أعاد للثّورة شعلتها في ظرف حسّاس

فريــق جبهـة التّحرير الوطني لكـرة القــدم.. سفـير القضيّـة الوطنيّــة

نبيلة بوقرين

يعتبر فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم من بين فروع النضال ضد المُستعمر الفرنسي بالموازاة مع الشقين العسكري والسياسي، بهدف التعريف أكثر بالقضية الجزائرية وتدويلها أمام الرأي العام الدولي. الإنطلاقة الفعلية يوم 13 أفريل 1958، حيث كان بمثابة سفير حقيقي للقضية الوطنية في إطار العمل الذي كان يرمي في ذلك الوقت للتّعجيل بالإستقلال، ولم يكن القرار سهلا بالنسبة للمسؤولين على رأس جبهة التحرير الوطني، إلاّ أن الدقة والحنكة جعلتهما يصلون للمبتغى من خلال ميلاد هذا الفريق، وسمح بإظهار الكفاءات التي يتمتع بها أبناء هذا الوطن المُغتصب.
لم تكن المهمة سهلة بالنظر للأوضاع التي كانت سائدة في تلك الفترة، ولهذا كان من الضروري العمل في سرية تامة وتفادي أي خطأ قد يُفشل المهمة إلى غاية البداية الفعلية لهذا المولود الجديد، الذي سيكون له صدى إعلاميا وسياسيا كبيرا فيما بعد، وكان بمثابة ضربة موجعة لفرنسا التي كانت تعمل من أجل القضاء على الثورة التحريرية وتمنع امتدادها من خلال قمع كل التنظيمات التابعة لجبهة التحرير الوطني.
إلاّ أن الخبرة والذكاء وبُعد النظر بالنسبة للأشخاص الذين تمّ تكليفهم بهذه المهمة الصعبة والدقيقة، كان أقوى بكثير من رقابة الفرنسيّين ونجحوا في مهمّتهم بكل جدارة، وأكّدوا للمستعمر الغاشم أنهم ينتمون إلى وطن مغتصب وشعب مقهور ومسلوب الحرية بقيادة المهندس محمد بومزراق وبن بيتور.

شباب لبّوا نداء الوطن متجاهلين  امتيازات المستعمر

البداية كانت من خلال التقرب من اللاعبين الشباب المحترفين بالأندية الفرنسية، حيث عمل كل من بومزراق ورفقائه على كسب ود وثقة مجموعة من أبرز الأسماء التي كانت تملك شعبية كبيرة في صورة كل من رشيد مخلوفي الذي ساهم في تتويج منتخب فرنسا العسكري بكأس العالم، إضافة لمصطفى زيتوني الذي كان معنيا بمونديال السويد رفقة مخلوفي سنة 1958، محمد معوش، عبد الحميد زوبا، الإخوة سوكان وآخرين من خلال اللقاءات الدورية في عطلة نهاية الأسبوع، حتى لا يلفتوا انتباه المسيّرين على رأس الأندية التي كانوا يلعبون لها، جاء الدور على تأمين الطرق من أجل هروب اللاعبين بعدما أبدوا قبولهم للفكرة، ووافقوا على تلبية نداء الوطن والجبهة على حساب الإمتيازات التي كانوا يحظون بها في نواديهم.
أحدثوا ضجة إعلامية كبيرة لفك الحصار الذي كانت تفرضه السلطات الفرنسية في هذا الجانب، حتى تقضي على الثورة لأن اختفاء 10 أسماء لامعة في الدوري الفرنسي في ليلة واحدة كان بمثابة صفعة حقيقية للفرنسيين في كل المستويات.
وفي المقابل كان نجاح واسع النطاق للقيادة العليا لجبهة التحرير الوطني في الجزائر وبفرنسا وتونس في آن واحد، حيث رفع الفريق الراية الجزائرية وأسمع النشيد الجزائري في الكثير من العواصم، في الوقت الذي كانت تعيش فيه ثورة نوفمبر مرحلة حاسمة ومصيرية عرفت اشتداد المعركة الدبلوماسية بعد تدويل القضية الجزائرية ودخولها أروقة الأمم المتحدة، وبالرغم من مُحاولة تضييق الخناق من طرف السلطات الفرنسية لإفشال مُخطّطها، إلاّ أن الحديث عن الثورة الجزائرية عاد من جديد بفضل الساحرة المستديرة.
كان اللاعبون وكل الطاقم القائم على الفريق بمثابة مسبّلين ومجاهدين عملوا بالمجّان، ولم ينتظروا أي مقابل رغم أنّهم كانوا شباب في مقتبل العمر، حيث قدّموا كل ما لديهم في كل المقابلات في كل دول العالم، همُّهم الوحيد هو تقديم الدعم لجبهة التحرير الوطني في تدويل القضية الجزائرية والدعاية لها عن طريق الرياضة، بما أن القيادة العليا في تلك الفترة كانت تقول بأنّه إذا كنّا في خطاب سياسي نجمع 100 أو 1000 شخص، فإن مباراة في كرة القدم تتجاوز 60 ألف متتبع.
من هنا نستنتج أن الذين تفطّنوا لتكوين فريق في كرة القدم كانوا على دراية بأهمية هذا الجانب، بعدما استفادوا من الخبرة والتجربة اللتين قادتهما نحو الخارج، حيث قاموا بالدعاية للقضية الجزائرية وعملوا كل ما في وسعهم لتدويلها وإسماع صوت الجزائريين الذين كانوا يعانون من ويلات الإستعمار الفرنسي للعالم.
وهناك من فارقوا الحياة وعددهم كبير وآخرون هم على قيد الحياة أطال الله في عمرهم، وكان لهم دور بارز في خدمة الكرة بعد الإستقلال لسنوات عديدة بدليل أن المولودية توّجت باللقب القاري الوحيد لها بقيادة أسماء كانوا ضمن فريق جبهة التحرير الوطني سنة 1976، نفس الأمر بالنسبة للمنتخب الوطني الذي تأهّل إلى مونديالي 1982 و1986 وتوّج بأول لقب قاري سنة 1990 بقيادة كرمالي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024