بالرغم من التطور المذهل الحاصل بقطاع النقل بولاية تيبازة من حيث تشبع الخطوط وتوفر الوسائل النقل بما يكفي الساكنة والزوار على حدّ سواء مما أرغم أجهزة دعم التشغيل على منع الاستثمار بالقطاع، إلا أنّ بعضا من الخطوط الريفية تبقى إلى حدّ السّاعة شاهدة على معاناة لا تنتهي لجموع المسافرين.
فإذا كان عدد مركبات النقل بالولاية تجاوز حدوده القصوى بشهادة الناقلين والقائمين على القطاع ممّا أسفر عن اضطرار مستغلّي بعض الخطوط للعمل بالتناوب تجنبا للفتنة والفوضى، إلا أنّ الخطوط الريفية التي تعنى بمختلف البلديات النائية تبقى الى حدّ الساعة منبوذة من طرف الناقلين العموميين منهم والخواص، بحيث تجلى على أرض الواقع انعدام خدمة النقل هناك بالمفهوم الخدماتي التقني، واقتصارها على نشاط بعض الناقلين غير الشرعيين في غالب الحالات، وهم الناقلون الذين يحدّدون تسعيرة النقل بدون أيّة ضوابط أو مراجع قانونية، ناهيك عن عدم التزامهم بتوقيت محدد يتأقلم معه المسافرون.
ويبقى خط النّقل الذي يربط عاصمة بلدية بني ميلك بمقر الدائرة الداموس شاهدا حيّا على ذلك، من حيث اقتصار خدمات النقل على ناقلين غير رسميّين يستغلون سيارات النقل الجماعي لإيصال المسافرين بين النقطتين اللتين تبعدان عن بعضهما بمسافة 17 كلم، مع الاشارة إلى أنّ تسعيرة النقل بلغت حدود 100 دج للشخص الواحد حينما كانت حالة الطريق جدّ مهترئة قبل أن تنخفض إلى حدود 60 دج عقب إتمام مشروع إعادة تهيئة الطريق مؤخرا، إلا أنّ توقيت الناقلين يبقى عشوائيا وغير متحكّم فيه لأسباب لها علاقة بطبيعة النشاط، الذي لا يخضع أصلا لأيّ ضابط أو رادع يرغم الناقلين بالتزام أخلاقيات المهنة، بحيث يضطر بعض المسافرين لانتظار ساعة من الزمن، وأكثر من ذلك أحيانا للتمكن من اللحاق بمركبة النقل، مع العلم أنّ حالة المركبات ذاتها لا تبعث على الاطمئنان من حيث توفير الراحة للمسافر بالنظر الى حالتها، بحيث لا يتجرّأ الناقلون على اقتناء مركبات جديدة ومجهّزة خوفا من تعرّضها للاهتراء والأعطاب بفعل حالة الطريق، كما تجدر الاشارة أيضا الى أنّ المسافرين يضطرون لتغيير المركبة للتنقل الى عاصمة الولاية أو أية وجهة أخرى.
وبالناحية الغربية دائما، تبقى خدمة النقل بين يلدية سيدي سميان النائية ومدينة سيدي غيلاس دون تطلعات ساكنة المنطقة من حيث استغلال مركبات صغيرة لا تليق لممارسة النشاط في ظلّ انعدام سيارات الأجرة والمركبات المجهّزة بالتقنيات الحديثة، على أن يضطر مسافرو هذا الخط لامتطاء مركبات أخرى للتنقل الى مقر الدائرة بشرشال أوحتى عاصمة الولاية أو أية وجهة أخرى، والأمر لا يختلف كثيرا عن القرى والمداشر المحيطة ببلدية مناصر على كثرتها والتي تشهد طرقاتها تدهورا متقدما ممّا أرغم الناقلين الرسميين على الفرار منها والتحول لوجهات أخرى، وتبقى منطقة أغبال النائية الأوفر حظا في هذا المجال من حيث توفر خدمة النقل بالنظر الى حالة الطريق المقبولة نسبيا مقارنة مع طرق ولائية أخرى.
وبالناحية الشرقية لا تزال مدينتي الدواودة مركز والدواودة البحرية معزولتين عن بعضهما من حيث عدم توفر وسائل النقل، ولم يجرأ أيّ ناقل على استغلال هذا الخط بالرغم من أهميته وتنقل العديد من المركبات عبره في ظلّ وجود ارتباط وثيق بين الدوادة البحرية ومقر البلدية، وحتى سيارات الأجرة تبرّأت هي الأخرى من تحمّل تبعات استغلال هذا الخط اللعين الذي ظلّ على مدار اكثر من عقد من الزمن، ولا يزال في حالة جدّ مهترئة ناهيك عن الانتشار العشوائي للمهلات العملاقة التي تساهم بشكل مباشر في تشويه المركبات، الأمر الذي زاد من نهرّب الناقلين منه وتفاقم أزمة النقل به بالرغم من وقوعه في منطقة حضرية بامتياز تعجّ بالمصطافين والزوار على مدار موسم الاصطياف.
وببلدية فوكة المجاورة كثيرا ما طرحت إشكالية المنفذ على الطريق السريع الرابط بين مزفران وشرشال بحيث يضطر المسافرون المتوجهون نحو العاصمة أو عاصمة الولاية تيبازة للتنقل الى غاية بوسماعيل لغرض امتطاء مركبة النقل، بحيث أجمع جلّ سائقي تلك المركبات على التنقل عبر الطريق السريع وتجنب المرور على فوكة البحرية مما أفرز أزمة نقل مثيرة لجميع سكان فوكة، الذين تمّ دمجهم بقصد أوغير قصد مع سكان بوسماعيل وما جاورها من حيث انطلاق مركبات النقل نحومختلف الاتجاهات، فيما يضمن خدمة النقل بين بوسماعيل والشعيبة مركبات من نمط الكلاندستان، ولا أحد غيرهم بوسعه مباشرة النشاط هناك لأسباب تبقى مجهولة بالرغم من قصر المسافة وحالة الطريق المقبولة نسبيا، وتبقى سيارات الأجرة محتكرة لخدمة النقل بين فوكة والدواودة ضمن ظاهرة فريدة من نوعها عبر أقاليم الولاية، ولم يتجرّأ أحد من الناقلين على طلب استغلال هذا الخط.
وبهذه المعطيات الميدانية الواقعية، بتجلى للعيان بأنّ خطوط النقل بولاية تيبازة تشهد ومنذ فترة طويلة فوضى عارمة بحاجة الى إعادة النظر، وفرض تنظيم اكبر من خلال استغلال الخطوط التي تشهد أزمات حادة في النقل، والتخفيف عن الخطوط التي تشهد تشبعا كثيرا ما ينقلب سلبا على خدمة النقل ذاتها بما لا يخدم لا الناقل ولا المسافر.