طبعة مبهرة تعيد رسم ملامح التكامـل القاري.. رجال أعمـال أفارقة لـ«الشّعب»:

جزائر الإصلاحات قاطرة التنمية ومفخرة إفريقيا

فضيلة بودريش

العقــود بلغت 48.3 مليار دولار.. انتصــار اقتصـادي تاريخـي 

حضـور قـوي لروّاد أعمال شبــاب حملـوا مشاريع مبتكـرة

 اختُتمت الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية، الذي استضافته الجزائر على مدار أسبوع كامل من النشاطات الاقتصادية المكثفة، في أجواء طبعتها الديناميكية والفعالية والدقة التنظيمية. ولم يكن هذا الحدث مجرّد موعد تجاري عابر، بل محطة محورية أسّست لرؤية جديدة في مسار التكامل الاقتصادي القاري، إذ منح البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير ومنطقة التبادل الحرّ القارية «زليكاف»، الضوء الأخضر لتكريس أولوية الاستثمار والتجارة بين الأفارقة أنفسهم، على أرض إفريقية وبإرادة إفريقية.

 جاءت طبعة الجزائر متميّزة بكل المقاييس، سواء من حيث حجم العقود التي بلغت 48.3 مليار دولار، أو من حيث نوعية العارضين والمستثمرين القادمين من مختلف أنحاء القارة والعالم، أو من حيث طبيعة الندوات وورش العمل التي ناقشت سبل توسيع آفاق التصنيع والتكامل التجاري. لكن الأهم من كل ذلك هو الصورة التي ارتسمت في أذهان المشاركين: إفريقيا الجديدة تولد من رحم التكامل، والجزائر تتقدم الصفوف لتكون جسر العبور إلى المستقبل.
المشاركون الأفارقة، الذين تحدثوا إلى «الشّعب»، أجمعوا على أنّ نجاح هذه النسخة لا ينفصل عن المكان الذي احتضنها. فالجزائر، بتاريخها النضالي ودورها الريادي في دعم حركات التحرّر الإفريقية، عادت اليوم لتلعب دورا محوريا في معركة اقتصادية جديدة، عنوانها: تحرير التجارة وبناء صناعة قارية قوية. لم يقتصر الانبهار على جمال الأجنحة المعروضة أو جودة الاستقبال، بل شمل أيضا المرونة في عقد النشاطات والصفقات واللقاءات الثنائية. وقد أكّد العديد من رجال الأعمال أنّ ما شهدوه في الجزائر، لم يلمسوه في طبعات سابقة بمصر أو جنوب إفريقيا، معتبرين أنّ الجزائر نجحت في الجمع بين التنظيم المحكم والبعد الاستراتيجي للحدث.

تامبوي: الجزائر قاطرة قارية بامتياز

 باتينت سايبا تامبوي، عضو مجلس إدارة صندوق التكيف مع «زليكاف» والرّئيس التنفيذي لشركة «أفريكان ديسك»، لخصّ انطباعه عن طبعة الجزائر بكلمة واحدة: «ناجحة تماما». وأوضح أنّ الجزائر استطاعت أن تعالج كل النقائص التي شابت الطبعات السابقة، وسخّرت إمكاناتها وخبرتها في تنظيم المواعيد الكبرى لضمان نجاح هذه النسخة.
قال تامبوي إنّ الجزائر تركت بصمتها الواضحة على مسار التكامل الإفريقي، ليس فقط بتنظيم هذا الحدث، بل من خلال تقديم نموذج في التصنيع والبنى التحتية، وهو ما تحتاجه القارة اليوم أكثر من أي وقت مضى. وأضاف: «الجزائر كانت ومازالت تلعب دورا محوريا في صناعة مستقبل إفريقيا، وننتظر منها أن تكون القاطرة التنموية للقارّة، خاصة في شمالها».
كما أشاد المتحدث بالجهود الكبيرة التي بذلها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لإنجاح المعرض، مشيرا إلى أنّ حضور البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد بقيادة بنديكت أوراما، أكّد جدية الرّهان الإفريقي على التكامل الاقتصادي.
ميداكر هوارد: منصة فريدة وفرص استثنائية
 من جهته، عبّر المتعامل الزيمبابوي ميداكر هوارد، مالك شركة «كازاستان إفريقيا»، عن إعجابه الكبير بفعالية طبعة الجزائر، واصفا إياها بـ»الرائعة». وأكّد أنّ هذا الحدث سمح له ببناء شراكات مع متعاملين جزائريّين وأفارقة، ما سيعزّز حضوره التجاري في بلده.
أشار هوارد إلى أنّ المنتجات الجزائرية، خاصة في مجال الأجهزة المنزلية والتبريد الصناعي، تتميّز بجودة تنافسية تضاهي الأوروبية وبأسعار معقولة، وهو ما فتح أمامه فرصا جديدة للاستيراد. كما لفت إلى الحضور القوي لرواد الأعمال الشباب الذين حملوا مشاريع مبتكرة، معتبرا ذلك علامة على حيوية الاقتصاد الجزائري.

إيموليكي: تنظيم استراتيجي في بلد أحبه

أما النيجيري جوزيف إيموليكي، ممثل رابطة مصنّعي نيجيريا، فقد ذهب أبعد من ذلك، حين وصف الجزائر بأنها «بلد لن أتوقف عن حبه»، مشيدا بجمالها وطيبة شعبها ونظافة بيئتها. وأكّد أنّ تنظيم المعرض في الجزائر كان خيارا استراتيجيا موفقا، لأنها تمثل بوابة رئيسية للعالم بالنسبة للدول الإفريقية.
أشار إيموليكي إلى أنّ الصناعة التحويلية الجزائرية أثارت إعجابه، واعتبرها علامة استثنائية تعكس تطورا صناعيا قادرا على جذب اهتمام المستثمرين الأفارقة. وقال: «الجزائر تقدم الدعم للدول الإفريقية من دون شروط، وهو ما يجعلها شريكا صادقا وجديرا بالثقة».

أوجاغا: فرص ذكية ومتعدّدة

 الكاميروني سوني أوجاغا، صاحب شركة «مزارع الصّحراء»، رأى في المعرض فضاء ذكيا أتاح فرصا متعدّدة لتجاوز الشراكات التقليدية، والانتقال إلى نماذج تعاون جديدة قائمة على التمويل طويل الأمد والمنافع المتبادلة. وقال: «الجزائر دولة مهمة إقليميا وقاريا، ومن الطبيعي أن تبرز لتقود دورا متقدما في القارّة، إلى جانب نيجيريا وجنوب إفريقيا ومصر».
كما شدّد أوجاغا على ضرورة تكثيف الشراكات مع الشركات الجزائرية، بالنظر إلى موقع الجزائر الاستراتيجي وقدراتها الاقتصادية المتنامية، مؤكّدا أنّ إفريقيا تحتاج اليوم إلى دول قوية مثل الجزائر لدفع عجلة التنمية المشتركة.

تيساكا: قاطرة كبرى للتنمية الإفريقية

 بدوره، وصف التشادي سليم ماما تيساكا، صاحب شركة «Locavel»، المعرض بأنه «قاطرة كبرى» جمعت كل عناصر النجاح: الأسواق، المنتجات، التمويلات، الخبراء والمستشارين. وأكد أن الطبعة الرابعة لم تقتصر فوائدها على الجزائر وحدها، بل شملت معظم الدول الإفريقية المشاركة، بفضل حجم الاتفاقيات الموقّعة وتنوعها.
وأشار إلى أنّ المعرض وفّر فرصة فريدة لبناء شراكات جديدة، وأنّ الجزائر استطاعت بفضل هذا التنظيم أن تضع القارّة أمام فضاء واسع ينبض بالفرص. وأضاف: «لم يكن المعرض مجرّد فضاء تجاري، بل ورشة عمل ضخمة للتكامل الإفريقي».

ما وراء الأرقام: دلالات سياسية واقتصادية

 إذا كانت قيمة العقود المبرمة التي بلغت 48.3 مليار دولار، قد شكّلت الرقم الأبرز في هذه الطبعة، فإنّ الدلالة الأعمق تكمن في الرسالة السياسية التي حملها تنظيم المعرض بالجزائر. فالجزائر لم تكتف باحتضان التظاهرة، بل جعلت منها منصة للتعبير عن التزامها الثابت بدعم التكامل القاري، وتجسيد شعار «إفريقيا للأفارقة».
كما أنّ نجاح المعرض أكّد أنّ الحديث عن إفريقيا الموحّدة لم يعد مجرّد حلم أو شعار سياسي، بل مشروع اقتصادي قابل للتحقّق، شرط تعزيز البنى التحتية، وتطوير الصناعة المحلية، وتسهيل انسياب البضائع والخدمات عبر الحدود. وفي هذا السياق، جاءت طبعة الجزائر لتؤكّد أنّ الإرادة السياسية والقدرات الاقتصادية إذا اجتمعتا، يمكن أن تضع القارة على سكة النمو المستدام.
لقد انتقلت الجزائر، التي كانت بالأمس قبلة لحركات التحرّر الإفريقية، إلى لعب دور جديد في معركة لا تقل أهمية: معركة التنمية. واليوم، باتت تطرح نفسها كقاطرة إفريقية، بفضل مكانتها التاريخية، وإمكاناتها الاقتصادية، وموقعها الاستراتيجي الذي يربط المتوسط بالعمق الإفريقي.
إنّ نجاح طبعة الجزائر لا يمكن فصله عن توجه دبلوماسي جديد يعتمد على «القوة الاقتصادية الناعمة»، حيث تسعى الجزائر إلى تعزيز حضورها القاري عبر الاستثمار في البنى التحتية، وتسهيل التبادلات التجارية، وتشجيع شراكات صناعية متوازنة.

إفريقيا أمام منعطف جديد

 تُظهر شهادات رجال الأعمال الأفارقة الذين شاركوا في المعرض، أنّ القارة اليوم تقف عند منعطف حاسم: فإمّا أن تواصل الارتهان للأسواق الخارجية، أو أن تؤسّس لتكامل داخلي يجعلها قادرة على المنافسة العالمية. ولعلّ المعرض البيني في طبعته الجزائرية كان تجسيدا لهذا الخيار الثاني.
فالمستثمرون الأفارقة وجدوا في الجزائر فضاء مثاليا للتلاقي، حيث تتوفر المنتجات والخدمات، وتُفتح النقاشات حول التمويل والتصنيع، وتُعقد الصفقات التي تتجاوز حدود بلد واحد لتشمل القارّة بأكملها.

الجزائر.. رسالة واضحة للمستقبل

 بنجاحها في تنظيم هذه التظاهرة، تكون الجزائر قد بعثت برسالة مزدوجة: الأولى إلى الأفارقة مفادها أنّ الجزائر شريك صادق وجاد في مسيرة التكامل القارّي، والثانية إلى العالم بأنّ إفريقيا قادرة على تنظيم تظاهرات كبرى بمستوى عالمي، وأنها ليست مجرّد سوق استهلاكية، بل فضاء استثماري واعد.
لقد كان «إياتياف 2025» أكثر من معرض تجاري، بل محطة استراتيجية لصياغة مستقبل اقتصادي إفريقي جديد، يحمل بصمة جزائرية واضحة، ويؤسّس لمرحلة جديدة عنوانها: إفريقيا تتكامل.. والجزائر تقود.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025
العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025