معسكرات التّعذيب أثناء «حرب الجزائر»

الوجه البشع لسياسة فرنسا الاستعمارية

حياة - ك

منذ اندلاع الحرب التحريرية في 1 نوفمبر 1954، استشعرت السلطات الفرنسية وجود حركة أكثر اتّساقا وتنظيما واتساعا من خلال أحداث 8 ماي 1945، فاتّخذت إجراءات عسكرية وقضائية، تنافي كلية مع ما كانت الحكومة الفرنسية تؤكّده رسميا آنذاك، على أنها مجرد عملية لحفظ الأمن بشمال إفريقيا، فأقامت المراكز العسكرية للعبور والانتقاء والتعذيب والإعدام خارج القانون، حسب ما تحتفظ به اللجنة الدولية للصليب الأحمر من ملفات ظلت خفية إلى وقت قريب بعدما أخرجها للعيان الكتاب «معسكرات التعذيب أثناء حرب الجزائر» (من خلال ملفات اللجنة الدولية للصليب الأحمر) لمؤلفه الدكتور مصطفى خياطي.


يحاول هذا الكتاب «معسكرات التعذيب أثناء حرب الجزائر» (من خلال ملفات اللجنة الدولية للصليب الأحمر) المترجم من اللغة الفرنسية إلى العربية، تسليط الضوء على ما كانت تمثله هذه الأماكن «المخفية» من وحشية، تجعلها على حد سواء مع مراكز الحشد النازية والمعتقلات السوفياتية، مورست فيها أبشع أنواع التعذيب والتقتيل خارج القانون.
تطرّق الكتاب إلى الوضع العام إبان اندلاع الثورة التحريرية، حيث وضعت السلطات الفرنسية بالجزائر مجموعة من هياكل الاعتقال التي تتملص كلية من المراقبة الإدارية أو القضائية، وتنشط خارج القانون، من أجل دعم تداخل سلطات هذه المراكز، التي كانت موجودة أحيانا بعيدة عن الأنظار بالثكنات، والتي تحمل أسماء مختلفة وكانت أحيانا تغير الموضع، وأحيانا أخرى تبقى في مكانها، لكنها تغير أسماءها، ومهمتها محاربة مقاومة الوطنيين مستعملة في ذلك الوسائل المادية والسيكولوجية الممكنة مع اللجوء إلى التعذيب، أو الاغتصاب وإلى الإعدام دون محاكمة.
ليست هذه المراكز وحدها التي وضعتها السلطات الفرنسية، بل هناك هياكل أخرى لها تسميات عديدة، استعلامات إدارية للشرطة، وحدات عملية للمخابرات، الهيئة المركزية للاستخبار والاستغلال، المكتب الثاني، المكتب الخامس، مراكز العبور والانتقاء للشرطة القضائية والدرك ومركز الاستنطاق..وكلها تابعة للجيش الفرنسي، غير أن عددها ليس معروفا بدقة، ويشير الكتاب الى أن عددها سنة 1958 يقارب 20 ألف معتقل (حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر مكتب العاصمة).

 أماكن مخفية تنشط خارج القانون

أبرز الكتاب حقائق حول ما كانت تقوم به هذه المراكز استنادا لملفات اللجنة الدولية للصليب الأحمر بداية من مراكز العبور، والانتقاء التي كانت موجودة منذ سنة 1956 والتي لم تكن منظمة ولا خاضعة للقانون، بل كانت تعمل متستّرة، لكن التصريحات التي قدمها المقيمون فيها جبريا، جلبت انتباه ممثلي هذه اللجنة، من خلال الشكاوى من المعاملات السيئة، ومن الظروف المادية




للاعتقال والمدة الطويلة إلى أن وصلت إلى 6 أشهر في ظروف سيئة للغاية وغير إنسانية، وكانت تقوم

بتجاوزات تكتمت عنها السلطة المدنية.
تتوزع مراكز العبور والانتقاء التابعة للجيش الفرنسي في المناطق الأربعة من البلاد (شرق، غرب، وسط وجنوب)، وبالنسبة لشرق البلاد تم وضع المناطق التابعة للقطاع القسنطيني والبالغ عددها 85 مركزا متمركزة اغلبها في باتنة التي انطلقت منها أول رصاصة تعلن بداية الثورة التحريرية وقسنطينة وسطيف، ومن ناحية الوسط، كانت هناك مراكز تابعة لمجموعة ألوية عسكريين بالجزائر العاصمة وعددها 52 مركزا متمركزة أغلبها بالعاصمة وبالتحديد في الحراش، حسين داي، بني مسوس، وخارجها على بعد كيلومترات بتيزي وزو، مليانة، البليدة والمدية.
وبالنسبة لمراكز العبور والانتقاء التابعة لمجموعة ألوية بقطاع وهران، فإن عددها أقل من سابقتها ولا يتجاوز 41 مركزا، متوزعة بشكل كبير في كل من تلمسان ومستغانم، إضافة إلى معسكر وسيدي بلعباس، وفيما يتعلق بالمراكز العسكرية للعبور والانتقاء التابعة لإقليم الجنوب فإن عددها أربعة تتواجد إثنين منها بتقرت (ورقلة)، واحدة بالأغواط والأخير ببشار.
إضافة إلى مراكز العبور والانتقاء، وضع الجيش الفرنسي مراكز عسكرية للاعتقال الذي تطرق إليها الفصل الثاني من الكتاب، وقد فتحت نهاية سنة 1958 لإعتقال المقاومين الذين قبض عليهم مسلحين، فكانت في الظاهر تستجيب لإرادة سلطات الاحتلال، لكنها لم تكن متماشية مع اتفاقيات جنيف.

تعذيب نفسي، غسل الدماغ وإعدام بدون محاكمة

 تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي دوّنتها بعد زيارتها لهذه المراكز، انتقدت سير هذه المراكز وطلبت أن يعاد النظر في النظام الذي كان يطبق فيها وتصفه بالقمعي، وهو ما أكّدته شهادة بعض المجاهدين الذين تم اعتقالهم فيها والمدونة في هذا الكتاب، حيث كان يمارس على المعتقلين التعذيب الجسدي، والنفسي، غسل الدماغ، بالإضافة إلى الاغتصاب والفقدان أو القتل بدون المثول أمام المحكمة.
ويشير الكتاب في الخاتمة إلى أن التقرير النهائي للجنة الدولية للصليب الأحمر الذي اعترفت فيه بحقيقة التعذيب باستصغار مداه، والذي أخفته الحكومة إلى أن نشرته جريدة «لوموند»، كما أن الجرائد التي «تجرّأت « ونشرت آنذاك شهادات، حجزت مباشرة كما هو الحال بالنسبة لجريدة «الحرية»، التي عبر بعض المثقفين من خلالها عن آرائهم أمثال فرانسوا موزياك، وبيار هنري الذي نشر كتاب ضد التعذيب في فيفري 1958، بالإضافة إلى شهادة هنري علاق الصحفي الشيوعي الذي كان ضحية التعذيب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024