العيش معا في سلام ليس شعارا أساسيا أوفلسفيا وإنما هومحصلة قيم تولدت عن تجربة ثرية في الجزائر عقب إرساء مبادئ المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد لإزالة أثار أزمة أمنية حادة ومدمرة كادت أن تعصف بهذا البلد لولا تحرك الخيرين وكل من سار على الدرب الشاق، الذي كلل بالنجاح الكامل والباهر.
اليوم تحول هذا العمل السلبي إلى نموذج فعلي في التكفل بكل الحالات الناجمة عن أوضاع أمنية معينة لا داعي الخوض في أغوارها أوالنبش في تفاصيلها ـ هذا كان من الماضي ـ وكل ما ورد في ميثاق السلم إنما يهدف إلى نسيان الأحقاد وطي صفحة أضر بالجزائريين إلى درجة يصعب تصورها.
وإمتدادا لذلك، رسمت المصالحة مفهوم العيش في سلام، إنطلاقا من حرصها على وضع أسس هذا المسعى الهام، وتأطيره بالدقة، المطلوبة حتى يتسنى تحليه بالوضوح الشامل لدى كل من يريد أن ينخرط فيه للإستفادة من المزايا المعنوية أي تغيير وضعيته القانونية من حالة إلى أخرى وهذا ما حدث بالفعل طيلة كل هذه «المسيرة» المليئة بالتسامح.
وبناء على المعاينات الملموسة في الميدان، اتضح أنه في فترة قياسية إنضوى تحت هذا العمل الوطني عددا من الأشخاص لم يكن أحد يتوقع ذلك وبالتوازي أخذ هذا الوضع يتلاشى رويدا، رويدا لصالح الإستقرار النهائي للبلد.. وكل منا عايش ما حصل عن قرب لكيفية الإستجابة الكبيرة لنداءات السلم، وصوت العقل.
هذا الزخم الداخلي أتى ثماره وكان لابد من التوجه إلى فضاءات أخرى رحبة أي الخارجية إنطلاقا من القناعة العميقة للجزائريين بأن النموذج الذي أرسوه يمكن أن يكون مرجعية بالنسبة للبلدان الأخرى نظرا لما احتواه من نظرة ثاقبة تجاه صناعة السلم بطريقة لم ترد في حوليات هذا النشاط وهذا عندما توجهت مباشرة إلى حل النزاعات بدلا من تقييد أوتكبييل فرص حلها.. دون أي إكراهات تذكر قد تعرقل هذا التوجه بكل ما يحمله من صدق.
هذه الرؤية لم تسجل حتى عند الآخرين الذين عاشوا أحداثا مؤلة، كون طبيعة الأزمات تختلف من بلد إلى آخر كل واحد كيفها مع حالته، بعد تشخيص مفصل لما يجري، قابلته مباشرة الحلول المقترحة، لا تحمل أي زجر أوردع إنما عملت على إحتضان الجميع الذين غرر بهم وفق أولوية الحل قبل شيء آخر.
هذا الطرح غير موجود لى الآخرين الذين حاولوا التصالح في بينهم بدليل أن المشاكل الأمنية مازالت قائمة هنا وهناك.. نظرا لعدة إعتبارات معقدة جوهرها «تقاسم السلطة» هذا ما أفشل كل تلك المحاولات.. وهذا ما أبعد الجميع الذين كانوا يبحثون عن الصيغة المثلى لتسوية أوضاعهم الأمنية.
وكانت للتجربة الجزائرية السلمية الرائدة البديل العملي في خصم كل تلك الإنسدادات المسجلة على الصعيد الدولي، وكانت محل إستقصاء متواصل من قبل العديد من الأهداف المهمة التي أرادت أن تخوض فيها وحاليا، فإن الكثير يعمل بها.
وهكذا أخرجت المصالحة من إطارها المحلي نحوالعالمية من خلال الإقتراح الصادر عن الجزائووالخاص بـ«العيش معا في سلام» الذي تبنته الأمم المتحدة وهومستوحى من ذلك الخيار الوطني ليطرح على مستوى آخر.. ؛ل سنة تحييه الشعوب التواقة إلى الأمن، آملة في أن يكون هذا العالم خال من النزاعات المسلحة وأن يعيش أفراده في سلام دائم.
ومفهوم «العيش معا في سلام» هوالآن مرتبط إرتباطا وثيقا بالخطاب السياسي الجزائري كونه إمتدادا طبيعيا لمسعى المصالحة الوطنية نابع من تلك القيم السامية المتوجهة إلى تثبيت الإستقرار في هذا العالم وإحياؤه في كل مرة يترجم الحرص على التمسك به بإعتباره مرجعية بالنسبة لكل الذين يؤمنون بهذا المبدأ النبيل ويدافعون عنه بكل قناعته وفي مقابل ذلك ينبذون كل أشكال العنف.