عادت ظاهرة الاختطاف والاعتداءات على الأطفال والقصر بشكل مثير للقلق في المجتمع، ما يؤكد ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية الأكثر ردعا وتطبيقها على مرتكبي هذه الجرائم، بالإضافة إلى تكثيف عملية التحسيس والتوعية في أوساط المجتمع، وكذا معالجة المشاكل التي تؤدي إلى تفشيها حسب ما أكده خبراء مختصون في علم النفس، علم الاجتماع والقانون لـ» الشعب».
أعادت الجريمة الشنعاء التي كانت ضحيتها المراهقة «شيماء»، إلى الأذهان كرونولوجيا الجرائم التي تعرض لها أطفال ومراهقون من الجنسين خلال السنوات الماضية، هذه الجرائم التي كل ضحاياها من البراءة تتساءل في يوم الحشر لماذا قتلت.
ويتفق أغلب القانونيين والمختصين في علم النفس والاجتماع، على أن عدم تطبيق القانون بصفة ردعية، أدى إلى تطور هذا النوع من الجريمة في المجتمع الجزائري.
* مليكة شيخة : الدستور الجديد يحمل أملا واسعا لحماية حقوق الطفل والمرأة
اعتبرت مليكة شيخة محامية لدى شبكة «ندى»، أن ما حدث للطفلة شيماء – رحمها الله – ولغيرها من قبل يصنف في خانة العنف ضد المرأة، حيث ما زالت العقليات بالية، وبالنسبة للضحية شيماء، فهي امتداد لمشاكل اجتماعية، إذ يتعلق الأمر بأم مطلقة تسعى لكسب قوت أولادها ووالد متنازل عن كل شيء، هذا ما جعل الفقيدة تقع فريسة في يد شاب شفى غليله فيها باعتداء وحشي انتهى بالحرق.
في المقابل، تستبشر المحامية خيرا بالدستور الجديد، الذي يحمل آمالا واسعة لحماية حقوق الطفل والمرأة، خاصة وأنه أعطى للمجتمع المدني الأهلية القانونية كي يتأسس كطرف مدني في القضايا التي تخص الأطفال والقصر.
وأرجعت المحامية شيخة سبب ارتفاع الجريمة سواء خطف، اغتصاب أو قتل إلى سياسة «اللاعقاب»، وتعتبر أنه في الجرائم المشابهة لتلك التي وقعت لشيماء، تتطلب تطبيق أقصى العقوبات وهي الإعدام.
وأوضحت المتحدثة أن الجزائر أوقفت تطبيق الحكم بالإعدام منذ سنة 1994، بعد المصادقة على المعاهدات والمواثيق الدولية التي تمنع تطبيقه باعتبارها تعلو على الدستور، ولكن يمكن – حسب شيخة – أن تنسحب الجزائر من هذه المواثيق عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن.
وبرأيها فإن الإعتداءات والعنف سيؤدي بالضرورة إلى تفكيك المجتمع، لما ينجر عنه من حقد وانتقام، متسبب في تفاقم الظاهرة أكثر فأكثر في ظل استمرار «اللاعقاب»، والاقتصار على إجراءات عقابية مخففة، ولذلك فهي تطالب بتطبيق الإعدام في القضايا الخاصة بالأطفال والقصر.
* أحمد قوراية: تطور الظاهرة إلى «فوبيا «و»بسيكوز»
من جهته، تحدث أحمد قوراية خبير في علم النفس الاجتماعي انتشار ظاهرة الاختطاف والاعتداءات على الأطفال والقصر في الفترة الأخيرة لدوافع مختلفة، أحيانا يطلب الخاطفون المال أو استغلال الأطفال جنسيا أو جسدياً أو للاتجار بهم أو بأعضائهم.
ففي كل هذه الحالات ينتج الأثر النفسي على المخطوف طبقا لاختلاف سبب الخطف، فالمخطوف لغرض الحصول على المال لا يؤذى، والمخطوف لاستغلاله جنسيا أو للاتجار بأعضائه يؤذى بصورة سيئة غالباً وقاهرة، لكن يبقى الأثر النفسي للاختطاف مؤلما على الطفل.
وقال قوراية إن الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال والقصر من الجنسين تؤدي للإصابة بصدمة نفسية، تغير سلوكهم في الحياة وتفقدهم الطمأنينة النفسية المنتجة لراحة والتوازن نفسي، وقد يصاب بعديد الاضطرابات النفسية ومنها اضطراب المولد لضغط النفسي السالب، والذي يحدث عقب حدوث صدمة للشخص بعدما يسترجع ذكريات تجربة الاختطاف المؤلمة وإعادة معايشتها من جديد وقد تجعله منعزلاً عن العالم من حوله وغير مستجيب له.
ويمكن كذلك – يضيف - أن يفقد علاقاته الاجتماعية، مع زيادة اليقظة والحذر أو زيادة التهور والاندفاعية ويقع في مرض اضطراب النفسي السلوكي، ويصبح يعيش في»بسيكوز» الاختطاف في المجتمع بتأثيرات سلبية اجتماعية ونفسية على كل الأصعدة، سواء المتضررة أو المتأثرة بالحالة من بعيد سواء في الحي والمدرسة ووسط الزملاء، أو حتى في الوسط العائلي فهم يتأثرون بدورهم سلبا وهذا ما يسمى بتأثير النفسي والاجتماعي على الضحية وعلى أسرته.
هذا التأثير النفسي ينتج خوفا ورعبا نفسيا، مرضيا لوقوف الأولياء عند أبواب المدارس وأحيانا حتى الإخوة وقيامهم بدور الحراسة، لأن الظاهرة صارت « بسيكوز» مرضا نفسيا وهاجسا، يعيشه الأولياء بالخوف والقلق ملازمين معهم الذي يعكر صفو الحياة من جهة.
ومن ناحية أخرى، الجرح العميق في نفسية الطفل ويؤدي ذلك إلى إصابته بالانهيار العصبي والنفسي، ويبقى يبحث عن الإجابة مدى الحياة، لأنه لا يفهم ما حدث معه وأسباب ذلك، كما قد ينتج في أعماقه النفسية كره للأسرة، التي قد يفهم أنها تخلت عنه وأنها غير قادرة على حمايته وهنا يفقد التوازن نفسي والعقلي والسلوكي.
وحسب المختص النفساني، قد تحتاج الضحية إلى عزيمة للعلاج من طرف الطبيب النفسي، لأنها تعيش معاناة وألما نفسيا والعذاب بفعل اختطاف، كما يولد شعورا نفسيا لكل الأسرة بأنها غير محمية أمنيا فتتزعزع ثقة النفس لديها، ولكل المجتمع فيعيش الجميع «فوبيا «الخوف وعدم الاتزان، فيضيع التركيز في الدراسة والطمأنينة النفسية لدى الأولياء ولكل الشعب الجزائري. ولهذا يقول المتحدث: «كان مطلبنا من أكثر من 20 عاما من الدولة إدراج الإعدام لكل من أزهق روحا أو قام باختطاف حتى نعالج هذه الظاهرة بالردع، لأن الخاطف يتلذذ حينما يعذب ويقتل ويحرق المخطوف، وهذا يعني أنه «سادي» ومتوحش».
* شريف زهرة: الاختطاف يؤدي إلى تذبذب وعدم توازن العلاقات الاجتماعية
من جهته، اعتبر الأستاذ شريف زهرة مختص في علم الاجتماع، ظاهرة الاختطاف دخيلة على المجتمع الجزائري، ولا ترتبط بحضارة وثقافة المجتمع الجزائري، مبرزا أن الظاهرة الإجرامية التي تفاقمت بشكل كبير تؤدي إلى خلل في الأسرة، التي تلجأ إلى وضع مخطط لحماية الطفل، حيث تقوم باصطحابه إلى المدرس أو المتوسطة، ما يحرمه من البقاء مع أصدقائه.
وقال شريف:» إن ظاهرة الاختطاف والاعتداءات التي تصل إلى جريمة القتل في بعض الأحيان، تؤدي إلى تذبذب وعدم توازن العلاقات الاجتماعية، وبالتالي يخلق ذلك عدم الأمان في المجتمع، واعتبر ذلك أمرا خطيرا إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد».
وراح شريف زهرة يحلل الظاهرة من الناحية الاجتماعية، مفيدا أن» الشخص الذي يقوم بعملية الخطف له خلفيات اجتماعية أو نفسية، تجعله يفكر في أشياء غير سوية، بالإضافة إلى ما يروّج في المجتمع من هذه الضغوطات النفسية والاجتماعية، فيقوم بارتكاب الجرائم، أما الضحية فقد يكون يعاني هو الآخر من مشاكل أسرية، انفصال أو طلاق الوالدين، والصراعات التي تنتج عنها، فيبحث عن ملجأ ويرى في الهروب حلا، لكن ما يلبث أن يصبح لقمة سهلة للمختطف، لإغرائه واستدراجه لارتكاب الجريمة التي خطط لها «.
وللتصدي للظاهرة يوصي المتحدث، بضرورة أن تتحلى الأسرة باليقظة، والسؤال الدائم على الأبناء بشكل غير مباشر، كما يتعين على الأسر أن تتعاون فيما بينها من خلال التوعية وتحسيس بعضها البعض بشكل لين.
ويقع على الإعلام والمؤسسات الاجتماعية ككل، كمؤسسة المسجد، المجتمع المدني والأحزاب السياسية، مسؤولية المشاركة في عملية تبصير العامة من خطورة الظاهرة، بالتعريف بالإجراءات التي يتلقاها مرتكب جريمة الخطف والاعتداءات الأخرى.