شهـــادات عـــن صمـــود شعب يتحــدى الاحتـــلال ومؤامرة شركائه
تضحيـــــــات وإرادة لاستكمال سيـــــادة الدولــــة الصحراويـــــــة
السلميـــة الوجـه الآخــر للكفــاح التحــــرّري
لم تطأ قدماي بلدة تيفاري المحررة منذ أكثر من 8 سنوات، الكثير من الأشياء تغيّرت منذ زيارتي الأخيرة، تغيرت إلى الأحسن وخاصة في ما يخصّ المجهودات المبذولة في سبيل تلطيف ظروف إقامة ضيوف القضية الصحراوية، مهمة إعلامية وتضامنية مع الشعب الصحراوي وكفاحه من اجل حقّه الشرعي في تقرير المصير، قادت «الشعب» لمدة خمسة أيام من الجزائر العاصمة إلى تيفاريتي المحررة..
- الثلاثاء 17 ديسمبر 2019، القاعة الشرفية بمطار هواري بومدين الجناح الداخلي. الوجهة تندوف، فمخيم اللجوء بوجدور ثم بلدة تيفاريتي المحررة التي تحتضن أشغال المؤتمر الخامس عشر لجبهة البوليساريو، مؤتمر الشهيد «البخاري أحمد باريكلا»، تحت شعار «كفاح صمود وتضحية لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية». أكثر من ثماني ساعات من الانتظار والسبب هبوب عاصفة رملية بتندوف. ساعات انتظار طويلة كانت فرصة طيبة لتبادل أطراف الحديث مع الكثير من زملاء المهنة، خاصة قدماء المهمات إلى مخيمات اللجوء بتندوف وإلى تيفاريتي بالأراضي الصحراوية المحررة. استذكار محطات جميلة وذكريات ومواقف مر بها البعض ومغامرات شيّقة لطّفت من قسوة الظروف التي يكابدها الإعلامي خلال أداء عمله.
وجوه طيبة أخرى نلتقي بها بالصالون الشرفي من ممثلي المجتمع المدني أصدقاء القضية الصحراوية، ممثلين عن اللجنة البرلمانية للصداقة الجزائرية الصحراوية والبرلمان بغرفتيه واللجنة الجزائرية الوطنية للتضامن مع الشعب الصحراوي.
إنها العاشرة ليلا، أخيرا ستقللنا الطائرة، وها نحن نودّع الجزائر العاصمة، تصحبنا قطرات غيث نزلت لتنعش الجو قليلا وتلطف من الحرارة غير الاعتيادية وأرق ساعات الانتظار الطويلة. الرحلة على متن طائرة طاسيلي للطيران مريحة جدا وبعد ساعتين ونصف وصلنا إلى تندوف.. إنها الساعة الواحدة صباحا، استقبال الوفد الجزائري بالقاعة الشرفية من قبل السلطات المحلية الجزائرية وكذا السلطات الصحراوية، تمّ تشكيل القافلة التي تقودنا إلى مخيمات اللجوء بعد أن تجوب بعض شوارع تندوف وسكانها نيام.
إنها الساعة الرابعة صباحا، برد جاف وسماء يرصعها بريق النجوم وكأنها تحتفي بقدومنا إلى مخيم بوجدور. وكن في الساحة الكبيرة للمخيم يكابدن برد ليالي الصحراء القاسي، في انتظار الضيوف المميزين، نسوة يصحبهن شبان، غير مبالين بالتعب، استقبلت كل واحدة من هن مجموعة منا بابتسامة عريضة وأجمل تعابير الترحاب لتقودها إلى بيتها، وكان لنا والفريق الإعلامي التركي الممثل للتلفزيون والإذاعة التركية والمتكون من سناء وزوجها «احمت» والمصور «هاكان» الحظ في النزول ضيوف عند السيدة «مامية تو».
استقبال حار، حرارة حفاوة وجود أهل الساقية الحمراء ووادي الذهب تكرمنا به السيدة «مامية تو» في بيتها الجميل، والتي تعلمنا بفخر كبير أن «زوجها مشارك في تيفاريتي في فعاليات المؤتمر». تقليد الشاي الصحراوي وثلاثة كؤوس برغوتها الناعمة، طريقة تحضيره على الجمر وتقديمه في الكؤوس الزجاجية الصغيرة، كلها تفاصيل جميلة أبهرت المصور التركي هاكان، الذي أخرج عدسته لتخليد طريقة التحضير في فيديوهات وصور يريد نقلها إلى تركيا، هذا بالرغم من تعبه الشديد.. سناء الصحافية التركية هي الوحيدة التي تجيد اللغة العربية كونها عاشت أكثر من 15 سنة بالجزائر، وكان دوري أن أفسر لها إجابات الصحراوين على أسئلتهم هي ورفقائها.
وبالرغم من اعتراضنا حرصت «مامية تو» على تقديم العشاء لنا، وفي ما تحضر ابنتها ابنتها «توتشو» المأكولات، تكشف لنا أنها «جاءت إلى المخيمات سنة 1975 وكان عمرها آنذاك 6 سنوات، وتقول إنها سعيدة باستضافتنا في بيتها وتطلب منا أن نرجع لزيارتها بعد عودتنا من تيفاريتي.
في الطريق إلى تيفاريتي المحررة
-الأربعاء 17 ديسمبر 2019 بوجدور المخيم الذي عرف تطورا كبيرا شأنه شأن المخيمات الصحراوية الأخرى، أصبح له عيادة لطب العيون وأخرى للتحاليل الطبية ومحلات للعطور والألبسة والأحذية العصرية ومحلات لبيع الأدوات الكهرو- منزلية والأواني والكماليات التي وان ارتفع سعرها بحكم بعد المسافة، إلا أنها جاءت كنوع من التلطيف لحياة العائلات الصحراوية الصامدة وخاصة النساء. كل هذه التفاصيل نكتشفها في الصباح الباكر حين يتجمع الوفد في الساحة الكبيرة للتأهب للتوجه نحو تيفاريتي المحررة .
ونغتنم الفرصة ونحن ننتظر إشارة الانطلاق، في التجوال قليلا في محيط مدرسة بوجدور، للتسوّق قليلا في دكاكين المواد الغذائية، أو اخذ بعض الصور التذكارية. الأطفال بمأزرهم البيضاء والزرقاء والوردية يقصدون مدارسهم، وحركة القافلة وهي تتشكل تثير فضول المارة وخاصة النساء بالملحفة الصحراوية....
كانت الانطلاقة في حدود الساعة 11 صباحا قافلة طويلة من السيارات الرباعية الدفع تنطلق باتجاه الحمادة الصحراوية هذه الأرض الوعرة الصلبة، التي تتخللها هنا وهناك بعض الحشائش البرية أو أشجار الطلح، تشكل القاسم المشترك بين صحراء تندوف الجزائرية والأراضي الصحراوية المحررة. هي قرابة 400 كلم الفاصلة بين بوجدور وتيفاريتي، قطعناها في أكثر من 8 ساعات، بسبب التضاريس الوعرة، وحرص كافة السائقين على السير في مجموعة واحدة. الغبار المتطاير، والتوقّف المستمر لانتظار المتأخرين عن الركب، التوقف في غابة صغيرة من أشجار الطلح لتناول وجبة الغداء وكوبا من الشاي المنعش. ثم التوقف أخيرا على مشارف تيفاريتي المحررة والشمس مسافرة إلى المغيب تلبس السماء حلة حمراء نارية. كل سائق صحراوي كان ملزما بالتكفل بمجموعة الركاب التي يقلها، وكان سائقها «مومني» رجل في خريف العمر، هادئ، يجيب عن أسئلتنا حول المنطقة تارة وحول قصة قدومه إلى مخيمات اللجوء تارة أخرى...
ونصل أخيرا إلى تيفاريتي التي «استقبلتنا» والظلام يخيم عليها المكان تتخلله الأضواء الخافتة هنا وهناك، تنير الأعلام الصحراوية المرفرفة في السماء.. نحن في المنطقة العسكرية الثانية، التي تحتضن تحت تشديد أمني كبير فعاليات المؤتمر 15 للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
درس في الديمقراطية التشاورية
@ الخميس 19 ديسمبر 2019: يوم جميل، تلطف حرارته غير الفصلية بعض النسمات الباردة القادمة من المحيط، اليوم الأول من أشغال المؤتمر، جلسة علنية مفتوحة للإعلام، ميزها قراءة التقرير الأدبي للجنة التحضيرات للمؤتمر، ومداخلات ممثلي الدول والمجتمعات المساندة لقضية الشعب الصحراوي.
بغض النظر عن أشغال المؤتمر الخامس عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والذي يقدم كل مرة للعالم دروسا في الديمقراطية والمواطنة التشاورية والمسؤولة التي لا طالما تمتع بها شعب الصحراء الغربية ومناضلي البوليساريو، لا سيما من جهة الوعي والالتفاف حول القضية وممثل الشعب ومناقشة كل صغيرة وكبيرة بكل روح وطنية، وباللجوء للتشاور وصوت الأغلبية في اتخاذ القرارات.
- الجمعة 20 ديسمبر 2019: أشغال المؤتمر في يومه الثالث في حلقة مغلقة، لكن بعض الندوات الصحفية مبرمجة، إضافة إلى استقبال الرئيس الصحراوي للوفد الجزائري، وكذا إشرافه على مأدبة العشاء على شرف أصدقاء القضية الصحراوية.
يوم الجمعة خصصته «الشعب» لتسليط الضوء على الحياة في بلدة تيفارتي المحررة، التي مازالت تحتفظ بآثار قصف الطائرات الحربية المغربية لها سنة 1991، وجدران المدرسة المنهارة التي استهدفت أنداك.
الكثير من الأشياء تغيّرت هنا مند زيارتي الأخيرة لها وقد بنيت شقق لاستقبال ضيوف القضية والمؤتمرين والذين تقوم على خدمتهم النسوة الصحراويات اللواتي تحمّلن مشقة الطريق والابتعاد عن عائلتهن لتلبية النداء..
خيام كثيرة نصبت في المنطقة التي تسمى «الواد» تأوي الكثير من العائلات الصحراوية وكذا المؤتمرين القادمين من المخيمات والأراضي المحتلة ومن المناطق المحرّرة وكذا من موريتانيا واسبانيا وغيرها من دول العالم.
المؤتمر جامع لكل مكونات المجتمع الصحراوي بمختلف الأعمار دون إقصاء أو تميز ومهما اختلفت الآراء والتوجهات تبقى النقطة المشتركة التفاف الجميع حول الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي.
قادتنا الزيارة المقتضبة إلى مستشفى «نفارا»، كما قبلنا ضيافة خالتي دادة محمد، وكانت لنا حوارات شيقة مع بعض الشباب الصحراوي الحامل لقضيته في القلب، وكذا ثائر قادم من العيون المحتلة ومدافعة عن الثقافة الصحراوية..