عبان رمضان واحد من أبرز العقول المخطّطة والمنظمة للثورة الجزائرية، تميّز بالتنسيق بين الولايات التاريخية والاتصالات مع أعضاء جبهة التحرير خارج الجزائر، في مصر، المغرب، تونس وفي فرنسا. هندس مؤتمر الصومام الذي دعا إليه يوم 20 أوت 1956، الذي كان منعرجا حاسما في تاريخ الثورة.
ولد عبان رمضان يوم 15 جوان 1920 بقرية عزوزة بمنطقة القبائل، زاول تعليمه الإبتدائي بمسقط رأسه ثم انتقل إلى ثانوية البليدة التي تعرف بها على بن يوسف بن خدة وسعد دحلب.
في عام 1944 حصل على شهادة البكالوريا وأدى الخدمة العسكرية رفقة عمر أوعمران، فسعى إلى توظيفه كمساعد كاتب ببلدية شلغوم العيد قرب قسنطينة، خلال العهد الإستعماري. انضم عام 1946 إلى حزب الشعب الجزائري، وسرعان ما أصبح عنصرا نشيطا فيه بولاية سطيف.
ويذكر الراحل حسين آيت أحمد، في مذكراته، إنه هو من جنّد، رفقة لعميش، عبان رمضان، في صفوف المنظمة الخاصة أثناء العطلة التي كان يقضيها بمسقط رأسه.
اعتقل عبان رمضان أثناء تفكيك المنظمة الخاصة عام 1950 رفقة 28 عنصرا آخر بتهمة القيام في جويلية 1951، بصفته قائدا ولائيا بحزب الشعب الجزائري / حركة انتصار الحريات الديمقراطية بتكليف بعض المناضلين من تازمالت بتنظيم وتدريب مجموعات قتالية.
حُكم عليه يوم 15 فيفري 1951 بالمنع من الإقامة مدة ست سنوات، والحرمان من الحقوق المدنية عشر سنوات وغرامة 500 ألف فرنك فرنسي. أطلق سراحه في فيفري 1955 ثم وضع تحت الإقامة الجبرية بمسقط رأسه بمنطقة القبائل.
يقال إنّ أوعمران اتّصل بعبان، فور إطلاق سراحه وكان يعرفه من قبل بهدف ضمه إلى جبهة وجيش التحرير الوطني.
وحسب شهادة شفوية، أدلى بها أوعمران بذراع الميزان عام 1976، شكّك عبان في بداية الأمر في إمكانية الإنتصار على الفرنسيين بتلك الوسائل المتواضعة، بل قيل إنه وصف أصحاب الفكرة بـ «الأشخاص الذين لا يقدرون المسؤولية ويخاطرون».
غضب كريم بلقاسم من نتيجة هذا الإتصال الأول بين عبان وأوعمران، فطلب من هذا الأخير العودة ثانية إلى عبان الذي كان يجهل الكثير من المعطيات بحكم مكوثه الطويل في السجن، وتزويده بجميع المعلومات اللازمة حتى يتخذ قراره عن دراية، وبفضل هذا اللّقاء الثاني التوضيحي الذي تم بين أوعمران وعبان في فيفري 1955، قبل هذا الأخير الإنخراط في جبهة وجيش التحرير الوطني، وفي هذه الظروف بالذات قرّر كريم إرساله رفقة أوعمران لتعزيز المنطقة الرابعة لتقديم يد المساعدة لقائدها رابح بيطاط، الذي كان يواجه بعض الصعوبات.
وحسب شهادة ياسف سعدي، عبان وصل العاصمة يوم 7 مارس 1955، أي قبل خمسة عشر يوما من اعتقال رابح بيطاط في 23 من نفس الشهر، وسعدي شاهد على نضال عبان في صفوف الثورة بالمنطقة الرابعة، وقد كتب في هذا الصدد: «في البداية كان يرغب في فرض نفسه من خلال مطالبته بضمان مبدأين كانا يعتبران أساسان في ذلك الوقت، هما أسبقية السياسي على العسكري والداخل على الخارج، ولمزيد من الإطمئنان أصرّ عبان الذي استقبلته لدى وصوله من منطقة القبائل الكبرى بأحد الأحياء الواقعة بمرتفعات المدينة، على تنقلي إلى الخارج وتحديدا زوريخ بسويسرا».
ابتداءً من أول أفريل 1955، بدأ عبان يتحدث بإسم جبهة وجيش التحرير الوطني، فأطلق نداءً دعا فيه الجزائريين إلى الإنضمام بقوة إلى الجبهة.
وبعد ستة أشهر من تنصيبه بالعاصمة في ديسمبر 1955، بدأ عبان يتصل بالوفد الخارجي بواسطة الرسائل، في رسالة مؤرخة في 20 سبتمبر 1955، كتب يقول: «نأمل أن تكون هناك مراسلات متواصلة في المستقبل، عليكم بتوجيه رسائلكم مستقبلا إلى بروكسل على العنوان الآتي: (فريدي مزيدي، 8، شارع دارجان، بروكسل)، بريدكم سيصلنا بالجزائر بواسطة هذا الشخص».
كان عبان رمضان رفقة العربي بن مهيدي وياسف سعدي، أصحاب قرار في انطلاق «معركة الجزائر»، قام هو والعربي بن مهيدي بالإشراف على العمل العسكري، وتنسيق العمل على توصيل الدعاية السياسية للشعب. ولكن بعد اعتقال العربي بن مهيدي واستشهاده ومطاردة ياسف سعدي، قرّر عبان رمضان رفقة ثلاثة من أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ مغادرة العاصمة.
يقول الهاشمي جيار، الوزير الأسبق، إنّ «المدافعين المستميتين عن عبان يرون فيه رجلا من فئة العباقرة، وعليه كان من الطبيعي جدا أن يبادر بالبحث عن دور يتميز به على الآراء البسيطة التي تصدر عن أشخاص بسطاء والمقصود بهم هم القادة الآخرون لجبهة وجيش التحرير الوطني، وعكسهم يرى معارضوه أن عبان كان ميالا بطبعه إلى التسلط ومهووسا بوضع نفسه فوق الجميع، وبعلاقة السيطرة والخضوع».
وأضاف أنّ أداء دور القائد المسؤول في ظروف تلك المرحلة لم يكن بالمهمة السهلة، بل أمرا يحتاج إلى الشرعية والحزم والمقدرة على اتخاذ القرار والكثير من المرونة والواقعية، هذه الأخيرة كانت لازمة لتجنب النزاعات وتحفيز المساعدين ومنه تكريس القيادة على أسس متينة، حسب شهادة سانت إكزوبيري.
ويستشهد جيار بمؤلفات تناولت مسألة الفعالية في القيادة، أي العوامل التي تجعل القائد قادرا على إدارة فرد أو مجموعة.
وحسب شهادة مولود بلعوان المسؤول السابق في الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، الذي إلتقى عبان في الناظور عام 1957، أجاب على سؤال جيار بمناسبة ملتقى نظم بتلمسان لإحياء الذكرى الخمسين لهذه المنظمة بتاريخ 29 جوان 2005، فقال: «إنّه كان ديمقراطيا حقيقيا، وأنه كان بسيطا في حياته ومتفتّحا على الآخرين».
واستشهد عبان رمضان في المغرب يوم 26 ديسمبر 1957.