دخل الإعلام المحلي المكتوب أو الجواري بصفة أدق عهدا جديدا في عصر الرقمنة فرضته التحولات التكنولوجية المتسارعة بظهور صحافة المواطن والوسائط الإعلامية المدمجة من صوت وصورة، التي تحاول تدريجيا ملء الفراغ الذي تركته الصحافة الكلاسيكية المكتوبة التي تعيش تحدي المقروئية بظهور جيل جديد من الشباب وهو يلهو ويداعب وسائل الاتصال الحديثة من لوحات وهواتف ذكية قربت منه العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة، وأصبحت كل الأخبار بين يديه مع تدفق سريع ومتجدد للمعلومات الهته عن تصفح الجريدة الورقية التي تصارع من اجل التجدد أو التبدد.
تتّفق آراء الكثير من القراء الأوفياء للجرائد الورقية باللغتين العربية والفرنسية وأغلبهم من فئة كبار السن الذين تجاوزوا العقد السادس وهم أغلبهم من المخضرمين، الذين عاشوا فترة ما قبل التعددية الإعلامية، أن «قلبهم معلّق دائما بمرحلة تاريخية ارتبط فيها المشهد الإعلامي الوطني بجريدتي المجاهد والشعب في حلتها القديمة من الحجم الكبير وباللونين الأبيض والأسود ثم عهد المساء والمنتخب الرياضي منتصف الثمانينيات وصولا الى مرحلة الانفتاح السياسي والإعلامي مطلع التسعينيات بفضل دستور سنة 1989 الممهّد لقانون الاعلام لسنة 1990، الذي سمح بإنشاء الصف الخاصة والحزبية، حيث كانت مظاهر المقاهي الشعبية وروادها يغوصون بين صفحات الجرائد وكل يبحث عن ركنه المفضل أو عموده الأسبوعي لأبرز الأقلام التي صنعت أياما جميلة في مسيرة الإعلام الوطني.
اليوم وحسب تعليقات المواطنين والمهتمين بتحولات قطاع الإعلام في الجزائر، الذين تحدّثوا لـ «الشعب» «لم نعد نرى تلك الصور المعهودة وتحولت صورة الشخص الذي يحمل نسخة ورقية لأي جريدة عمومية أو خاصة وهو يتجول في الشارع أو داخل وسائل النقل الى حالة استثنائية أمام طغيان الوسائل الذكية والهواتف المحمولة المرتبطة بالعالم الخارجي لشبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، التي فتحت المجال واسعا أمام القراء لتصفح مختلف المواقع والحصول على المعلومات المرغوبة في لحظات بطريقة آنية وتفاعلية أيضا، وهي الخاصية التي تفتقدها وسائل الإعلام الكلاسيكية».
أمام هذه التحولات السريعة في المشهد الإعلامي العالمي وليس الجزائري فقط التي طغت فيه الوسيلة على المعلومة ودخول العصر الرقمي وشبكة الاتصال الحديثة بفضل الأقمار الصناعية أكيد تحققت فيه نبوءة مارشال ماكلوهان صاحب مقولة «المعلومة هي الوسيلة» بالنظر إلى حالة التجدد والابتكار التكنولوجي، الذي يذهل العالم يوميا وبالخصوص في وسائل الاتصال بكل أنواعها، وبالتالي كان لابد من حدوث تأثير عميق على مضامين وسائل الإعلام وأنواعها بظهور وسائل جديدة بتقنيات حديثة معروفة باسم صحافة المواطن أو الصحافة الالكترونية التي جعلت كل مواطن بإمكانه أن يصبح مرسلا ومصدرا للمعلومة ومتلقي في آن واحد بفضل تقنيات الوسائط التكنولوجية التي مزجت بين الصورة، الكلمة والصوت» على الرغم من التحفظات الكثيرة والانتقادات التي تواجه هذا النوع من الإعلام بسبب المصداقية.
لابد من خطوات عملية لمواكبة العصر الرقمي..
أمام هذه التحديات المتواصلة التي لم تعط لوسائل الإعلام التقليدية وقتا كافيا للملمة نفسها ومواجهة تحد الزوال والاضمحلال، أدركت هذه الأخيرة «أن وقت الجد قد حان، ولا بد من خطوات عملية لمواكبة العصر الرقمي التكنولوجي والتكيف مع المعطيات الإعلامية الجديدة من أجل الحفاظ على الحياة والمكاسب المحققة في الميدان طيلة عقود أمام الزحف الجارف لوسائل الإعلام الالكترونية، فظهرت عدة محاولات وأنماط لهذا التحول أخذ بعضها إنشاء نسخ الكترونية مشابهة للنسخة الورقية يمكن للقارئ تصفحها على الموقع الخاص بالمؤسسة لكن يغيب فيها طابع التحيين الآني للمعلومات، وأخرى بادرت إلى إنشاء نسخة الكترونية متكاملة وقائمة بذاتها، وثالثة حاولت المزج بين النسخة الورقية والالكترونية بإنشاء موقع إلكتروني متعدد الوسائط للاهتمام بنشر وبث الأخبار والأحداث الآنية الوطنية والدولية وحتى المحلية بالصوت والصورة مع التجديد المتواصل لمواكبة الأحداث وتلبية رغبات القارئ على شاكلة مبادرة جريدة «الشعب أونلاين» دون إهمال النسخة الورقية التي تعتبر أيضا وسيلة أساسية من حيث التفاصيل وأرشفة مختلف الأحداث.
لكن ما يهمّنا أكثر في هذا القضية هو مصير الإعلام المحلي أو الجواري الذي بدأ يلقى المزيد من الاهتمام بين المواطنين بسبب ظاهرة التخصص أمام ظاهرة «التخمة الإعلامية «التي أصابت المتلقي لكثرة العناوين ومصادر الأخبار أغلبها لا تلبي حاجياته واهتماماته من حيث مبدأ الأولوية، ما جعل هذا الأخير حسب التجارب المحلية يقوم بالحث عن أخبار ومقالات تعنى بمشاكل حيه أو قريته أو مدينته الصغيرة بغض النظر عن وسيلة النشر العمومية أو الخاصة بشرط توفر تقنية النشر الالكتروني التي أصبحت أكثر تصفحا من قبل القارئ، لذلك نجد أن أغلب المواضيع والمقالات الصحفية التي تنشر على النت أو مواقع التواصل تلقى تفاعلا كبيرا، ومنها مقالات جريدة الشعب التي تناولت أزمة مناطق الظل وتقاعس البلديات، قطاع التربية ومشاكله، تطلع المواطنين في القرى والمناطق المعزولة الى المرافق العمومية والتهيئة وغيرها من الانشغالات الاخرى التي تمس بطريقة مباشرة اهتمامات المواطنين، في حين تبقى المواضيع ذات البعد الوطني والاقتصادي بعيدة نوعا ما عن الاهتمام، وتقتصر في الغالب على الطبقة المثقفة والنخبة.
لذلك كان من اللازم على مضامين الإعلام الجواري أن تتكيف مع رغبات المتلقي من جهة، وأن تتدعّم بوسيلة نشر الكترونية من أجل أن تلقى الاهتمام والمتابعة، وبإمكانها المنافسة بقوة أمام باقي المضامين الأخرى التي تنتشر في المنتديات المحلية ومواقع التواصل التي تفتقد إلى المصداقية، المصدر الرسمي مقارنة بالمحتوى الإعلامي الذي تقدمه وسائل الإعلام التقليدية العمومية أو الخاصة، الذي يبقى له وزنا كبيرا لدى المواطن، ودائما ما يكون مصدر موثوق للمعلومة الصحيحة والموضوعية.