شروط البروتوكول
من بين انعكاسات جائحة كورونا على الدخول المدرسي محاولة تكييف العودة مع البروتوكول الصحي الوقائي المصادق عليه من طرف اللجنة العلمية لمتابعة الوباء، التي جاءت بعدة تعليمات تتعلق بضرورة احترام معيار التباعد الجسدي والعمل بالتفويج، مع إلزامية وضع الكمامة بالنسبة للتلاميذ،الأساتذة والإداريين والعمال الذين يمارسون مهامهم في المؤسسات التربوية، واعتماد التفويج بحيث يقسم كل قسم إلى فوجين فرعيين لا يتعدى عدد التلاميذ فيه 20 تلميذا.
وتضمّن البروتوكول المدرسي التناوب بين الفوجين الفرعيين، وتجنب تجمع أعداد كبيرة من التلاميذ وفق تنظيم الدخول وخروج التلاميذ، مع ضمان حجم ساعي كاف لتدريس المواد الموجودة في المقرر الدراسي خاصة الأساسية منها، غير أن الوزارة اضطرت الى تغيير الاستعمال الزمني في عديد المرات خاصة بالمدارس ذات الدوامين.
كورونا تفرض تغيير جداول التوقيت الأسبوعي ثلاث مرات
رغم أن المخطط الوزاري جاء على أساس المبادئ العامة وحتمية التعايش مع وباء كورونا، غير أن اللجان البيداغوجية وقفت بعد شهر من الدخول المدرسي على اختلالات فرضها الميدان، وأجبرت الوزارة على تغيير جداول التوقيت الأسبوعي ثلاث مرات، خاصة في المدارس التي تعمل بدوامين.
قام مديرو التربية، المفتشون ومديرو المؤسسات التعليمية بانجاز استعمال زمني يتكيف مع وضعية كل مؤسسة تربوية سواء من حيث عدد التلاميذ، الأفواج وحجرات التدريس، غير أن الإشكال لم يطرح بالمدارس التي تعمل بنظام الدوام الواحد ووفق فترتين صباحية ومسائية بدون تناوب واعتماد التفويج، بحيث يقسم كل فوج تربوي الى فوجين فرعيين عكس المدارس بنظام الدوامين التي قامت بتغييرات عدة لم تعرف الاستقرار الى غاية هذا الأسبوع.
كشفت اللجان البيداغوجية النقائص التي يشهدها التدريس في زمن كورونا، سواء من حيث الحجم الساعي أو البرنامج الدراسي الذي خلق قلقا وتوترا كبيرين لدى الأساتذة الذين يصارعون الزمن لإنهاء حصصهم المقدرة بـ 30 دقيقة، في حين البرنامج المكثف لا يمكن تقسيمه على حجم ساعي يقدر بـ 20 ساعة على يومين ونصف.
مساعدون تربويّون يتحوّلون إلى مرشدين وممرّضين
لم يقتصر تأثير كورونا على التلاميذ والأساتذة بل أخلطت الأزمة الصحية التي تمر بها البلاد على غرار دول العالم الأمور على المشرفين والمساعدين التربويين الذين عانوا من ويلات الوباء نفسيا ومعنويا في محاولة لتدارك الوضع والتوافق معه وتوعية التلاميذ ومرافقتهم تربويا بيداغوجيا وصحيا، فالكل أصبح ممرضا، طبيبا ومرشدا نفسيا داخل المؤسسة لثقل المهمة التي قابلها ضغط في الحجم الساعي قارب 50ساعة أسبوعيا، ممّا أثر عليهم وعلى أدائهم.
واضطر هؤلاء - حسب الأمين العام لنقابة المشرفين المساعدين التربويين عبد الهادي احمد - إلى مرافقة التلاميذ بسبب الارتباك الناجم عن إجراءات التباعد الجسدي والبروتوكول الصحي المفروض على الجميع، خاصة في غياب المرافقة المعنوية في ظل الظروف الاستثنائية الصحية التي تعيشها المدارس بأطوارها الثلاث،مع الأخذ بعين الاعتبار حقوق موظفي القطاع المهنية.
وبخصوص التحصيل المعرفي، قال المتحدث نلمس تعود التلاميذ على ذلك ونستحسنه الى غاية الآن، وما ساعدهم على ذلك نظام التفويج الذي ساهم في سرعة الاستيعاب وتفادي الاكتظاظ بالأقسام، لكنه أثر على مردود الأطقم الإدارية والتربوية وأثقل كاهلها الضغط النفسي والخوف من عدم تقديم الأحسن بحكم أن التعليم مهنة نبيلة تتطلب الراحة النفسية لتقديم الأفضل.
أونباف: كورونا انعكست سلبا على مردود الأساتذة
كشف الأمين الوطني المكلف بالإعلام بنقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين «أونباف»، زوقار العمري، أن كورونا أثرت سلبا على مردود الأساتذة الذين أصبحوا يعملون تحت ضغط كثافة البرنامج وحجم ساعي لا يكفي لتقديم الحصص المبرمجة خاصة في المواد الأساسية.
وقال زوقار العمري، إن ما يطرح الآن مسألة توزيع الزمن وتكييف البرنامج الذي انفردت الوزارة في وضعه دون استشارة الشريك الاجتماعي، الأمر الذي جعل القطاع يعاني اختلالات كبيرة انتهت بإعادة النظر في الجدول الزمني مرات عدة، وأكدت خلالها على ضرورة عقد اجتماع مع الشركاء الاجتماعيين لمناقشة الجدول الزمني وتكييفه مع البرنامج، مشيرا إلى أن الجزائر تعيش وضعا استثنائيا يجب أن يراعى فيه الظرف.
وأكد المتحدث أن الوزارة ستعقد لقاءً مع الشركاء الاجتماعيين رغم انه جاء متأخرا، إلا انه سينتهي بإصدار قرارات ترضي التلاميذ والأولياء، مطمئنا جميع أفراد الأسرة التربوية انه سيعمل على نقل انشغالاتهم الى الوزارة من اجل مناقشتها واستدراك النقائص التي عرفها الدخول المدرسي، ودراسة كيفية تنظيم للامتحانات انطلاقا من البرنامج الدراسي.
أولياء التلاميذ وجهود إنقاذ السنة الدراسية
من جهتها، جمعية أولياء التلاميذ قالت على لسان رئيس الجمعية خالد احمد في تصريح لــ «الشعب ويكاند»، إن التعليم يتم في ظرف استثنائي أثر على القطاع بشكل كبير وفرض وضع مخطط يتكيف مع خصوصية التدريس في بلادنا، غير أن النقائص التي فرضها الميدان لا يتحمل مسؤوليتها الأستاذ الذي يحاول ان يخلق التقدم في البرنامج رغم الظرف الصعب.
وقال خالد احمد إن الجائحة أثّرت سلبا على الأسرة التربوية، الأساتذة، التلاميذ وحتى المديرين الذين يتخبطون في جملة من المشاكل بسبب غياب الإمكانيات المادية التي تسمح بتطبيق البروتوكول الصحي وفق ما أقرته وزارة التربية الوطنية وصادقت عليه اللجنة العلمية لمتابعة الوباء، خاصة وان الكثير من المدارس لم تتحصل على الإعانات اللازمة لتطبيقه.
وأكد المتحدث على ضرورة التأقلم مع الوضع الراهن وعدم تحميل الوزارة النقص المسجل في الوسط المدرسي بسبب تقليص الحجم الساعي، وإنما تقديم المساعدة عن طريق دعم الأبناء من اجل استكمال السنة الدراسية دون تسجيل أي نتائج سلبية سواء من الناحية العلمية والتحصيل المعرفي للتلاميذ أو من الناحية الصحية بمنع المتمدرسين من نشر العدوى في المدارس.
ويجب تضافر جهود الجميع - يقول رئيس الجمعية - لإنجاح السنة الدراسية، وإنقاذ المدرسة من الكورونا التي تشكل هاجسا حقيقيا أمام عديد الجهات، وزارة التربية الوطنية، الأساتذة وأولياء التلاميذ الذين تنتظرهم مهمة صعبة تتمثل في مساعدة أبنائهم لاجتياز المرحلة الصعبة.